التنبيه على غلط قولهم ( أسماء الله وأسماء المخلوق مشتركة لفظياً )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد سمى الله عز وجل نفسه العليم والحليم والرؤوف والرحيم ، وورد في النصوص
تسمية بعض الخلق بهذه الأسماء

فغلط بعض الناس ويقول ( هذا اشتراك لفظي ) والاشتراك معناه اتفاق الكلمة
في الرسم مع عدم وجود أي قدر مشترك بين الاسمين كقولك في الجاسوس ( عين ) وقولك في
الماء ( عين )

وكقولك في المبتاع ( مشتري ) وقولك في الكوكب ( مشتري )

وجعل العلاقة بين اسم الخالق واسم المخلوق اشتراكاً لفظياً في حقيقته تعطيل

وإنما الصواب أن يقال العلاقة التواطؤ ، كقولك نور الشمعة ونور الشمس فينهما
قدر مشترك وليس النور كالنور

وقد نص شيخ الإسلام على أن القول بأن العلاقة بين أسماء الخالق وصفاته
وأسماء المخلوق وصفاته علاقة اشتراك لفظي هو قول متأخري الأشاعرة

قال شيخ الإسلام في درء التعارض (5/324) :” وقد رام طائفة من المتأخرين
كالشهر ستاني والآمدي والرازي في بعض كلامه ونحوهم أن يجيبوا هؤلاء عن هذا بأن لفظ
الموجود و الحي و العليم و القدير ونحوها من الأسماء تقال على الواجب والممكن بطريق
الإشتراك اللفظي كما يقال لفظ المشتري على الكوكب والمبتاع وكما يقال لفظ سهيل على
الكوكب والرجل المسمى بسهيل وكذلك لفظ الثريا على النجم والمرأة المسماه بالثريا

ومن هنا قال الشاعر :

أيها المنكح الثريا سهيلا *** عمرك الله كيف يلتقيان

هي شامية إذا ما استقلت *** وسهيل إذا استقل يمان  “

ونص شيخ الإسلام على أن الصواب هو وجود التواطؤ مع وجود الاشتراك في اللفظ
في بيان تلبيس الجهمية

قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (4/386) :” فان مذهب عامة
الناس بل عامة الخلائق من الصفاتية كالأشعرية والكرامية وغيرهم أن الوجود وهو مقولا
بالاشتراك اللفظي فقط وكذلك سائر أسماء الله التي سمي بها وقد يكون لخلقه اسم كذلك
مثل الحي والعليم والقدير فإن هذه ليست مقولة بالاشتراك اللفظي فقط بل بالتواطىء وهي
أيضا مشككة فإن معانيها في حق الله تعالى أولى وهي حقيقة فيهما ومع ذلك فلا يقولون
أن ما يستحقه الله تعالى من هذه الأسماء إذا سمي بها مثل ما يستحقه غيره ولا أنه في
وجوده وحياته وعلمه وقدرته مثلا لخلقه ولا يقولون أيضا أن له أو لغيره في الخارج وجودا
غير حقيقتهم الموجودة في الخارج بل اللفظ يدل على قدر مشترك إذ اطلق وجرد عن الخصائص
التي تميز أحدهما وهو لا يستعمل كذلك في أسماء الله فقط ولا هو موضوعا في اللغة كذلك
وإنما يذكر كذلك في مواضع تجرد عن الخصائص كما تجرد في المناظرة لأمور يحتاج إليها
فيقدر تجريده عن الخصائص تقديرا كما يقدر أشياء لم توجد وهو حينئذ دال على قدر مشترك
بين المسميين ولكن ذلك المشترك ليس مجموع حقيقة كل منهما الموجودة في الخارج فإن لفظ
الموجود إذا جرد يدل على الموجود المطلق لم يكن الوجود المطلق حقيقة إلا في الذهن وأما
الوجود الخارجي فوجود كل موجود معين مميز عن الآخر مختص به وذلك الجسم المطلق والحيوان
المطلق والإنسان المطلق”

وقال شيخ الإسلام في الرد على المنطقيين موضحاً مسألة التواطؤ أكثر ص155
:” ولهذا كان الحذاق يختارون أن الأسماء المقولة عليه وعلى غيره مقولة بطريق التشكيك
الذي هو نوع من التواطؤ العام ليست بطريق الاشتراك اللفظي ولا بطريق الاشتراك المعنوي
الذي تتماثل أفراده بل بطريق الاشتراك المعنوي الذي تتفاضل أفراده كما يطلق لفظ البياض
والسواد على الشديد كبياض الثلج وعلى ما دونه كبياض العاج فكذلك لفظ الوجود يطلق على
الواجب والممكن وهو في الواجب أكمل وأفضل من فضل هذا البياض على هذا البياض”

ومما يدل على هذا المعنى ما روى مسلم 19 – ( 2752 ) حدثنا محمد بن عبدالله
بن نمير حدثنا أبي حدثنا عبدالملك عن عطاء عن أبي هريرة

: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة
بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على
ولدها وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة

فبين أن رحمة الخلق من آثار رحمة الله عز وجل ، مع كون رحمة الخالق ليست
كرحمة المخلوق وهذا هو المراد بيانه

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم