التنبيه على ثلاث قصص من السيرة في كتب أئمة الدعوة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

جاء في مختصر السيرة للإمام المجدد ما
يلي :” ذكر الواقدي أن خالد بن الوليد لما قَدِمَ العارض قَدَّمَ مائتي فارس،
فأخذوا مجَّاعة بن مُرَارة في ثلاثة عشر رجلا من قومه بني حنيفة، فقال لهم خالد بن
الوليد: ما تقولون في صاحبكم؟ فشهدوا أنه رسول الله، فضرب أعناقهم، حتى إذا بقي سارية
بن عامر قال: يا خالد، إن كنت تريد بأهل اليمامة خيرا أو شرا فاسْتَبْقِ مجَّاعة، وكان
شريفا، فلم يقتله وترك سارية أيضا، فأمر بهما فَأُوثِقَا في مَجَامع من حديد، فكان
يدعو مجَّاعة، وهو كذلك، فيتحدث معه، وهو يظن أن خالدا يقتله، فقال يا ابن المغيرة:
إن لي إسلاما، والله ما كفرت، فقال خالد: إن بين القتل والترك منْزلة، وهي الحبس حتى
يقضي الله في أمرنا ما هو قاض. ودفعه إلى أم مُتَمِّم زوجته، وأمرها أن تُحْسِن إِسَارَهُ،
فظن مجَّاعة أن خالدا يريد حبسه ليخبره عن عدوه، وقال: يا خالد قد علمتَ أني قدمت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الإسلام، وأنا اليوم على ما كنت عليه بالأمس.
فإن يَكُ كَذَّابٌ قد خرج فينا، فإن الله يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
1. فقال: يا مجَّاعة تركت اليوم ما كنتَ عليه أمس، وكان رضاك بأمر هذا الكذاب، وسكوتك
عنه، وأنت من أعز أهل اليمامة إقرارًا له ورضاء بما جاء به، فهل أبديتَ عُذْرًا، فتكلمت
فيمن تكلم؟ فقد تكلم ثُمَامة فرد وأنكر، وتكلم اليشكريّ، فإن قلتَ: أخاف قومي، فهلا
عمدتَ إليَّ أو بعثتَ إليَّ رسولا؟”

يبدو أن الشيخ كان ينقل من حافظته ففي
القصة زيادة ونقص عنها في المصادر الأصلية

وقد وردت في كتاب الطبقات لابن سعد ووردت
في كتاب الردة للواقدي نفسه

قال ابن سعد في الطبقات 9341 – أَخبَرنا
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَر، قالَ: حَدَّثَنا هشامُ بن سَعدٍ، عَن الدَّخيل ابن أَخي مُجّاعَةَ
بن مُرارَةَ، عَن أَبيه، قالَ: لَمّا نَزَلَ خالِدُ بن الوَليد العِرضَ, وهوَ يُريدُ
اليَمامَةَ, قَدَّمَ خَيلاً مِئَتَي فارِسٍ, وقالَ: مَن أَصَبتُم مِنَ النّاس فَخُذوهُ،
فانطَلَقوا, فَأَخَذوا مُجّاعَةَ بنَ مُرارَةَ الحَنَفيَّ, في ثَلاَثَةٍ وعِشرينَ رَجُلاً
مِن قَومِه, خَرَجوا في طَلَب رَجُلٍ مِن بَني نُمَيرٍ، فَسَأَلَ مُجّاعَةَ, فَقالَ:
والله ما أَقرَبُ مُسَيلِمَة, ولَقَد قَدِمتُ عَلَى رَسول الله صَلى الله عَليه وسَلم
فَأَسلَمتُ وما غَيَّرتُ, ولاَ بَدَّلتُ، فَقَدَّمَ خالِدٌ القَومَ, فَضَرَبَ أَعناقَهُم,
واستَبقَى مُجّاعَةَ, فَلَم يَقتُلهُ، وكانَ شَريفًا كانَ يُقالُ لَهُ: مُجّاعُ اليَمامَةِ.

