الرد على الجهمي عبد الله بن بيه في كذبه على الصحابة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال عبد الله بن بيه الجهمي الأشعري في مقاله نظرات في منهج الإمام الأشعري :” إذاً هناك غفلة وذهول وقع، وهذا طبيعي؛ ولهذا أبو بكر رضي الله عنه رد حديث المغيرة بن شعبة في مسالة الجد، ورد عمر حديثا لأبي موسى الأشعري في مسالة الاستئذان، وإلى أحاديث كثيرة، ورد ابن عباس حديث أبى هريرة في قضية غسل اليد قبل إدخالها في الإناء بالعقل، وقال: كيف يصنع بالمهراس”

يقول هذا الكلام في الدفاع عن منهج الأشاعرة في رد أخبار الآحاد في العقيدة وقد بسط الرد على هذا الخطل في مقامات عديدة منها مقالي ( استدلال السلف بأخبار الآحاد في مسائل الاعتقاد ) الذي أثبت فيه أن القوم يسلكون مسالك الزنادقة وقبل مناقشة كذبه على الصحابة الكرام أنبه القاريء إلى أنه وقع في تناقضين كبيرين

الأول : أن هذه الأخبار التي احتج بها آحادية فكيف اعتمدها في الاستدلال

الثاني : أن هذه المسائل مسألة ميراث الجدة ومسألة الاستئذان ومسألة غسل اليد كلها فقهية وقد اتفق العلماء وأحاط العلم بأن أخبار الآحاد يعمل بها في الفقه وابن بيه وغيره من زنادقة الجهمية يقرون بذلك

فإذا استدل عليهم مبطل بهذه الأخبار على رد السنة مطلقاً فما كان جوابهم فهو جوابنا

والجواب على استدلالاته المذكورة من وجوه

أولها : أنه كذب على الصحابة فلم يرد أحداً منهم شيئاً من الأخبار فأما ما ادعاه على الصديق فكذب محض

قال الإمام أحمد في مسنده 17978 – حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: هَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا (2) شَيْئًا ؟ فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَالَ: ” شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي لَهَا بِالسُّدُسِ “، فَقَالَ: هَلْ سَمِعَ ذَلِكَ مَعَكَ أَحَدٌ ؟ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: ” شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي لَهَا بِالسُّدُسِ ” ” فَأَعْطَاهَا أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ “

فقبل أبو بكر قبل خبر المغيرة ودخول محمد بن مسلمة معه لا يخرجه عن خبراً آحادياً وطلب أبو بكر معه ثانياً لا يعني بالضرورة أنه سيرد خبره إذا لم يكن معه أحد

ثم دعك من هذا كله

هذا السند ضعيف فقبيصة روايته عن الصديق مرسلة فانظر العجب !

ثانيها : أما خبر في الاستئذان فهو معروف وغاية ما في الأمر أن عمر استغرب أنه لم يعرف هذه السنة مع كثرة جلوسه مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد خبر أبي موسى لأنه واحد وإنما طلب التثبت لهذا الاعتراض القوي الذي قام في نفسه ، وهو لم يرد الخبر وإنما توقف ووجود شخص آخر مع أبي موسى لا يخرجه عن كونه خبراً آحادياً

والعجيب أن ابيه وأضرابه يزعمون أنه يجوز مطلقاً العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فماذا لو أنكر عليهم أحد هذا واحتج بخبر عمر مع أبي موسى وهو في فضائل الأعمال !

وقد ثبت عن عمر أخذه بخبر الواحد في مسائل الأموال وهي أخطر من الفضائل اتفاقاً وينبغي الإحتياط فيها أكثر من الفضائل

قال الشافعي في الرسالة أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب كان يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً. حتى أخبره الضّحّاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه: أن يُوَرِّث امرأة أَشْيَمَ الضِّبَابيِّ من ديته، فرجع إليه عمر

قلت سنده صحيح والحديث رواه رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه

وقال الترمذي (( هذا حديث حسن صحيح ))

قلت واحتج به الشافعي في الأم والرسالة

وقال البخاري في صحيحه 5729 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِي الْأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ قَالَ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ

فهنا أخذ بخبر الواحد وأخذ به في جزية المجوس أيضاً

ثالثها : خبر المهراس عن ابن عباس لا أصل له وهو كذب عليه وإنما ورد عن أصحاب ابن مسعود ولعل كلامهم مأخذه الاستشكال لا الرد والاستفسار عن كيفية التعامل مع المهراس مع عموم الحديث، ومع ذلك فقد كره الإمام مالك تلك الكلمة وورد أنها قيلت أمام أبي هريرة فتعوذ من قائلها على وجه الإنكار

