هذه الكتابة تذييل على صوتية ( تباريح مع الكرامية )، وذلك أن من عادة الأشعرية والمنافحين عنهم تضخيم الدور العلمي لبعض المنتسبين لهم أو المنسوبين ( وإن كانت هذه النسبة محل نظر ) وهذه الحجة وإن كانت غير علمية لأن المعتقد يعول في تصحيحه على قوة الأدلة والبراهين والإنجاز العلمي من المشتركات بين الكثير من الفرق المتقابلة التي لا يمكن أن يكون قولها حقاً ، كما أن السلف المتفق على دورهم العلمي المحوري في تاريخ الأمة وأنه لا يستغني أحد عنهم وكل ما جاء بعدهم بنى على جهدهم عقيدتهم مباينة لعقيدة المتكلمين بإقرار الكثير من منصفيهم
ولكنني هنا سأبين الدور العلمي المحوري لكثير ممن نسبوا إلى التجسيم أو التشبيه من علماء الأشاعرة أو غيرهم ومع ذلك يصرح الأشعرية بالانتفاع منهم بشكل كبير وأن لهم أداء محوري في تاريخ العلوم
1_ علم التفسير
مقاتل بن سليمان هذا الرجل رأس في التفسير وهو متهم بالتشبيه ومن الناس من يبرؤه مثل محقق تفسيره برأه من التشبيه مع أن المحقق كوثري ولكن أثبت عليه التجسيم ( وكل إثبات عند القوم تجسيم )
و قال الخليلى في الإرشاد : محله عند أهل التفسير محل كبير و هو واسع ، لكن الحفاظ ضعفوه فى الرواية ، و هو قديم معمر ، و قد روى عنه الضعفاء مناكير ، و الحمل فيها عليهم.
وقال الشافعي : الناس عيال عليه في التفسير .
وقال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله، هو أحمد بن حنبل، يسأل عن مقاتل بن سليمان، فقال: كانت له كتب ينظر فيها، إلا أني أرى أنه كان له علم بالقرآن. «تاريخ بغداد» 13/161.
وقال ابن عدي في الكامل حَدَّثَنَا عَلانٌ، حَدَّثَنا ابْنُ أَبِي مريم قَال لي نعيم بْن حَمَّاد رأيت عند سُفْيَان بْن عُيَينة كتابا لمقاتل بْن سُلَيْمَان فقلت لسفيان يَا أَبَا مُحَمد تروي لمقاتل فِي التفسير؟ قَال: لاَ ولكن أستدل بِهِ وأستعين بِهِ
والثناء عليه في التفسير لا ينحصر مع ما قاله البعض في عقيدته ومن نظر في تفسيره علم أنه إمام في باب النظائر في القرآن وانتفعت به كل الأمة في ذلك كما نص عليه الشافعي ، وهذا أبو منصور الماتردي إمام الماتردية يصرح بالانتفاع به في تفسيره عدة مرات
وجهد مقاتل بن سليمان في التفسير في القرن الثاني لا شك أنه أنفع للأمة من جهود أناس في السابع والثامن بعدما قتل العلم بحثاً ونظراً واستدلالاً
2_ علم القراءات
أبو عليّ الحسن بن عليّ بن إبراهيم الأهوازيّ
الذي صنف كتاب مثالب الأشعري ، ولا يختلف الأشعرية في اتهامه بالتشبيه ومذهب السالمية هو إمام في القراءات وأسانيده في القراءات مجمع عليها ولا يوجد إنسان له في القراءات إلا ويمر بأسانيد الأهوازي
وقال شمس الدّين ابن الجزري- وكانت عنده كتب الأهوازي-: وكان بدمشق الأستاذ أبو عليّ الحسن بن عليّ بن إبراهيم الأهوازيّ مؤلّف الوجيز والإيجاز والإيضاح والاتّضاح، وجامع المشهور والشّاذ، ومن لم يلحقه أحد في هذا الشّأن
وقال أيضا: صاحب المؤلّفات، شيخ القراء في عصره، وأعلى من بقي في الدّنيا إسنادا إمام كبير محدّث .. وأكثر من الشّيوخ والرّوايات فتكلّم فيه من قبل ذلك، وانتصب للكلام في الإمام أبي الحسن الأشعريّ، فبالغ الأشعرية في الحطّ عليه مع أنّه إمام جليل القدر أستاذ في الفن، ولكنّه لا يخلو من أغاليط وسهو، وكثرة الشّره أوقع الناس في الكلام فيه»
وقال الذّهبيّ: «أما القراءات فتلقّوا ما رواه من القراءة بالقبول، وصدّقوه في اللّقاء، وكان مقرئ أهل الشّام بلا مدافعة معرفة وضبطا وعلوّ إسناد.
