الحاجة إلى الوعظ حتى مع وجود القضاء…

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال النسائي في سننه: “35- باب عظة الحاكم على اليمين.
5469- أخبرنا علي بن سعيد بن مسروق، قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: كانت جاريتان تخرزان بالطائف، فخرجت إحداهما ويدها تدمى، فزعمت أن صاحبتها أصابتها، وأنكرت الأخرى، فكتبت إلى ابن عباس في ذلك، فكتب أن رسول الله ﷺ قضى أن اليمين على المدَّعى عليه، ولو أن الناس أُعطوا بدعواهم لادَّعى ناس أموال ناس ودماءهم، فادعُها واتل عليها هذه الآية: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} حتى ختم الآية، فدعوتُها فتلوتُ عليها فاعترفت بذلك، وبلغه ذلك فسرَّه”.

أقول: هذا خبر صحيح، وفيه أن القاضي يستخدم الوعظ والتخويف من النار للمتَّهم حتى يعترف.

وهذا الخبر -على اختصاره- يدل على نقض أصول باطلة منتشرة بين الناس.

فكثير من الناس يظنون أن وجود (القضاء) أو (القانون) يغني عن الوعظ والأخلاق الدينية، وهذا المعنى يكثر في اللادينيين وليس الأمر كذلك، فمهما كان القانون قوياً فإنه لا يمكنه أن يمنع الجرائم قبل وقوعها، فالعقوبات تتعامل مع الأمر بعد وقوعه، ثم ثبوت الأمر على الشخص يحتاج إلى بيِّنات عظيمة حتى لا نقع في الظلم، وهذا يترك مساحة لبعض المجرمين أن يتستَّر ولا تصيبه طائلة العقوبة مطلقاً أو تصيبه متأخراً.

ومن الناس من يستصغر دور الواعظ ويعظِّم دور الفقيه والقاضي.

والواقع أن كثيراً من ضلال الناس ليس بابه القوة العلمية التي يعالجها الفقيه، وإنما بابه القوة العملية التي يعالجها الواعظ.

حتى أن كثيراً من أهل العلم صاروا يزهدون بالوعظ ولا يحسنونه، مع أنه نافع في القضاء كما في هذا الخبر ونافع أيضاً في الإفتاء.

ولذلك نصوص الجنة والنار في القرآن نافعة حتى مع الكفار، لأن الناس لا يكفرون لداعي الشبهة فقط، بل غالب كفرهم لداعي الشهوة، وهذا يعالجه الترغيب والترهيب إن كان ثمة مجال للعلاج.