قال ابن أبي زمنين في كتابه أصول السنة ص49 :” وقال مسلمة بن القاسم
: كلام الله عز وجل منزل مفروق ليس بخالق ولا مخلوق لا تدخل فيه ألفاظنا وإن تلاوتنا
له غير مخلوقة لأن التلاوة في القرآن بعينه ، فمن زعم أن التلاوة مخلوقة فقد زعم أن
القرآن مخلوق “
أقول : موطن الانتقاد جزمة بأن التلاوة غير مخلوقة وهذا نظير قول اللفظية
النفاة الذين يقولون ( لفظي بالقرآن غير مخلوق ) وأهل السنة لا يطلقون ( مخلوق ) ولا
( غير مخلوق ) بل هذه ألفاظ مجملة تحتمل حقاً وباطلاً فإن قلت مخلوق احتمل القول بمخلوقية
القرآن لأن اللفظ يدخل فيه الملفوظ وإن قلت غير مخلوق احتمل القول بأن أفعال العباد
غير مخلوقة فلا يطلق هذا ولا ذاك
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/ 373) :” وأما المنصوص
الصريح عن الامام أحمد وأعيان أصحابه وسائر أئمة السنة والحديث فلا يقولون مخلوقة ولا
غير مخلوقة ولا يقولون التلاوة هى المتلو مطلقا ولا غير المتلو مطلقا كما لا يقولون
الاسم هو المسمى ولا غير المسمى
وذلك أن التلاوة والقراءة كاللفظ قد يراد به مصدر تلى يتلو تلاوة وقرأ
يقرأ قراءة ولفظ يلفظ لفظا ومسمى المصدر هو فعل العبد وحركاته وهذا المراد باسم التلاوة
والقراءة واللفظ مخلوق وليس ذلك هو القول المسموع الذى هو المتلو وقد يراد باللفظ الملفوظ
وبالتلاوة المتلو وبالقراءة المقروء وهو القول المسموع وذلك هو المتلو ومعلوم أن القرآن
المتلو الذى يتلوه العبد ويلفظ به غير مخلوق وقد يراد بذلك مجموع الأمرين فلا يجوز
إطلاق الخلق على الجميع ولا نفى الخلق عن الجميع “
وهذا تلخيص جيد في المسألة
ثم قال شيخ الإسلام بعدها :” ويظن هؤلاء أنهم يوافقون أحمد واسحق
وغيرهما ممن ينكر على اللفظية وليس الأمر كذلك فلهذا كان المنصوص عن الامام أحمد وأئمة
السنة والحديث أنه لا يقال ألفاظنا بالقرآن مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا أن التلاوة هى
المتلو مطلقا ولا غير المتلو مطلقا فان اسم القول والكلام قد يتناول هذا وهذا ولهذا
يجعل الكلام قسيما للعمل ليس قسما منه فى مثل قوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل
الصالح يرفعه وقد يجعل قسما منه كما فى قوله فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون
قال طائفة من السلف عن قول لا إله إلا الله ومنه قول النبى فى الحديث الصحيح لا حسد
إلا فى اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار فقال رجل لو أن لى
مثل ما لفلان لعملت فيه مثل مايعمل ولهذا تنازع أصحاب أحمد فيمن حلف لايعمل اليوم عملا
هل يحنث بالكلام على قولين ذكرهما القاضى أبو يعلى وغيره “
والخلاصة أن هذا الإطلاق من مسلمة بن القاسم خطأ والصواب السكوت وألا يقال
مخلوقة ولا غير مخلوقة
فإن قال قائل : أليست التلاوة غير المتلو فالمتلو غير مخلوق والتلاوة فعل العبد مخلوقة كما قرر البخاري في خلق أفعال العباد
فيقال : هذا غلط فالتلاوة تتضمن المتلو وقد قال تعالى ( حتى يسمع كلام الله ) فسمى تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن ( كلام الله ) ولا شك أن فعله مخلوق ولكن هذا يذكر لبيان أن التلاوة تتضمن المتلو فلا يطلق القول بخلقها أو عدمه وإنما يفصل فيفرق بين فعل العبد وكلام الله ولهذا احتج أحمد بهذه الآية على اللفظية ، ودعوى أنها مجاز غلط بل هي على ظاهرها وتعضد دلالتها الظاهرة النصوص والآثار وكل ما قيل في تعظيم المصحف
ولهذا لو قال شخص سمع قارئاً يقرأ ( ما سمعت كلام الله ) كان كاذباً ولو حلف كان حانثاً
وقد احتج أحمد على اللفظية بقوله تعالى ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم )
قال أبو بكر المروذي : وقال لي إسحاق بن حنبل عم أبي عبد الله : لما قدم الشراك من طرسوس جاءني فانكب على رأسي فقبله وقال : إن أبا عبد الله غليظ علي ، فقلت : قد حذر عنك ، قال : فأكتب رقعة وتعرضها على أبي عبد الله ؟ قال : فكتب رقعة بخطه فأخذتها ، فأي شيء لقيت من أبي عبد الله من الغلظة ؟ وأريت أبا عبد الله كتاباً جاءني من طرسوس في الشراك أنهم احتجوا عليه بقول الله عز وجل { بلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } وفي حديث أبي أمامة : (هو أشد تفصياً من صدور الرجال من النعم من عقلها) وحديث ابن أشعث الباهلي : (القرآن – وفيه الذي في صدورنا – غير مخلوق) فقال أبو عبد الله : ما أحسن ما احتجوا عليه .
