الرد على أحمد النجار في ضوابط التبديع

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد استمعت لمقطع للمدعو أحمد النجار يتكلم في مسألة التكفير والتبديع
بعنوان ( رد أحمد النجار على من قال عنه أنه لا يبدع أحد ) وقد خبط فيه خبط عشواء على
قصره

فزعم المسكين أن التبديع من موانعه الجهل مطلقاً وما فرق بين بدعة مكفرة
وأخرى مفسقة

والحق أن الجهل ليس مانعاً من موانع في شأن البدع المكفرة والأصول الواضحة

قال الإمام اللالكائي في السنة 285 : أخبرنا محمد بن المظفر المقرئ ، قال
: حدثنا الحسين بن محمد بن حبش المقرئ ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم
، قال : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين ، وما أدركا عليه العلماء
في جميع الأمصار ، وما يعتقدان من ذلك ، فقالا : أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا
وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم …

فذكرا عقيدة طويلة ومنها قولهم : من شك في كلام الله عز وجل فوقف شاكا
فيه يقول : لا أدري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي . ومن وقف في القرآن جاهلا علم وبدع
ولم يكفر.

أقول : بدعة الواقفة في القرآن يبدو أنها مكفرة عند هؤلاء الأئمة بدليل
قولهم من وقف فهو جهمي ، والجهمية عندهم كفار

فتأمل كيف نصوا على تبديع الواقفي الجاهل ، والذي يحتاج أصلاً إلى تعليم
وهذا معناه أنه لم تقم عليه الحجة

وهذا يدلك على أن المبتدع قد يكون جاهلاً وليس كل مبتدع قد قامت عليه الحجة
، فمن أهل البدع من لو قامت عليه الحجة لكان كافراً

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (13/ 361):

“و فِي الْجُمْلَةِ مَنْ عَدَلَ عَنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
وَتَفْسِيرِهِمْ إلَى مَايُخَالِفُ ذَلِكَ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ بَلْ مُبْتَدِعًا
وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُه”

أقول: فسماه (مبتدعاً) مع وجود العذر والتأويل وفي هذا الكلام من شيخ الإسلام
مخالفة صريحة لمن يشترط إقامة الحجة في (كل) تبديع، وكلام شيخ الإسلام هذا يحمل على
المخالفة فيما اشتهر فيه الخلاف بين أهل السنة وأهل البدعة أو من كان في أصله من أهل
البدع كالجهمية والمعتزلة والخوارج  ولا شك أن هذه الكلمة في (التبديع) من شيخ الإسلام لا يمكن أن تقال في التكفير
فدل على أن الباب في التبديع أوسع منه في التكفير

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/ 180): ” َلَيْسَ كُلُّ
مُخْطِئٍ وَلَا مُبْتَدَعٍ وَلَا جَاهِلٍ وَلَا ضَالٍّ يَكُونُ كَافِرًا؛ بَلْ وَلَا
فَاسِقًا بَلْ وَ لَا عَاصِياً “

أقول: فسماه مبتدعاً رغم إنه قد لا يكون حتى عاصياً، فدل على أنه لا يشترط
إقامة الحجة في (كل) تبديع

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (23/ 356): “فَقَدْ يَكُونُ
كُلٌّ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ مُبْتَدِعًا وَكِلَاهُمَاَ جاهِلٌ مُتَأَوِّل”

أقول: فسماه مبتدعاً رغم كونه متأولاً، فدل على أنه لا يشترط إقامة الحجة
في (كل) تبديع

وحتى بدع السلف يعقوب بن شيبة بالوقف ولو كان عالماً لكفروه

قال ابن مفلح في الفروع (12/ 450) :” قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ
: وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ كَفَّرْنَا فِيهَا الدَّاعِيَةَ فَإِنَّا نُفَسِّقُ
الْمُقَلِّدَ فِيهَا ، كَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، أَوْ أَنَّ أَلْفَاظَنَا
بِهِ مَخْلُوقَةٌ ، أَوْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ ، أَوْ أَنَّ أَسْمَاءَهُ
مَخْلُوقَةٌ ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَرَى فِي الْآخِرَةِ ، أَوْ يَسُبَّ الصَّحَابَةَ
تَدَيُّنًا ، أَوْ أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
، فَمَنْ كَانَ عَالِمًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ يَدْعُو إلَيْهِ وَيُنَاظِرُ
عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ ، نَصَّ أَحْمَدُ صَرِيحًا عَلَى ذَلِكَ فِي
مَوَاضِعَ”