وقالَ ساريَةُ بن عَمرٍو لِخالِد بن الوَليدِ:
إِن كانَ لَكَ بِأَهل اليَمامَة حاجَةٌ, فاستَبق هَذا, يَعني مُجّاعَةَ بنَ مُرارَةَ,
فَلَم يَقتُلهُ, وأَوثَقَهُ في جامِعَةٍ مِن حَديدٍ, ودَفَعَهُ إِلَى امرَأَتِه أُمّ
تَميم, فَأَجارَتهُ مِنَ القَتل, وأَجارَها مُجّاعَةُ مِنهُ, إِن ظَفِرَت حَنيفَةُ,
فَتَحالَفا عَلَى ذَلِكَ.

وكانَ خالِدٌ يَدعو بِه ويَتَحَدَّثُ
مَعَهُ, ويُسائِلُهُ عَن أَمر اليَمامَة, وأَمر بَني حَنيفَةَ, ومُسَيلِمَة, فَيَقول
مُجّاعَةُ: وإِنِّي والله ما اتَّبَعتُهُ, وإِنِّي لِمُسلِمٌ, قالَ: فَهَلاَّ خَرَجتَ
إِلَيَّ أَو تَكَلَّمتَ بِمِثل ما تَكَلَّمَ بِه ثُمامَةُ بن أُثالٍ؟ قالَ: إِن رَأَيتَ
أَن تَعفوَ عَن هَذا كُلِّه فافعَل، قالَ: قَد فَعَلتُ، وهوَ الَّذي صالَحَ خالِدَ
بنَ الوَليد عَن اليَمامَة وما فيها بَعدَ قَتل مُسَيلِمَة, وقَدِمَ بِه خالِدُ بن
الوَليد في الوَفد عَلَى أَبي بَكرٍ الصِّدّيق, وذَكَرَ إِسلاَمَهُ، وما كانَ مِنهُ,
فَعَفا عَنهُ أَبو بَكرٍ، وآمَنَهُ, وكَتَبَ لَهُ ولِلوَفد أَمانًا, ورَدَّهُم إِلَى
بِلاَدِهمُ اليَمامَةِ.

رواية المجدد فيها قول خالد :” يا
مجَّاعة تركت اليوم ما كنتَ عليه أمس، وكان رضاك بأمر هذا الكذاب، وسكوتك عنه، وأنت
من أعز أهل اليمامة إقرارًا له ورضاء بما جاء به، فهل أبديتَ عُذْرًا، فتكلمت فيمن
تكلم؟ فقد تكلم ثُمَامة فرد وأنكر”

وهذا لا وجود له في الرواية الأصلية سوى
ذكر ثمامة وذكر بعث الرسول لا وجود له بل الموجود في الرواية أنه قال لخالد إن رأيت
أن تعفو فقال عفوت وكذا عفا الصديق وفارق بينه وبين المرتدين

وفي رواية مختصر السيرة زيادة
:” فقال إن رأيت يا ابن المغيرة أن تعفو عن هذا كله؟ .

فقال: قد عفوت عن دمك، ولكن في نفسي من
تركك حرج”

وهذه لا أصل لها، وأقدم مصدر ذكرها كتاب في السيرة في القرن السابع ! وفي روايته زيادات عديدة