رابعها : أن هذه الاستدلالات كلها حجة عليك فإذا فرضنا أنهم كانوا يستشكلون الأحاديث التي تخالف العقل فلم يصح عنهم أنهم استشكلوا شيئاً من أحاديث الصفات مع كثرتها وانتشارها مما يدل على أنها لا تخالف العقل وأن عقولهم وهي أرجح العقول قبلتها فتبين ضلال الجهمية

والأشاعرة أنفسهم يضللون المعتزلة الذين لا تقبل عقولهم وصف الله بالسمع والبصر ، ولا الرؤية

خامسها : أن الخلاف مع الأشاعرة في تعطيلهم للنصوص الثابتة في القرآن والسنن المتواترة كحديث النزول ، والأشاعرة أنفسهم لا يطردون القول بالتأويل بل ينكرون تأويل المعتزلة للسمع والبصر ، والمعتزلة ينكرون على الأشاعرة تأويلهم للنصوص الدالة على دخول العمل في مسمى الإيمان

فمجرد ثبوت التأويل في النصوص إن ثبت لا يدل على صحة كل تأويل وسلامة المتأول من الكفر من الكفار من تأول نصوص المعاد ومنهم من تأول نصوص ختم النبوة

والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان ليتكلم بين ظهراني الأمة بما ظاهره التشبيه ولا يبين لهم وجه الحديث ويتركهم يختلفون ويتخبطون فإنه بين لهم معنى ( مرضت فلم تعدني ) وترك بقية النصوص على ظاهرها بل كان يشير إلى عينيه عند ذكر البصر تحقيقاً للصفة ويسأل أين الله ولا يقبل إلا الإثبات ، وإذا سئل أويضحك ربنا أجاب بالإثبات ومن أجاب بغير جواب النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أهل العلم في كتبهم فهو ضال متبع لغير سبيل المؤمنين ولما قال لأزواجه ( أسرعكن بي لحوقاً أطولكن يداً ) لم يكن ذلك في حلال أو حرام أو أمر مما يهم عموم الأمة ، ولم يترك الله الأمر على ما هو عليه حتى استبان معنى الخبر لعامة الأمة في زمن الصحابة

نعم هناك خلاف في أخبار آحادية ولكنني أريد القول لو سلمنا بهذه القاعدة الباطلة فنقضي عليهم بالزندقة أيضاً

سادسها : أن عامة المصنفين في الأصول من الجهمية الأشعرية يقولون أن خبر الواحد إذا تلقاه أهل الصنعة بالقبول فإنه يقطع بثبوته

قال ابن حجر في النكت على ابن الصلاح : (( وقال النووي : خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون . فقالوا : يفيد الظن ما لم يتواتر ، وقال في شرح مسلم : لا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه من كلام النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

[ رد ابن حجر على النووي وابن عبد السلام : ]

أقول : أقر شيخنا هذا من كلام النووي ، وفيه نظر وذلك أن ابن الصلاح لم يقل : إن الأمة أجمعت على العمل ( بما فيهما ) ، وكيف يسوغ له أن يطلق ذلك والأمة لم تجمع على العمل بما فيهما لا من حيث الجملة ولا من حيث التفضيل ، لأن فيهما أحاديث ترك العمل بما دلت عليه لوجود معارض من ناسخ أو مخصص .

وإنما نقل ابن الصلاح أن الأمة أجمعت على تلقيهما بالقبول من حيث الصحة ويؤيد ذلك أنه قال في شرح مسلم ـ ما صورته :

(( ما اتفقا عليه مقطوع بصدقه لتلقي الأمة له بالقبول وذلك يفيد العلم النظري وهو في إفادة العلم كالمتواتر إلا أن المتواتر يفيد العلم الضروري وتلقي الأمة بالقبول يفيد العلم النظري )) .

ثم حكى عن إمام الحرمين مقالته المشهورة أنه لو اختلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في (( كتاب البخاري ومسلم )) مما حكا بصحته من قول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لإجماع علماء المسلمين على صحتهما .

فهذا يؤيد ما قلنا أنه ما أراد أنهم اتفقوا على العمل وإنما اتفقوا على الصحة . وحينئذ فلا بد لاتفاقهم من مزية ، لأن اتفاقهم على تلقي خبر غير ما في الصحيحين بالقبول ، ولو كان سنده ضعيفاً يوجب العمل بمدلوله . فاتفاقهم على تلقي ما صح سنده ماذا يفيد ؟

فأما متى قلنا يوجب العمل فقط لزم تساوي الضعيف والصحيح فلا بد للصحيح من مزية . وقد وجدت فيما حكاه إمام الحرمين في البرهان عن الأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك ما يصرح بهذا التفضيل الذي أشرت إليه فإنه قال في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول مقطوع بصحته .