3_ التصوف
عامة الأشعرية اليوم على التصوف ويعظمون الرسالة القشيرية لإمامهم القشيري غير أن رسالة القشيري مبنية على كثير منها على روايات شيخ التصوف الكبير صاحب طبقات الصوفية أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي
والسلمي هذا نقل عنه أبو إسماعيل الأنصاري أنه كان يلعن الكلابية أصل الأشعرية
والبغض بينه وبين القوم كان متبادلاً فهذا الواحدي من الكلابية قام بتكفيره
ال الذهبي في السير :” قال أبو سعد السمعاني : كان الواحدي حقيقا بكل احترام وإعظام ، لكن كان فيه بسط لسان في الأئمة ، وقد سمعت أحمد بن محمد بن بشار يقول : كان الواحدي يقول : صنف السلمي كتاب ” حقائق التفسير ” ، ولو قال : إن ذلك تفسير القرآن لكفرته .
قلت الواحدي معذور مأجور
وكذلك أبو طالب المكي شيخ الصوفية صاحب الرسالة الجليلة عندهم قوت القلوب كان من السالمية والسالمية من فرق المشبهة عندهم
وهذا أبو إسماعيل الأنصاري الهروي الحنبلي صاحب ذم الكلام والذي تكلم في الأشعرية بأغلظ الكلام لذا صرح السبكي باتهامه بالتجسيم كان بعض المشاهير يعظمه لمكانه من التصوف وفيهم منسوبين للأشعرية.
قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة : وقال الرُّهاوي: سمعتُ بهراة: أن شيخ الإسلام لما أخرج من هراة، ووصل إلى مرو، وأذن له في الرجوع إلى هراة، رجع ووصل إلى مرو الروذ، قصده الإمام أَبُو محمد الحسين بن مسعود البغوي الفْرَّاء صاحب التصانيف. فلما حضر عنده قَالَ لشيخ الإسلام: إن الله قد جمع لك الفضائل، وكانت قد بقيت فضيلة واحدة، فأراد أن يكملها لك، وهي الإخراج من الوطن، أسوة برَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء : قال أبو الوقت السجزي: دخلت نيسابور، وحضرت عند الأستاذ أبي المعالي الجويني، فقال: من أنت? قلت: خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري، فقال: -رضي الله عنه-.
قلت: اسمع إلى عقل هذا الإمام، ودع سب الطغام، إن هم إلا كالأنعام.
وكأن الذهبي يقرع تلميذه السبكي هنا والجويني إنما يعظم الهروي الذي يكفر الأشعرية لداعي التصوف والزهد والمقامات التي مدحها البغوي
وحتى ابن طاهر المقدسي الذي يعتمده الصوفية في تجويز الغناء والرقص كان من تلاميذ الأنصاري الهروي وكان قوياً في إثبات الصفات كما يظهر في رده على ابن حزم ودفاعه عن الصحيح
4_ شرح الحديث
ابن قتيبة الدينوري هو إمام جليل وهو من أوائل من سن التصنيف في الجمع بين الأحاديث وطرح إشكالات الزنادقة عليها في كتابه تأويل مختلف الحديث ، وكذلك دفع اعتراضات الزنادقة على القرآن في كتابه تأويل مشكل القرآن ، وكذلك صنف في غريب الحديث وكتب الغريب هي النواة للمعاجم اللغوية وشروح كتب الحديث
نقل الذهبي في سير أعلام النبلاء : وقال أبو بكر البيهقي: كان يرى رأي الكرامية.
وحين يقول رجل أشعري عن شخص أنه يرى رأي الكرامية فهو يثبت الصفات فالكرامية يقولون الله جسم لا كالأجسام فهم مجسمة صرحاء لهذا الأشعرية ينسبون إلى الكرامية كل مثبت تشويها
وفضل ابن قتيبة على الأمة والاحتياج لتصانيفه مع السبق لا يباريه فيه أي أشعري أو معتزلي
5_ أصول الفقه
أبو المظفر السمعاني صاحب كتاب قواطع الأدلة الذي قال عنه السبكي الأشعري أنه أفضل ما صنف في أصول الفقه مع أنه مليء بالتبكيت للجويني والباقلاني إلا أن السبكي أدلى بهذا الاعتراف
صرح في كتابه هذا بأن ابن قتيبة من علماء السنة حيث قال : فقد أجاب عنه علماء السنة وقد ذكر ذلك االقتبي ( تصحفت في بعض الطبعات إلى الشيء ) في كتاب مختلف الحديث.
