ذكر ابن الأثير في الكامل في حوادث عام ٤٢٣ : ذكر فتنة الحنابلة ببغداد
وفيها عظم أمر الحنابلة، وقويت شوكتهم، وصاروا يكسبون من دور القواد والعامة، وإن وجدوا نبيذا أراقوه، وإن وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء، واعترضوا في البيع والشراء، ومشى الرجال مع النساء والصبيان، فإذا رأوا ذلك سألوه عن الذي معه من هو، فأخبرهم، وإلا ضربوه وحملوه إلى صاحب الشرطة( يعني يسألونه عن قرابة هذه المرأة به فإن وجدوها قريبة وإلا عاقبوه) ، وشهدوا عليه بالفاحشة، فأرهجوا بغداد.
ثم ذكر أن صاحب الشرطة وهو شيعي حمل عليهم حملة عظيمة
وكتب عليهم كتابا وشتمهم فيه ومما قاله : طعنكم على خيار الأئمة، ونسبتكم شيعة آل محمد (إلى الكفر والضلال، ثم استدعاؤكم المسلمين إلى الدين بالبدع الظاهرة والمذاهب الفاجرة التي لا يشهد بها القرآن، وإنكاركم زيارة قبور الأئمة، وتشنيعكم على زوارها بالابتداع) .
أقول : قد لا يعجب هذا الكلام بعض الناس ولكن سبب إيرادي له لأن كثيرين يستغلون الصورة النمطية الفاشية عن أهل نجد في نفوس الكثيرين لتشويه الدعوة النجدية الإصلاحية التي ظهرت في الأعصار المتأخرة ويصورون كثيرا من الممارسات لهم على أنها دخيلة على أهل المذهب وهذه حوادث وقعت قبل ألف عام ترى الحنابلة يذكر عنهم إنكار زيارة قبور الصالحين على جهة التبرة لا الاعتبار وتكفيرهم للروافض وسلوكهم في الأمر والنهي مما يشبه من بعض الأوجه سلوك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن للمنكر لما كان لها حضور قوي
والصلابة في الأمر والنهي والتجافي عن الدنيا كانت سمة القوم ( وقد يخرج الأمر ببعضهم إلى ما لا يقبل وعسى أن يكون مأجورا لحسن قصده وجهله بالطريقة الأمثل ) لأنهم يدرسون سيرة إمامهم ووصاياه وكان يشدد في هذا الامر وقد كتب الخلال كتابا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نفيس وقد سبق لي تدريسه
وهذا ابن بطة شيخ الحنابلة في وقته وقد توفي عام ٣٨٧ لما كتب الإبانة الصغرى أنكر فيها شد الرحال للقبور
وهذا البربهاري شيخ الحنابلة في وقته وقد توفي عام ٣٢٩
لما كتب شرك السنة قال فيه : ولا نخرج أحدا من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله، أو يرد شيئا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يذبح لغير الله، أو يصلي لغير الله، فإذا فعل شيئا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام.
وقال ابن عقيل الحنبلي فيما نقل ابن الجوزي في تلبيس إبليس : لما صعبت التكاليف على الجهال والضغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم قال وهم كفار عندي بهذه الأوضاع ( ركز على هذه ) مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى الشرع عنه من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليفها وخطاب الموتى بالألواح وكتب الرقاع فيها يا مولاي أفعل بي كذا وكذا وأخذ التراب تبركا وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى.
فما كان من الدعوة النجدية في أصله على سمت الأصحاب وإن وجد خلاف فهو يسير ومما يؤكد هذا
لما أراد الخليفة المطيع لله أن يبني قبة على قبر أحمد ، قال رزق الله التميمي و غلام الخلال للخليفة : أليس تريد أن تتقرب إلى الله تعالى بذلك ؟
قال الخليفة : بلى
فقالا : إن مذهبه أن لا يُبنى عليه شيء
انظر : ترجمة رزق الله في طبقات الحنابلة ( ٢/ ٢٥١ )
ولهذا لم يفتن الناس بقبر أحمد كما فتن بقبور غيره من المتبوعين ممن لم يحل أصحابهم دون البناء على قبورهم فكان للأصحاب عناية قديمة في البعد عن هذه الأمور
وقد وقع لصاحبي التميمي أنه ينظر في تاريخ ابن الفرضي وتعجب كلانا من قلة الأصحاب فيهم حتى وجدنا واحدا وإذا به على سمت القوم
ذكر ابن الفرضي في كتابه
عبد الله بن محمد بن قاسم بن حزم بن خلف الثغري من أهل قلعة أيوب يكنى أبا محمد
قلت عبد الله : هذا الرجل هو الوحيد في الكتاب كله الذي سمع مسند أحمد وبعض كتاب أحمد وأصحابه
سمع مسند أحمد
والتاريخ عنه
والعلل رواية أبي علي الصواف
مسائل أبي داود
ورحل وسمع من أهل الحديث وهو من أكثر الناس المترجم لهم في الكتاب سماعاً لكتب الحديث وجلوساً عند أهله
قال:
كان فقهياً فاضلاً ديناً ورعاً صليباً في الحق لا يخاف بالله لومة لائم
وكانوا يشبهونة بسفيان الثوري
وأنكر على بعض أصحاب السلطان في ناحيته فسعي به
فسكن قرطبة
وكان ثقة مأموناً
( ثم اتجه للجهاد والثغور ) فكان فارساً بئيساً
بلغنا أنه كان يقف وحده للفئة
ونفع الله به عالماً كثيراً وعرض عليه القضاء فأبى ( سمت القوم )
وفِي تشبيهه بسفيان نكتة لطيفة لأن أحمد كان يشبه بابن مهدي وابن مهدي يشبه بسفيان وكان أحمد يقول أن سفيان إمام في مجافاة السلطان وقد جمع المروذي صاحب أحمد كتابا اسمه أخبار الشيوخ معظمه عن سفيان في صلابته في أمر السلطان.