وأما الرواية التي في كتاب الردة للواقدي
:” وَسَارَ خَالِدٌ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، حَتَّى
إِذَا تَقَارَبَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَامَةِ نَزَلَ إِلَى جَنْبِ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهَا،
ثُمَّ بَعَثَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَزِيدُونَ عَلَى مِائَتَيْ فَارِسٍ، وَقَالَ
لَهُمْ: (سِيرُوا فِي هَذِهِ الْبِلادِ فَأْتُونِي بِكُلِّ مَنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ)
. فَسَارُوا فَإِذَا هُمْ بِرَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ مُجَّاعَةُ
بْنُ مُرَارَةَ [4] وَمَعَهُ ثَلاثَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلا مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ. قَالَ:
فَدَنَا منهم المسلمون، قَالُوا: (مَنْ أَنْتُمْ) ، قَالُوا: (نَحْنُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي
حَنِيفَةَ) ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: (فَلا أَنْعَمَ اللَّهُ بِكُمْ عَيْنًا يَا أَعْدَاءَ
اللَّهِ) ، ثُمَّ أَحَاطُوا بِهِمْ فَأَخَذُوهُمْ، وَجَاءُوا بِهِمْ إِلَى خَالِدِ
بْنِ الْوَلِيدِ، حَتَّى أَوْقَفُوهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ خَالِدٌ:
(يَا بَنِي حَنِيفَةَ، مَا تَقُولُونَ فِي صَاحِبِكُمْ مُسَيْلِمَةَ) ، فَقَالُوا:
(نَقُولُ إِنَّهُ شَرِيكُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي نُبُوَّتِهِ) . فَقَالَ
رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ سَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ [1] : (يَا أَبَا سُلَيْمَانَ، وَلَكِنِّي
لا أَقُولُ ذَلِكَ) ، قَالَ خَالِدٌ: (يَا مُجَّاعَةُ، مَا تَقُولُ فِيمَا يَقُولُ
أَصْحَابُكَ هَؤُلاءِ) ، فَقَالَ مُجَّاعَةُ: (أَقُولُ إِنِّي قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ
[2] وبها رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُهُ أَنا
وَصَاحِبِي هَذَا سَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَلا وَاللَّهِ مَا غَيَّرْنَا وَلا بَدَّلْنَا،
غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَنَا بُدٌّ مِنْ مُدَارَاةِ مُسَيْلِمَةَ خَوْفًا عَلَى
أَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَوْلادِنَا) . قَالَ: فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ:

(فَاعْتَزِلْ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ/ هَذَا
نَاحِيَةً مِنْ هَؤُلاءِ الْكُفَّارِ) ، ثم قدم خالد بقية القوم [20 ب] فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ
صَبْرًا، ثُمَّ عَمِدَ إِلَى مُجَّاعَةَ، فَقَالَ مُجَّاعَةُ: (أَيُّهَا الأَمِيرُ،
إِنِّي لَمْ أَزَلْ مُسْلِمًا، وَأَنَا الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ أَمْسِ،
وَقَدْ رَأَيْتُكَ عَجِلْتَ عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ بِالْقَتْلِ، وَأَنَا وَاللَّهِ
خَائِفٌ عَلَى نَفْسِي مِنْكَ، وَلَكِنْ أَيُّهَا الأَمِيرُ إِنْ كَانَ رَجُلٌ كَذَّابٌ
خَرَجَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَادَّعَى مَا ادَّعَى، فَلَيْسَ يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَأْخُذَ
الْبَرِيءَ بِأَمْرِ السَّقِيمِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: وَلا
تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى 6: 164 [3] ، ثُمَّ أَنْشَأَ مُجَّاعَةُ يَقُولُ
[4] :

(مِنَ الْخَفِيفِ)

1-  أَتَرَى
خَالِدًا يَقْتُلُنَا الْيَوْ … مَ بِذَنْبِ الأُصَيْفِرِ [5] الْكَذَّابِ

2- 

3-  2-
عِنْدَنَا الْيَوْمَ فِي مُسَيْلِمَةَ الرَّ … دِّ لِتِلْكَ الْقُرَى وَطُولِ الْعِتَابِ

4-  3-
لَمْ نَدَعْ مِلَّةَ النَّبِيِّ وَلا نَحْ- … – نُ رَجَعْنَا عَنْهَا عَلَى الأَعْقَابِ
[1]

5-  4-
إِنْ يَكُنْ خَالِدٌ يُرِيدُ دِمَى الْيَوْ … مَ فَمَا إِنْ أَرَادَهُ [2] بِصَوَابِ

6-  5-
وَلَسَفْكُ الدِّمَا [3] أَخَفُّ عَلَيْهِ … يَا لَكَ الْخَيْرُ مِنْ طَنِينِ الذُّبَابِ

7-  6-
قُلْتُ لِلنَّفْسِ إِنْ تَعَاظَمَكِ الْمَوْ … تُ فَعُدِّي مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِي

8-  7-
مِنْ عَدِيٍّ وَعَامِرٍ وَمَنَاةَ … وَبَنِي الدُّوَلِ تِلْكُمُ أَحْبَابِي

9-  8-
وَلَنَا أُسْوَةٌ بمن أكل الدّه- … – ر [4] وليس الرؤوس كَالأَذْنَابِ

10-     قَالَ:
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ سَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ، فَقَالَ: (أَيُّهَا الأَمِيرُ، مَنْ
خَافَ سَيْفَكَ رَجَاَ عَدْلَكَ، وَمَنْ رَجَا عَدْلَكَ، رَجَا أَمَانًا مُنَعَّمًا،
وَقَدْ خِفْتُكَ وَرَجَوْتُكَ، وَأَنَا بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى دِينِ الإِسْلامِ مَا
غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَسْتَقِيمَ لَكَ أَمْرُ بَنِي حَنِيفَةَ
[5] فَاسْتَبْقِنِي وَاسْتَبْقِ هَذَا الشَّيْخَ فَإِنَّهُ سَيِّدُ أهل اليمامة، ولا
تؤاخذنا بِمَا كَانَ مِنْ تَخَلُّفِنَا عَنْكَ وَالسَّلامُ) .

11-     ثُمَّ
أنشأ يقول:

12-     (من
البسيط)

13-     1-
يا ابن الْوَلِيدِ لَقَدْ أَسْرَعْتَ فِي نَفَرٍ … مِنْ عَامِرٍ وَعَدِيٍّ أَوْ مِنَ
الدُّوَلِ

14-     2-
فَاسْتَبْقِ مُجَّاعَةَ الْمَأْمُولِ إِنَّ لَهُ … خَطْبًا عَظِيمًا وَرَأْيًا غَيْرَ
مَجْهُولِ

15-     3-
إِنْ تُعْطِهِ مِنْكَ عَهْدًا لا تَجِيشُ بِهِ [6] … تقطع به عنك عيب القال والقيل

4- وَيْلُ الْيَمَامَةِ وَيْلٌ لا ارْتِجَاعَ
لَهُ … إِنْ كَانَ مَا قُلْتُ فِيهِ غَيْرَ مَقْبُولِ

1-  قَالَ
خَالِدٌ: (فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْكُمَا، وَلَكِنْ أَقِيمَا فِي عَسْكَرِي وَلا
تَبْرَحَا حَتَّى أَنْظُرَ عَلَى مَا يَنْصَرِمُ أَمْرِي وَأَمْرُ بَنِي حَنِيفَةَ”

وهذه الرواية فيها أنه عفا دون حتى معاتبة
بل عزلهم عن الآخرين وسمى الآخرين كفاراً دونهم فظاهر هذا أنه اعتبرهم مسلمين

وقال ابن كثير في جامع المسانيد والسنن
:” 1644- (مجاعة بن مرارة)

ويقال: سليم بن زيد بن عبيد بن ثعلبة
ابن بني يربوع بن ثعلبة بن الدولي بن حنيفة بن لجيم الحنفي اليمامي (2) .

له أعمال صالحة مع خالد بن الوليد في
قتال قومه بني حنيفة مع محبته لهم طبعاً ولكن كان أبغضهم”

ورواية الواقدي معلوم أن الواقدي متهم
بالكذب بل قال الشافعي كتبه كلها كذب

و قال المغيرة بن محمد المهلبى : سمعت
على ابن المدينى يقول : الهيثم بن عدى أوثق عندى من الواقدى ، و لا أرضاه فى الحديث
و لا فى الأنساب و لا فى شىء .

وكذبه أعيان العلماء قال الشافعى فيما
أسنده البيهقى : كتب الواقدى كلها كذب .

و قال النسائى فى ” الضعفاء
” : الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله

صلى الله عليه وآله وسلم أربعة : الواقدى
بالمدينة ، و مقاتل بخراسان ، و محمد

ابن سعيد المصلوب بالشام . و ذكر الرابع
.

و قال ابن عدى : أحاديثه غير محفوظة و
البلاء منه .

و قال ابن المدينى : عنده عشرون ألف حديث
ـ يعنى ما لها أصل .

و قال فى موضع آخر : ليس هو بموضع للرواية
، و إبراهيم بن أبى يحيى كذاب ، و هو

عندى أحسن حالا من الواقدى .

و قال أبو داود : لا أكتب حديثه و لا
أحدث عنه ; ما أشك أنه كان يفتعل الحديث

وقد رأيت كثيرين يستدلون بهذه القصة والعجب
ليس أنهم يستدلون بها وفي سندها الواقدي بل العجب أنهم يستدلون بالصيغة الموجودة في
مختصر السيرة ولا أصل لها

ونظير هذا ما أورده العلامة عبد الرحمن
بن حسن كما في الدرر السنية :” : قصة أخرى وقعت في زمن الخلفاء الراشدين، وهي:
أن بقايا من بنى حنيفة، لما رجعوا إلى الإسلام، وتبرؤوا من مسيلمة، وأقروا بكذبه، كبر
ذنبهم في أنفسهم، وتحملوا بأهليهم إلى الثغر، لأجل الجهاد في سبيل الله، لعل ذلك يمحو
عنهم تلك الردة، لأن الله تعالى يقول: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً
صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [سورة الفرقان آية:
70] وقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}
[سورة طه آية: 82] .

فنَزلوا الكوفة، وصار لهم بها محلة معروفة،
فيها مسجد يسمى مسجد بني حنيفة، فمر بعض المسلمين على مسجدهم، ما بين المغرب والعشاء،
فسمع منهم كلاما، معناه: أن مسيلمة على حق، وهم جماعة كثيرون؛ لكن الذي لم يقل لم ينكر
على من قال، فرفعوا أمرهم إلى ابن مسعود، فجمع من عنده من الصحابة رضي الله عنهم، واستشارهم:
هل يقتلهم وإن تابوا؟ أو يستتيب؟ فأشار بعض بقتلهم من غير استتابة، وأشار بعضهم باستتابتهم.
فاستتاب بعضهم، وقتل بعضهم ولم يستتبه، وقتل عالمهم ابن النواحة. فتأمل رحمك الله:
إذا كانوا قد أظهروا من الأعمال الصالحة الشاقة ما أظهروا، لما تبرؤوا من الكفر، وعادوا
إلى الإسلام، ولم يظهر منهم إلا كلمة أخفوها في مدح مسيلمة، لكن سمعها بعض المسلمين،
ومع هذا لم يتوقف أحد في كفرهم كلهم، المتكلم والحاضر الذي لم ينكر، لكن اختلفوا: هل
تقبل توبتهم أم لا؟ والقصة في صحيح البخاري. فأين هذا من كلام من يزعم أنه من العلماء،
ويقول: البدو ما معهم من الإسلام شعرة، إلا أنهم يقولون: لا إله إلا الله، وحكم بإسلامهم
بذلك؟ أين هذا مما أجمع عليه الصحابة فيمن قال تلك الكلمة”

والواقع أن الشيخ ينقل من حفظه والقصة
ليست في البخاري ولا كما صور نهائياً بل القصة التي احتج لا أصل لها

وقال الشاشي في مسنده 683 – حدثنا عيسى
بن أحمد ، أنا يزيد بن هارون ، نا إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، أتى
ابن مسعود رجل فقال : إني مررت بمسجد من مساجد بني حنيفة ، فسمعت يقرأ فيها بقراءة
ما أنزلها الله على محمد عليه السلام قال : ما يقولون ؟ قال : يقولون : والطاحنات طحنا
، والعاجنات عجنا ، والخابزات خبزا ، والثاردات ثردا ، واللاقمات لقما ، فأرسل إليهم
عبد الله ، فأتى بسبعين منهم ، وأميرهم عبد الله بن النواحة ، فقال له عبد الله :
« ألم تكن تخبرنا أنك على ديننا ؟ » قال : بلى ، ولكن كنت أسر هذا قال : فأمر به عبد
الله فضربت عنقه ، ثم نظر إليهم فقال : « ما نحن بمحدري هؤلاء الشياطين ، أجلوهم إلى
الشام ، فإما أن يفنيهم الله تعالى بالطاعون ، وإما أن يتوب على من يشاء أن يتوب عليهم
»

وهذا إسناد قوي ، وقد قتل ابن النواحة
دون استتابة وقد وردت الاستتابة في خبر آخر

فالقصة في أنهم كانوا كلهم يقرأون قرآن
مسيلمة ويتدينون به

قال الطبراني في الكبير 8960 – حدثنا
علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا المسعودي عن القاسم قال : أتي عبد الله فقيل له
: يا أبا عبد الرحمن إن ههنا ناس يقرأون قراءة مسيلمة فرده عبد الله فلبث ما شاء الله
أن يلبث ثم أتاه فقال : والذي أحلف به يا أبا عبد الرحمن لقد تركتهم الآن في دار وإن
ذلك المصحف لعندهم فأمر قرظة بن كعب فسار بالناس معه فقال : ائت بهم فلما أتى بهم قال
عبد الله : ما هذا بعد استفاض الإسلام ؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن نستغفر الله ونتوب
إليه ونشهد أن مسيلمة هو الكذاب المفتري على الله ورسوله قال : فاستتابهم عبد الله
وسيرهم إلى الشام وإنهم لقريب من ثمانين رجلا وأبى ابن النواحة أن يتوب فأمر به قرظة
بن كعب فأخرجه إلى السوق فضرب عنقه وأمره أن يأخذ رأسه فيلقيه في حجر أمه قال عبد الرحمن
بن عبد الله : فلقيت شيخا منهم كبيرا بعد ذلك بالشام فقال لي : رحم الله أباك والله
لو قتلنا يومئذ لدخلنا النار كلنا

هذا الخبر يرويه القاسم عن أبيه بدليل
ذكره في آخر ، وقد ذكر أباه في سند الحاكم 8960 ، وإسناد الخبر قوي

فالأمر ليست كلمة قالها واحد منهم سراً
وسكت البقية بل الأمر أنهم كانوا ( يقرأون قرآن مسيلمة ) والرواية جاءت بصيغة الجمع
فمعناه أنهم كلهم كانوا يفعلون

وقال أبو داود في سننه 2762 – حدَّثنا
محمدُ بن كثير، أخبرنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ

عن حارثةَ بن مُضَرِّبِ أنه أتى عبدَ
الله فقال: ما بيني وبين أحدٍ من العرب حِنَةٌ، وإني مررتُ بمسجدٍ لبني حَنيفةَ فإذا
هم يؤمنون بمُسيلمةَ، فأرسل إليهم عبدُ الله، فجِيء بهم فاستتابَهم، غيرَ ابنِ النَّوّاحة
قال له: سمعتُ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- يقول: “لولا أنك رسولٌ لضربتُ
عنقكَ” فأنتَ اليومَ لستَ برَسُولٍ، فأمر قَرَظَةَ بن كَعبِ فضرب عُنقَه في السوق،
ثم قال: من أراد أن ينظُرَ إلى ابنِ النّوّاحةِ قتيلاَ بالسُّوق

فهنا التصريح أنهم كانوا يؤمنون بمسيلمة

وقال ابن أبي شيبة في المصنف 33411- حَدَّثَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ حَارِثَةَ
بْنِ مُضَرِّبٍ ، قَالَ : خَرَجَ رَجُلٌ يَطْرُقُ فَرَسًا لَهُ فَمَرَّ بِمَسْجِدِ
بَنِي حَنِيفَةَ فَصَلَّى فِيهِ فَقَرَأَ لَهُمْ إمَامُهُمْ بِكَلاَمِ مُسَيْلِمَةَ
الْكَذَّابِ , فَأَتَى ابْنُ مَسْعُودٍ فَأَخْبَرَهُ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ فَجَاءَ بِهِمْ
, فَاسْتَتَابَهُمْ فَتَابُوا إِلاَّ عَبْدَ اللهِ ابْنَ النَّوَّاحَةِ فَأَنَّهُ قَالَ
لَهُ : يَا عَبْدَ اللهِ لولا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ
: لَوْلاَ أَنَّكَ رَسُولٌ لَضَرَبْت عُنُقَك , فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَسْت بِرَسُولٍ
, يَا خَرَشَةُ قُمْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَامَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ.

فهنا وضوح أكثر أنهم كانوا يصلون بقرآن
مسيلمة فالصياغة التي ذكرها الشيخ رحمه الله

وأيضاً الشيء بالشيء يذكر

قال الشيخ المجدد :” وأجمع العلماء
كلهم على كفر المختار، مع إقامته شعائر الإسلام، لما جنى على النبوة ; فإذا كان الصحابة
قتلوا المرأة، التي هي من بنات الصحابة”

وهذا أيضاً مما نقله الشيخ من الذاكرة
ولا وجود لهذه الرواية بهذه الصورة

فالرواية الموجودة في الكتب ولا وجود
لغيرها

جاء في تاريخ دمشق :” كانت عند المختار
امرأتان: إحداهما أم ثابت بنت سمرة بن جندب، والأخرى عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري
فعرضهما مصعبٌ على البراءة من المختار، فأما بنت سمرة فبرئت منه فخلاها، وأما الأنصارية
فقتلها.

وكان مصعب بعث إليهما فقال لهما: ما تقولان
في المختار؟ فقالت أم ثابت: ما عسيب أن أقول فيه إلا ما تقولون فيه أنت، فقالوا لها:
اذهبي. وأما عمرة فقالت: رحمة الله عليه إن كان عبداً من عباد الله الصالحين. فرفعها
مصعبٌ إلى السجن وكتب فيها إلى عبد الله بن الزبير، إنها تزعم أنه نبي. فكتب إليه:
أن أخرجها فاقتلها”

فابن الزبير أقر قتلها بناءاً على قول
أخيه مصعب أنها قالت عنه ( نبي ) فليست العلة عدم تكفيره وإن كان عدم تكفيره كفراً
لا شك وهو يدعي النبوة ولكن البحث في النقل العلمي ودقته ، وقد اعترض كثير من شعراء
الأنصار_ يعني أبناء الصحابة _  على قتلها حمية
وهجوا مصعباً بأبيات مشهورة معروفة 

وفي وقت المشايخ لم يكن هناك برامج بحثية ولا فهارس ولكن العجب ممن يتابع مع قدرته على المراجعة والتأكد 

وليعلم أننا نكن كل تقدير لأئمة الدعوة
النجدية الذين امتن بهم الله علينا وترك كثير من الناس الشرك بأنواعه بفضل الله ثم
بفضل جهادهم ، غير أن الحق أحق أن يتبع والمسائل العلمية ينبغي أن تحرر بدقة فمن المزعج
أن تنتشر هذه القصص أكثر من القصص الثابتة الصحيحة وأما تحرير المسائل علمياً فيتطلب
منك النظر في كلام جميع العلماء المعتبرين بل أئمة الدعوة أنفسهم اقرأ كلامهم كاملاً
واعل بسندك حتى تفهم الأمور على ما هي عليه فقد انتحل أئمة الدعوة قوم بجهلهم بغضوا
أئمة الدعوة إلى الناس

هذا وصل اللهم على محمد
وعلى آله وصحبه وسلم