الخاصة هم أهل الحديث

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الجاحظ كما في رسائله :” وآية أخرى لا يعرفها إلا الخاصة، ومتى ذكرت الخاصة فالعامة في ذلك مثل الخاصة. وهي الأخلاق والأفعال التي لم تجتمع لبشر قط قبله، ولا تجتمع لبشر بعده.
وذلك أنا لم نر ولم نسمع لأحد قط كصبره، ولا كحلمه، ولا كوفائه، ولا كزهده، ولا كجوده، ولا كنجدته، ولا كصدق لهجته، وكرم عشرته، ولا كتواضعه، ولا كعلمه، ولا كحفظه، ولا كصمته إذا صمت، ولا كقوله إذا قال، ولا كعجيب منشئه، ولا كقلة تلونه، ولا كعفوه، ولا كدوام طريقته، وقلة امتنانه.
ولم نجد شجاعاً قط إلا وقد جال جولة، وفر فرة، وانحاز مرة، من معدودي شجعان الإسلام، ومشهوري فرسان الجاهلية، كفلان وفلان.
وبعد، فقد نصر النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر معه قوم، ولم نر كنجدتهم نجدة، ولا كصبرهم صبراً. وقد كانت لهم الجولة والفرة، كما قد بلغك عن يوم أحد، وعن يوم حنين، وغير ذلك من الوقائع والأيام.
فلا يستطيع منافق ولا زنديق ولا دهري، أن يحدث أن محمداً عليه السلام جال جولة قط، ولا فر فرة قط، ولا خام عن غزوة، ولا هاب حرب من كاثره”

أقول : الخاصة هنا لا يكونون إلا أهل الحديث تلك العصابة المباركة الذين أفنوا أعمارهم في تتبع سنن النبي صلى الله عليه وسلم وأخباره وأيامه وتنقيحها فانتفع بذلك الخصوم من أهل الكلام وأهل الرأي كما انتفع بذلك أهل الوفاق من عامة الناس

ولتجد ما قال الجاحظ انظر في السيرة النبوية أو في كتب الحديث غير أنني أخص طلبة العلم ومن تشوف للذة الإيمان من عامة الناس بنصيحة اقرأ صحيح البخاري قراءة شمائلية

أي كل يوم انظر في بعض أحاديث الكتاب ولو عشرة فقط ولو خمسة وحاول استخراج الشمائل النبوية منها وإن كانت من أحاديث الأحكام

تلمس منها صدق النبي صلى الله عليه وسلم

أمانته في التبليغ

حرصه في البيان ، عطفه على أمته

حلمه أمانته صدقه شجاعته رحمته سخاؤه سماحة نفسه

تعرف على نبيك أما إنك لو عرفته ستعلم لما كان رحمة مهداة حتى في شدته ستلمس الرحمة فشدته على الأعداء محاماة عن أصحابه الذين كان لهم كالوالد ، وشدته على أمته خوف عليهم أن ينحرفوا عن أقوم طريق يقربهم إلى الله أو تمسهم النار

ثم اشركوا معكم من حولكم بنتائج هذه القراءة الشمائلية وما أحسن أن ترجعوا لعموم المصادر الأصلية أحسب أن من أصابته نهمة التعرف على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لن يكون شبعه قريباً أبداً

ما أحوج الناس أن يعرفوا نبيهم صلى الله عليه وسلم معرفة تفصيلية وقد امتلأت القلوب بمحبة أرباب الدنيا من أهل المال والجاه والشهرة ممن قد يكون الكثير منهم لا يساوي عند الله جناح بعوضة حتى صدئت تلك القلوب وقست ونفرت من الخير من أهله إلا من رحم الله منهم

ولا تهولنك الأسانيد ( حدثنا ) و ( أخبرنا ) فتلك فيها كل البركة وأفلحت أذن اعتادت على سماعها وبصر اعتاد على رؤيتها وقلب استروح لها كيف لا وتلك الطرق إلى أبي القاسم صلى الله عليه وسلم وما كان بين الله وخلقه أفضل منه قط

وما يضيرك أن تعرف أولئك المباركين الذين نقلوا لك سنة نبيك وهؤلاء معرفتهم والقراءة عن أحوالهم باب آخر من أبواب اللذة الإيمانية والأنس عجيب في أثره على النفوس