ثم فصل ذلك فقال : إن اتفقوا على العمل به لم يقطع بصدقه وحمل الأمر على اعتقادهم وجوب العمل بخبر الواحد .

وإن تلقوه بالقبول قولاً وفعلاً حكم بصدقه قطعاً . وحكى أبو نصر القشيري عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه بيم في (( كتاب التقريب )) أن الأمة إذا اجتمعت أو أجمع أقوام لا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب من غير أن يظهر منهم ذلك التواطؤ على أن الخبر صدق ـ كان ذلك دليلاً على الصدق . قال أبو نصر وحكى إمام الحرمين عن القاضي أن تلقي الأمة لا يقتضي القطع بالصدق .

ولعل هذا فيما أذا تلقته بالقبول ، ولكن يحصل على تصديق الخبر فهذا وجه الجمع بين كلامي القاضي . وجزم القاضي أبو نصر عبد الوهاب المالكي في (( كتاب الملخص )) بالصحة فيما إذا تلقوه بالقبول . قال : وإنما اختلفوا فيما إذا أجمعت على العمل بخبر المخبر هل يدل ذلك على صحته أم لا ؟ على قولين :

قال : وكذلك إذا عمل بموجبه أكثر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأنكروا على من عدل عنه فهل

يدل على صحته وقيام الحجة به ؟

ذهب الجمهور إلى أنه لا يكون صحيحاً بذلك . وذهب عيسى بن أبان إلى أنه يدل على صحته ، انتهى .

فقول الشيخ محي الدين النووي : (( خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون )) . غير متجه . بل تعقبه شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح فقال : (( هذا ممنوع فقد نقل المتأخرين عن جمع من الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة أنهم يقطعون بصحة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول )) .قلت : وكأنه عني بهذا تقي الدين ابن تيمية فإني رأيت فيما حكاه عنه بعض ثقات أصحابه ما ملخصه : الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له وعملاً بموجبه أفاد العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف وهو الذي ذكره جمهور المصنفين في أصول الفقه كشمس الأئمة السرخسي وغيره من الحنفية والقاضي عبد الوهاب وأمثاله من المالكية .

والشيخ أبي حامد الاسفرائيني والقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إسحاق الشيرازي وسليم الرازي وأمثالهم من الشافعية . وأبي عبد الله ابن حامد والقاضي أبي يعلى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم كأبي إسحاق الاسفرائيني وأبي بكر بن فورك وأبو منصور التميمي وابن السمعاني وأبي هاشم الجبائي وأبي عبد الله البصري قال : وهو مذهب أهل الحديث قاطبة وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح في مدخله إلى علوم الحديث ـ فذكر ذلك استنباطاً وافق فيه هؤلاء الأئمة وخالفه في ذلك من ظن أن الجمهور على خلاف قوله لكونه لم يقف إلا على تصانيف من خالف في ذلك كالقاضي أبي بكر الباقلاني والغزالي وابن عقيل وغيرهم ، لأن هؤلاء يقولون إنه لا يفيد العل مطلقاً وعمدتهم أن خبر الواحد لا يفيد العلم بمجرده . والأمة إذا عملت بموجبه فلوجوب العمل بالظن عليهم وأنه لا يمكن جزم الأمة بصدقه في الباطن ، لأن هذا جزم بلا علم .

والجواب : إن إجماع الأمور معصوم عن الخطأ في الباطن .. وإجماعهم على تصديق الخبر كإجماعهم على وجوب العمل به والواحد منهم وإن جاز عليه أن يصدق في نفس الأمر من هو كاذب أو غالط فمجموعهم معصوم عن هذا الواحد من أهل التواتر يجوز عليه بمجرده الكذب والخطأ ومع انضمامه إلى أهل التواتر ينتفي الكذب والخطأ عن مجموعهم ولا فرق . ( انتهى كلامه )

وأصرح من رأيت كلامه في ذلك ممن نقل الشيخ تقي الدين عنه ذلك فيما نحن بصدده ـ الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني فإنه قال : (( أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع وإن حصل الخلاف في بعضها فذلك خلاف في طرقها ورواتها)) .