وقال الخلال في السنة 2112- وسألت أبي عن من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، فقال : قال الله عز وجل : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ } ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (حتى أبلغ كلام ربي) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) .
فقراءة العباد للقرآن لا تسمى ( كلام الناس ) حتى يقال أنها مخلوقة ، بل القرآن كلام الله وفعل العبد مخلوق فلا يجوز أن يقال والحال هذه ( لفظي بالقرآن مخلوق ) فيدخل فيه القرآن فيكون قول جهم ولا يقال ( غير مخلوق ) فيدخل فيه أفعال العباد فيكون قول المعتزلة ومثل هذا يقال في التلاوة والمتلو
قال الخلال في السنة 2116- أخبرنا سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني ، قال : ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي .
وأخبرني أحمد بن محمد بن مطر ، قال : ثنا أبو طالب أنه سمع أبا عبد الله سأله يعقوب الدورقي .
وأخبرنا محمد بن علي ، قال : ثنا صالح ، قال سمعت أبي سألة يعقوب الدورقي .
وأنبأ محمد بن علي ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثنا يعقوب الدورقي .
وأخبرنا عثمان بن صالح الأنطاكي ، قال ثنا الدورقي ، قال : قلت لأحمد بن حنبل المعنى قريب . ما تقول في من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق ؟ قال : فاستوى أحمد لي جالساً ثم قال : يا أبا عبد الله ، هؤلاء عندي أشر من الجهمية ، من زعم هذا فقد زعم أن جبريل هو المخلوق وأن النبي صلى الله عيله وسلم تكلم بمخلوق وإن جبريل جاء إلى نبينا بمخلوق ، هؤلاء عندي أشر من الجهمية ، لا تكلم هؤلاء ولا تكلم في شيء من هذا ، القرآن كلام الله غير مخلوق على كل جهة وعلى كل وجه تصرف وعلى أي حال كان ، لا يكون مخلوقاً أبداً ، قال الله تبارك وتعالى : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ } ولم يقل : حتى يسمع كلامك يا محمد ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يصلح في الصلاة شيء من كلام الناس) وقال النبي عليه السلام : (حتى أبلغ كلام ربي) ، هذا قول جهم على من جاء بهذا غضب الله ، قلت له : إنما يريدون هؤلاء على الإبطال؟ قال : نعم ، عليهم لعنة الله .
ذر عنك ، قال : فأكتب رقعة وتعرضها على أبي عبد الله ؟ قال : فكتب رقعة بخطه فأخذتها ، فأي شيء لقيت من أبي عبد الله من الغلظة ؟ وأريت أبا عبد الله كتاباً جاءني من طرسوس في الشراك أنهم احتجوا عليه بقول الله عز وجل { بلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } وفي حديث أبي أمامة : (هو أشد تفصياً من صدور الرجال من النعم من عقلها) وحديث ابن أشعث الباهلي : (القرآن – وفيه الذي في صدورنا – غير مخلوق) فقال أبو عبد الله : ما أحسن ما احتجوا عليه .
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/421) :” وَأَمَّا الْبِدْعَةُ الثَّانِيَةُ – الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ تِلَاوَةُ الْعِبَادِ لَهُ – وَهِيَ ” مَسْأَلَةُ اللَّفْظِيَّةِ ” فَقَدْ أَنْكَرَ بِدْعَةَ ” اللَّفْظِيَّةِ ” الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتَهُ وَاللَّفْظَ بِهِ مَخْلُوقٌ أَئِمَّةُ زَمَانِهِمْ جَعَلُوهُمْ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَبَيَّنُوا أَنَّ قَوْلَهُمْ: يَقْتَضِي الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِمْ تَكْفِيرُهُمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْهُ أَوْ عِبَارَةٌ عَنْهُ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ وَالصُّدُورِ إلَّا كَمَا أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي الْمَصَاحِفِ وَالصُّدُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا مَحْفُوظٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي الْوَلِيدِ الْجَارُودِيَّ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ وَيَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الدورقي وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْعَدَنِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذهلي وَمُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطوسي وَعَدَدٍ كَثِيرٍ لَا يُحْصِيهِمْ إلَّا اللَّهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَهُدَاتِهِ”
وهذا كلام حسن لشيخ الإسلام وفيه التصريح أن السلف كفروا اللفظية
وداعي التنبيه أنني نظرت في طبعة الرياشي فلم أجده نبه على هذا والمرجو
منه أن ينبه عليه في الطبعات القادمة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم