الجزار الصوفي الذي مكنه بعض العثمانيين من رقاب البشر
الأستاذ البيطار في حلية البشر في ترجمة أحمد باشا الجزار :
ولد المترجَم في بوسنة سنة1135 هـ ولما بلغ 16 عاماً ارتكب
أمراً فظيعاً، فهرب إلى القسطنطينية، وقضى بها مدة وهو في ذل وفاقة، إلى أن
باع نفسه في سوق النخاسة، وآل به الأمر إلى أن بيع في مصر، وساعده الحظ على المرام والأمنية، حتى صار والي البحيرة،
وهناك لقب بالجزار، وكان مجبولاً على الفظاظة والقسوة، مطبوعاً على الفسوق
والآثام، سفاكاً للدماء يفعل ما يشاء، قد اتخذ هواه هادياً ونصيراً، وعتا في نفسه
عتواً كبيراً، ثم ساءت سيرته في مصر فهرب إلى سورية، ودخل دير القمر سنة
1185 هـ ملتجئاً إلى الأمير يوسف الشهابي والي جبل لبنان حينئذ،
فرحب به الأمير وأكرمه، ثم أرسله إلى بيروت ورتب له بعض الرسوم، فأقام
أياماً ثم أعرض عن ذلك، وسار إلى دمشق. وفي سنة 1187 هـ جعله
الأمير المذكور متسلماً من قبله على بيروت، وجعل معه طائفة من المغاربة، ولم تمض مدة حتى خان الأمير وعزم على مبارزته، فشرع في ترميم الأسوار وهيأ الميرة وآلات الحرب للحصار، ومنع أهل البلاد من دخول المدينة، ولم يدع شيئا يخرج منها، فاستنجد الأمير يوسف بحسن باشا وهو قاصد القسطنطينية، فعاد
وأخرج الجزار من بيروت، فسار هذا بعسكره براً إلى صيدا وعددهم ستمائة،
فأرسل الأمير إليهم جماعة النَّكدِيّة، ولما التقى العسكران قتل أصحاب الجزار أكثر
النكدية، وقبضوا على أعيانهم. ثم سار الجزار إلى صيدا، فبعلبك، وعظم أمره
في تلك الأقطار، ووقع الصلح بينه وبين الأمير المقدم ذكره. ثم إن الجزار
خان الأمير ظاهر العمر بعد أن أنعم الأمير عليه بقيادة جيشه،
فقتله بيده، ولما كان الأمير ظاهر عدواً للدولة العثمانية أنعمت الدولة على الجزار بولاية عكا وصيدا معاً، ثم منحته الوزارة وولاية دمشق سنة 1218 هـ . فزاد في طغيانه من قتل الأنفس وسلب الأموال، حتى قتل خلقاً كثيراً من أعيان
دمشق ومن أفضلهم عبد الرحمن المرادي مفتي دمشق، وأسعد أفندي المحاسني مفتيها أيضاً. واصطنع للناس أنواع العذاب بآلات اخترعها له طائفة من الأكرادعاونوه على ظلم العباد، وأقروه على دعواه بأنه مجدد الوقت، وكان رئيسهم يدَّعي
التصوف، ويقول: إن الشيخ الأكبر أخبر عنه في فتوحاته! وقد ادعوا أن قتله
الأنفس وسلبه الأموال ليس حراماً، بل هو حلال حتى أكفروا علماء عصرهم
المنكرين عليهم. وكان من أعوان الجزار أيضاً رجل اسمه عبد الوهاب له اطلاع
في بعض العلوم، أرسله إلى دمشق على رأس طائفة من العساكر، وكان إليه
المشورة في أمورهم، فصار يتغالى في قباحته وإساءته ويتلذذ بقتل الرجال وسلب الأموال، حتى كادت تخافه الأطفال، ومازال هذا الضال يتغالى في ظلمه حتى تحركت الدولة الفرنساوية ، لدخول البلاد، فحاصرت عكا سنة
ثم قدمت مراكب إنكليزية إلى عكا لرد الفرنساويين، فلم تمض مدة حتى
رجع بونابرت بعساكره، فصفا الوقت للجزار، فعاد لظلم الناس؛ بتعذيبهم بالقتل والقطع والسحل والجدع، إلى غير ذلك من الأفعال الفظيعة والأحوال الشنيعة،
حتى صار جوره مثلاً سائراً. ولم يزل على حاله حتى هلك – قبحه الله – سنة
1219 هـ في عكا ودفن بها في الجامع المنسوب إليه، وعادت دمشق
إيالة على حدة سنة 1220 هـ انتهى كلام البيطار. فلعق:. ورأيت
للعلامة السيد محمد أمين عابدين بيتين يؤرخ بهما وفاة صاحب الترجمة وهما قوله:
هَلَكَ الجَّزارُ ولا عَجَبٌ … وَمَضَى بالخزْيِ وَبالإْثْمِ
وبمهلِكِهِ الباري عنا … -أَرِّخ- قَدْ كَفَّ يَدَ الظُلْمِ
أقول : هذا الجزار معاصر للشيخ محمد بن عبد الوهاب إذ أنه أصغر منه بعشرين سنة فحسب
وسبب تمكنه خوف الناس من الفرنسيس – وحسنته الوحيدة قتال الفرنسيس -وتمكين الدولة العلية له والتي كان ينبغي أن تحمي ولكنها أسلمتهم لهذا المجرم فصاروا بين نارين
لاحظ أن الرجل أسوأ سيرة من الحجاج وهو يدعي التصوف وله أتباع ينتسبون لابن عربي وقد مكنته الدولة العثمانية
لا شك أن الصوفية منه برآء فأفعاله لا يقرها أي مذهب بل يبدو أن العلماء الذين قتلهم منهم ولكن حين تفتح الباب لدعوى سقوط التكاليف عن بعض الناس بحجة أن اليقين أتاهم كما تكلم به بعض غلاة الصوفية فأنت تفتح بابا لمثل هذا البلاء فأنت ترى أن أصحابه ادعوا فيه هذا
لك أن تتصور لو كان هذا الرجل منتسبا للسلفية ويذكر ابن تيمية أكنت ستجهله أخي القاريء أم كان ذكره سيكون على لسان كل مغرض ويقولون هذا الرجل كان يطبق تعاليم ابن تيمية !
ومن اللطائف أنه لما هلك انتقم الناس من أتباعه كما ذكر الحمزاوي : فتوجهت
الناس إلى القلعة، وأخرجوا الذين حبسوا من أجل المال، ثم تتبعوا أعوان الجزار
فقتلوهم، وتفقدوا الأكراد الذين وكلوا بعذاب الناس، فعثروا عليهم في قرية (التل)
فأحضروهم وعذبوهم بمثل الأنواع التي عذبوا بها الناس، ثم نتفوا لحاهم وقتلوهم شر قتلة.