كأنه يشير بذلك إلى ما نقده بعض الحفاظ . وقد احترز ابن الصلاح عنه . وأما قول الشيخ محي

الدين : (( لا يفيد العلم إلا إن تواتر )) فمنقوض بأشياء :

1- أحدها : الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم النظري وممن صرح به إمام الحرمين والغزالي ، والسيف الآمدي وابن الحاجب ومن تبعهم .

2- ثانيها : الخبر المستفيض الوارد من وجوه كثيرة لا مطعن فيها يفيد العلم النظري للمتبحر في هذا الشأن . وممن ذهب إلى هذا الإسناد أبو إسحاق الاسفرائيني والأستاذ أبو منصور التميمي والأستاذ أبو بكر بن فورك .

وقال الأيباري ـ شارح البرهان ـ بعد أن حكى عن إمام الحرمين أنه ضعف هذه المقالة : (( بأن العرف وإطراد الاعتبار لا يقتضي الصدق قطعاً بل فصاراه غلبة الظن لغلبة الإسناد )) . أراد أن النظر في أحوال المخبرين من أهل الثقة والتجربة يحصل ذلك ومال إليه الغزالي . وإذا قلنا أنه يفيد العلم فهو نظري لا ضروري وبالغ أبو منصور التميمي في الرد على من أبى ذلك فقال : المستفيض وهو الحديث الذي له طرق كثيرة صحيحة لكنه لم يبلغ مبلغ التواتر ، يوجب العلم المكتسب ولا عبرة بمخالفة أهل الأهواء في ذلك .

3- ثالثها : ما قدمنا نقله عن الأئمة في الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول . ولا شك أن إجماع الأمة على القول بصحة الخبر أقوى من إفادة العلم من القرائن المحتفة ومن مجرد كثرة الطرق .

ثم بعد تقرير ذلك كله جميعاً لم يقل ابن الصلاح ولا من تقدمه أن هذه الأشياء تفيد العلم القطعي كما يفيده الخبر المتواتر لأن المتواتر يفيد العمل الضروري الذي لا يقبل التشكيك وما عداه مما ذكر يفيد العلم النظري الذي يقبل التشكيك . ولهذا تختلف إفادة العلم عن الأحاديث التي عللت في الصحيحين ـ والله أعلم . وبعد تقرير هذا فقول ابن الصلاح (( والعلم اليقيني النظري حاصل به )) لو اقتصر على قوله العلم النظري لكان أليق بهذا المقام .

أما اليقيني فمنعناه القطعي ، فلذلك أنكر عليه من أنكر ، لأن المقطوع به لا يمكن الترجيح بين آحاده وإنما يقع الترجيح في مفهوماته . ونحن نجد علماء هذا الشأن قديماً وحديثاً يرجحون بعض أحاديث الكتابين على بعض بوجوه من الترجيحات النقلية فلو كان الجميع مقطوعاً به ( ما بقي للترجيح مسلك وقد سلم ابن الصلاح هذا القدر فيما مضى ) لما رجح بين صحيحي البخاري ومسلم ، فالصواب الاقتصار في هذه المواضع على أنه يفيد العلم النظري كما قررناه ـ والله أعلم ))

قلت هذا كلام ابن حجر وقد بين فيه أن جمهور الأشاعرة على مذهبه في المسألة في أن تلقي أئمة الفن للخبر بالقبول يدل على القطع بصحته ، وهذا حال عامة أخبار الصفات بل هذا حال أثر مجاهد

سابعها : أن الأشعري نفسه نقل إجماع أهل السنة على قبول خبر الواحد إذا صح سنده

قال أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين ص290 :” ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث ، وجملة قولهم : الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبما جاء عن الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا يردون من ذلك شيئاً “

ثم قال بعد انتهائه من سرد مقالة أهل الحديث :” وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول ، وإليه نذهب “

قلت : فانظر كيف نقل إمام القوم عن أهل الحديث قاطبةً أنهم يؤمنون بكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواءً كان آحادياً أو متوتراً

فعن من يدافع ابن بيه ؟!

والقوم متناقضون يثبتون الأسماء الحسنى بأخبار الآحاد كما صنع القرطبي والرازي وابن العربي والغزالي وغيرهم من الأشاعرة الذين صنفوا في الأسماء الحسنى فتجدهم يذكرون اسم ( الرفيق ) واسم (الباسط) و ( القابض ) وكلها إنما ثبتت في أخبار آحادية

وابن بيه الذي تبين لك شيء من حالخ يلمعه الحركيون كعبد الوهاب الطريري وسلمان العودة على عادتهم في خيانة العقيدة وتسليم الأمة في أيدي الجهمية (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم