فقد استمعت لخطبة لأحد الخطباء المعاصرين
ألقاها الجمعة الماضية عن المحتضرين فما ذكر فيها خبراً مرفوعاً إلا هذا ( وربما
ذكر معه غيره ولكنني أذكر هذا فقط )
وهذا الحديث هو ما ذكره ابن القيم في
الروح :” وقد احتج أبو عبد الله بن منده على إعادة الروح إلى البدن بأن قال
حدثنا محمد بن الحسين ابن الحسن حدثنا محمد بن زيد النيسابورى حدثنا حماد بن قيراط
حدثنا محمد بن الفضل عن يزيد بن عبد الرحمن الصائغ البلخى عن الضحاك بن مزاحم عن
ابن عباس أنه قال بينما رسول الله ذات يوم قاعد تلا هذه الآية ولو ترى إذ الظالمون
في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم الآية قال والذي نفس محمد بيده ما من نفس
تفارق الدنيا حتى ترى مقعدها من الجنة أو النار ثم قال فإذا كان عند ذلك صف له
سماطان من الملائكة ينتظمان ما بين الخافقين كأن وجوههم الشمس فينظر إليهم ما ترى
غيرهم وإن كنتم ترون أنهم ينظرون إليكم مع كل منهم أكفان وحنوط فإن كان مؤمنا
بشروه بالجنة وقالوا أخرجى أيتها النفس الطيبة إلى رضوان الله وجنته فقد أعد الله
لك من الكرامة ما هو خير من الدنيا وما فيها فلا يزالون يبشرونه ويحفون به فهم
ألطف وأرأف من الوالدة بولدها ثم يسلون روحه من تحت كل ظفر ومفصل ويموت الأول
فالأول ويهون عليه وكنتم ترونه عديدا حتى تبلغ ذقنه قال فلهى أشد كراهية للخروج من
الجسد من الولد حين يخرج من الرحم فيبتدرها كل ملك منهم أيهم يقبضها فيتولى قبضها
ملك الموت ثم تلا رسول قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون
فيتلقاها بأكفان بيض ثم يحتضنها إليه فهو أشد لزوما لها من المرأة إذا ولدتها ثم
يفوح منها ريح أطيب من المسك فيستنشقون ريحها ويتباشرون بها ويقولون مرحبا بالروح
الطيبة والروح الطيب اللهم صل عليه روحا وعلى جسد خرجت منه قال فيصعدون بها ولله
عز و جل خلق في الهواء لا يعلم عددتهم إلا هو فيفوح لهم منها ريح أطيب من المسك
فيصلون عليها ويتباشرون ويفتح لهم أبواب السماء فيصلى عليها كل ملك في كل سماء تمر
بهم حتى ينتهى بها بين يدى الملك الجبار فيقول الجبار جل جلاله مرحبا بالنفس
الطيبة ويجسد خرجت منه وإذا قال الرب عز و جل للشيء مرحبا وحب له كل شيء ويذهب عنه
كل ضيق ثم يقول لهذه النفس الطيبة أدخلوها الجنة وأروها مقعدها من الجنة وأعرضوا
عليها ما أعددت لها من الكرامة والنعيم ثم اذهبوا بها إلى الأرض فإنى قضيت أنى
منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فوالذي نفس محمد بيده لهى أشد
كراهية للخروج منها حين كانت تخرج من الجسد وتقول أين تذهبون بى إلى ذلك الجسد
الذي كنت فيه قال فيقولون إنا مأمورون بهذا فلا بد لك منه فيهبطون به على قدر فراغهم
من غسله وأكفانه فيدخلون ذلك الروح بين جسده وأكفانه
فدل هذا الحديث أن الروح تعاد بين الجسد
والأكفان وهذا عود غير التعلق الذي كان لها في الدنيا بالبدن وهو نوع آخر وغير
تعلقها به حال النوم وغير تعلقها به وهى في مقرها بل هو عود خاص للمساءلة”
وهذا حديث موضوع اجتمع فيه عدة أمور
الأول : أن عامة الناس اجتنبوه مع فرط
الحاجة إليه للرد على المعتزلة وفيه ألفاظ لا توجد في شيء من الأخبار ولم أجده إلا
في هذا الكتاب
الثاني : في سنده حماد بن قيراط متروك
قال الذهبي في الميزان :” 2266 – حماد
بن قيراط النيسابوري.
عن عبيد الله بن عمر، وشعبة.
وعنه محمد بن يزيد محمش، وغيره.
كان أبو زرعة يمرض القول فيه.
وقال ابن حبان: لا تجوز الرواية عنه، يجئ
بالطامات.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه فيه نظر”
الثالث : في سنده محمد بن الفضل متهم
بالكذب
الرابع : في سنده جهالة مستحكمة في عدة
مواطن من السند
ولعل معتذراً سيعتذر لهذا الخطيب بأن ابن
القيم ذكر هذا الخبر
فيقال : هب أن ابن القيم قد زل أفتزل معه
، ومن ذكر بسنده ليس كمن لم يسنده على أن الأخبار المنكرة العيب يلحق كل من ذكرها
دون بيان
وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع وإن
عجبي لا ينتهي من هذا الخطيب كيف اجتنب الأخبار القوية في الباب وجاء بهذا الحديث !
والوعيد شديد في حق من نشر الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة
والبحث عن درجة الأحاديث في هذه الأيام
تيسر جداً عما كان في السابق
وإن كان المرء لا خبرة له بأمر الإسناد
فليكتف بالأخبار المشهورة في دواوين الإسلام المعروفة مما لم يستنكره الأئمة
ومما يتعين على الخطباء ممن ينشرون خطبهم
بين الناس صوتية ومفرغة الاستعانة بمن له معرفة بعلم الحديث حتى يفيدهم في درجة
الأخبار التي يوردونها وربما اقترح البديل الأحسن
تنبيه : هذا الخطيب هو عبد الرحمن الحجي لم أسمه إذ كنت أظن فيه خيراً وشيئاً من التدين ونظرتي تغيرت هذه الأيام
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم