التنبيه على خطأ شائع في شأن الصحابي الجليل عمار بن ياسر -رضي الله عنهما-
رأيت كثيراً من الخطباء والكتاب يذكر عماراً في شباب الصحابة أو في صغار الصحابة، ولعلهم ظنوا ذلك لِمَا رأوا مِن ذكر والديه بالإسلام فظنوه صغيراً في السن.
والذي أجمع عليه المؤرخون أن عماراً أقدم ولادة من النبي ﷺ، فهو أكبر سناً من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-.
قال البخاري في «التاريخ الكبير»: “107 – عمار بن ياسر أبو اليقظان مولى بني مخزوم شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم، قتل يوم صفين، قال أبو حفص بن علي سمعت أبا عاصم يقول قتل عمار بن ياسر وهو ابن ثلاث وتسعين سنة”.
وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»: “2165- عمار بن ياسر أبو اليقظان مولى بنى مخزوم بدرى قتل وهو ابن ثلاث وتسعين سنة له صحبة”.
وقال يعقوب بن شيبة: “حَدَّثَنِي الحسن بْن عثمان، وهو أَبُو حسان الزيادي، قال: أَخْبَرَنِي عدة من الفقهاء وأهل العلم، قَالُوا جميعا: كانت وقعة صفين بين علي ومعاوية، فقتلت بينهما جماعة كبيرة يقال إنهم كانوا سبعين ألفا فِي صفر، ويُقال: فِي ربيع الأول، منهم من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفا، وكان ممن عرف، من أشراف الناس عمار بن ياسر، وهو ابْن ثلاث وتسعين، ودفن هناك فصلى عَلَيْهِ علي ولم يغسله”.
وكذا قال أبو عمر الضرير، وادعاه الواقدي إجماعاً ويبدو أنه إجماع صحيح، فما رأيت مؤرخاً يخالف في هذا أو يعترض عليه، غير أن بعضهم جعله أربعاً وتسعين والخطب في هذا يسير.
ويكفي في فضله -رضي الله عنه- أنه من المهاجرين الأُول ومن أهل بدر.
وقد كان من خذلان الرافضة أنهم يأتون للصحابي الذي ثبتت فضائله القطعية ويطعنون فيه لخوضهم في قضايا تاريخية دقيقة لا يمحصون رواياتها، ويحكِّمون الذوق ويتركون أمر الله عز وجل لهم {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان}.
فجاء قوم فقابلوا الرافضة بمثل طريقتهم وصاروا يطعنون في عمار وعلي.
وكل فريق من هؤلاء يرسم رواية تاريخية في عقله ثم يذهب إلى كتب التاريخ فما وجده مناسباً للرواية التي في عقله قبله وما وجده غير مناسب رفضه، دون نظر إلى الأسانيد أو تمحيص، مع ردهم لفضائل الصحابة الكرام.
قال الترمذي في سننه: “3888 – حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن غالب، أن رجلا نال من عائشة عند عمار بن ياسر، فقال: أغرب مقبوحا منبوحا أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث حسن صحيح”.
وأبو إسحاق متشيع التشيع القديم.
وقال ابن أبي شيبة في «المصنف»: “37844 – يزيد بن هارون، عن العوام، عن عمرو بن مرة، عن أبي وائل، قال: رأى في المنام أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل، وكان من أفضل أصحاب عبد الله، قال: رأيت كأني أدخلت الجنة، فرأيت قبابا مضروبة، فقلت: لمن هذه؟ فقيل: هذه لذي الكلاع وحوشب، وكانا ممن قتل مع معاوية يوم صفين، قال: قلت: فأين عمار وأصحابه؟ قالوا: أمامك، قلت: وكيف وقد قتل بعضهم بعضا؟ قال: قيل: إنهم لقوا الله فوجدوه واسع المغفرة”.
وهذا إسناد صحيح ويعضده الخبر المروي عن علي في أهل صفين أنهم مغفور لهم، ولعله عنده خبر عن رسول الله ﷺ في ذلك.
فحال الناس في ذلك الزمان ليس مفصَّلاً على خيالات الرافضة أو من يضادهم.