فإذا صرنا على اتهام ابن قتيبة بالكرامية يعني التجسيم فالسمعاني الجبل على مذهبه أيضاً والله المستعان
6_ علوم الحديث
معلوم أن الدارقطني هو من كبار أئمة العلل والجرح والتعديل وكذلك ابن خزيمة من كبار الأئمة في الفقه والحديث
ولكن لنرى ما يقول ابن جماعة الأشعري في كتابه إيضاح الدليل عن عقيدة هذين الجبلين اللذين لا يستغني عنهما محدث أو فقيه :” ولقد أنكر على الدارقطني وابن خزيمة رواية مثل هذه الأحاديث وإيداعها في مصنفاتهم من غير مبالغة في الطعن في أمثالها
وإنما غلب على كثير من المحديثن مجرد النقل والإكثار من الغرائب مع جهلهم بما يجب لله تعالى من الصفات وما يستحيل عليه بأدلة ذلك القطعية القاطعة عند أهل النظر والعلم إذ قنعوا من العلم بمجرد النقل”
ركز على قوله ( مع جهلهم بما يجب على الله وما يستحيل ) يعني أنهم لهذا الجهل وقعوا في رواية التجسيم والتشبيه وإقراره وفي الواقع هذا الكلام يشمل كل محدثي الإسلام بلا مثنوية
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق :” محمد بن سعدون بن مرجى بن سعدون بن مرجى أبو عامر القرشي العبدري الميورقي (1الأندلسي الحافظ) كان فقيها على مذهب داود بن علي الظاهري وكان أحفظ شيخ لقيته”
ثم ذكر أنه كان مشبهاً صريحاً ويستدل للتشبيه فتأمل أحفظ شيوخ ابن عساكر وأعلمهم كان مشبهاً وقد عجز ابن عساكر طوال تاريخه الضخم أن يسند رواية واحدة من طريق أبي الحسن الأشعري ثم يعترف أن أحفظ شيوخه مشبه ! بل وذكر عنه أنه كان يسب العلماء مثل الإمام مالك
7_ الفتوحات والإنجازات السياسية
محمود بن سبكتكين فاتح الهند ومحطم أصنامها
قال ابن كثير في البداية والنهاية :” ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وأربعمائة فيها توفي الملك الكبير المجاهد المغازي، فاتح بلاد الهند محمود بن سبكتكين رحمه الله، لما كان في ربيع الأول من هذه السنة توفي الملك العادل الكبير الثاغر المرابط، المؤيد المنصور، يمين الدولة أبو القاسم محمود بن سبكتكين، صاحب بلاد غزنة ومالك تلك الممالك الكبار، وفاتح أكثر بلاد الهند قهرا، وكاسر أصنامهم وندودهم وأوثانهم وهنودهم، وسلطانهم الأعظم قهرا”
هذا العملاق كان شديد البغض للأشعرية لهذا نسبوه إلى الكرامية المجسمة قال الشهرستاني في الملل والنحل : ونبغ رجل متنمس بالزهد من سجستان يقال له أبو عبد الله محمد بن كرام، قليل العلم، قد قمش من كل مذهب ضغثا وأثبته في كتابه
وروجه على أغتام غرجة، وغور، وسواد بلاد خراسان، فانتظم ناموسه وصار ذلك مذهبا، وقد نصره محمود بن سبكتكين السلطان.
والظن فيه أنه كان على الاعتقاد القادري وفيه تحرز من التجسيم ولكنه يحسن الظن بالكرامية مثل والده
هذه مجرد نماذج كلهم من غير الحنابلة بل عامتهم عقيدة ابن تيمية والسلفية المعاصرة ككل أقوم من عقيدة فالسالمية حلولية والكرامية مجسمة صرحاء وذكر هنا من هو مشبه والسلفية المعاصرة تنفي التشبيه وتصرح بالبينونة ولا تطلق التجسيم وهذه طريقة السلف المتقدمين ، ولهذا إذا وجدت من يبدع أو يضلل أو يكفر المجسمة أو المشبهة اسرد له هذه الأسماء وما أنجزوا على طريقة القوم وقل له هل تكفرهم ؟ هل تضللهم ؟ إذا ذهب هؤلاء من بقي على طريقة القوم في الإرهاب.