الحدود الشرعية رحمة لو كانوا يعلمون

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

الحدود رحمة لو كانوا يعلمون

قال تعالى: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم} [البقرة]

هذه الآية التي يُؤمر فيها من عبدوا العجل بقتل أنفسهم تُختم بقوله تعالى: {إنه هو التواب الرحيم}.

وهذا لدفع توهم من يظن أن الحدود قسوة محضة، غير أن الأمر ليس كذلك، فالحدود كفارات للمسلم وزجر للمعتدي وفي كل ذلك رحمة.

روى البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وحوله عصابة من أصحابه: “بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه“.

والناس ربما تقبلوا أن في الرجم رحمة لأنه كفارة، ولكن قد يستشكل المرء كون حد الردة رحمة والمقتول سيذهب للنار.

فيقال: الكفر ليس دائمًا ولا غالبًا (مسألة اقتناع)، بل غالبًا ما يكون هوًى وكبرًا مغلَّفًا بالشبهات، والعقوبة هي مواجهة للشهوة وليس للشبهة.

علمًا أن الاستتابة تأتي لإزالة الشبهة، وبنو إسرائيل ما استُتِيبوا وكانت رحمتهم في قتل أنفسهم، وأما أمتنا فخُفِّف عنها وجُعِلت الاستتابة، فمشاهد الرحمة والفضل كثيرة تفَقَّدها تجِدْها.