أقول : والمقلد يعني به الجاهل ، والسلف أطلقوا تكفير الجهمية الصرحاء جميعاً مقلدهم وعالمهم

وادعى النجار أن الرجل إذا سلمت له مصادر التلقي وخالف أصلاً من أصول أهل
السنة أنه لا يبدع حتى تقام الحجة ، وهذا تأصيل محدث لا دليل عليه

وتكلم بأن القصاب خالف في مسألة عقدية ولم يبدعه أحد ، وبغض النظر هل أصاب في نقله أم لم يصب من أين لك أنه لو بدعه أحد لأنكروا عليه بل من أين لك أنه لم يبدعه فإنك لم تقف على كلام كل من عاصره ومن جاء بعده ، وهذا محمد بن نصر بدعوه لما قال الإيمان مخلوق وهذا أبو ثور كلام أحمد فيه معروف 

ومن تخبط النجار قوله بأن الكفر لا يكون إلا فيما واطأ فيه القلب اللسان
، وهذا إرجاء فإننا مع قولنا أن الكفر الظاهر لا يقع إلا مع وجود كفر باطن فلا نشترط
هذه الموطأة التي معناها إذا كذب بلسانه فلا بد أن يكذب بقلبه !

 بل قد يكذب بلسانه ويكون دافع
التكذيب العناد أو الحسد أو غيرها

قال اللالكائي في السنة 1276 : وأخبرنا محمد بن أحمد البصير ، قال : أخبرنا
أحمد بن جعفر ، قال : ثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ ، قال : سأل رجل من أهل خراسان
أبا ثور عن الإيمان ، وما هو ؟ يزيد وينقص ؟ ، وقول هو أو قول وعمل ؟ وتصديق وعمل ؟
فأجابه أبو ثور بهذا .

 فقال أبو ثور :   سألت رحمك
الله وعفا عنا وعنك عن الإيمان ما هو ؟ ، يزيد وينقص ؟ وقول هو أو قول وعمل وتصديق
وعمل ؟ فأخبرك بقول الطوائف واختلافهم : فاعلم يرحمنا الله وإياك أن الإيمان تصديق
بالقلب ، وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ؛ وذلك أنه ليس بين أهل العلم خلاف في رجل لو
قال : أشهد أن الله عز وجل واحد ، وأن ما جاءت به الرسل حق ، وأقر بجميع الشرائع ثم
قال : ما عقد قلبي على شيء من هذا ، ولا أصدق به أنه ليس بمسلم ، ولو قال : المسيح
هو الله ، وجحد أمر الإسلام قال : لم يعتقد قلبي على شيء من ذلك أنه كافر بإظهار ذلك
، وليس بمؤمن”

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الدلائل في حكم
موالاة أهل الإشراك :” اعلم رحمك الله : أنَّ الإنسان إِذا أَظهر للمشركين الموافقة
على دينهم : خوفاً منهم ومداراةً لهم ، ومداهنةً لدفع شرِّهم . فإِنَّه كافرٌ مثلهم
وإنْ كان يكره دينَهم ويبغضهم ، ويحبُّ الإسلام والمسلمين … ولا يستثنى من ذلك إلاَّ
المُكرَه ، وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له : اكْفُرْ أو افْعَلْ كذا وإلاَّ
فعلنا بك وقتلناك . أو يأخذونَه فيعذِّبونه حتى يوافقهم . فيجوز له الموافقة باللِّسان
، مع طُمأنينة القلب بالإيمان . وقد أجمع العلماء على أَنَّ من تكلَّم بالكفر هازِلاً
أَنَّه يكفر . فكيف بمن أظهر الكفرَ خوفاً وطمعاً في الدُّنيا “

وقد تخبط في نقل قصة سجود معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم فزعم أن معاذاً
رحل لليمن ، والحديث فيه أن معاذاً رحل للشام وهذا من أوجه نكارته إذ أن معاذاً ما
رحل للشام إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم