التنبيه على بطلان قصة السبع عشرة رقعة التي يروج لها عمر عبد الكافي

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال  عمر عبد الكافي :

في عام خمسة عشر للهجرة أرسلَ قادة الجيوش الإسلامية إلى حاكم القدس ليسلمهم،
مفاتيح القدس بعد أن أراد السلم ، فأبى حاكمها البطريارك صفرونيوس أن يُسلم المفاتيح
لأيّ من القادة عمرو بن العاص ، أو شرحبيل بن حسنة ، أو أبا عُبيدة عامر بن الجراح،
وقال لهم : لقد قرأنا في كُتبنا أوصافاً لمن يتسلم مفاتيح مدينة القدس، ولا نرى هذه
الأوصاف في أي واحد من قادتكم، فأرسلوا إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وطلبوا
منه الحضور، ليتسلم المفاتيح بنفسه، ما داموا لا يُريدون القتال ، ويُريدونَ تسليم
المفاتيح والسلم، ولا نـُريدُ أن ندخلَ معهم في قتال حتى تأذن لنا، فركب عمر بن الخطاب
(رضي الله عنه) ومعه غلامه، وكانا يتناوبان على الدابة بالركوب ويتركانها ترتاح مرة،
وعندما قاربا على مشارف بلاد الشام وقريباً من القدس، قابلتهم مخاضة من الطين بسيل
وادي عمواس، فقال له أمين هذه الأمة أبو عُبيدة عامر بن الجراح: أتخوض الطينَ بقدميك
يا أمير المؤمنين وتلبس هذه المُرقعة، وهؤلاء القوم قياصرة وملوك ويُحبون المظاهر،وأنت
أمير المؤنين فهلا غيرت ثيابك وغسلت قدميك ؟؟ وهذا مقام عزة وتشريف للمسلمين بتسلم
مفاتيح القدس.

فقال عمر : لقد كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام ، فإذا إبتغينا العزة بغيره
ِ أذلنا الله .

والله لو قالها أحد ٌ غيرك َ يا أبا عُبيدة لعلوت رأسه ِ بهذه الدرة .

وركب عمر وسار الغلام ، ثم تناوب معه حتى قال أمراء وقادة الجند،نتمنى
أن تكون نوبة عمر على الدابة حينَ يدخل على حاكم القدس،ونخشى أن تكون نوبة الغلام ،
فحصل ما كانوا يحذرون، ودخل الغلام راكباً وأمير المؤمنين يمشي على قدميه، ولما وصلوا
نظر صفرونيوس إلى عمر وثوبه ِ وهو يقودُ الدابة لغلامه ِفسلمهُ مفاتيح القدس.

وقال له : أنتَ الذي قرأنا أوصافه في كتبنا يدخلُ ماشياً وغلامهُ راكباً
وفي ثوبه، سبعة عشرة رقعة ، (وفي رواية أربعة عشر رقعة )
 هذه القصة ذكرها عمر بن عبد
الكافي في محاضرته وقفات مع سيرة عمر بسياقة أخرى زاد فيها ونقص وسمى غلام عمر سالماً،
وهي قصة مشهورة جداً ، ولم أجد لها إسناداً ولم أجدها عندي في آثار الفاروق حتى الموضوعات
منها !

وقد ذكر نحوها دون سند ابن الجوزي في تلبيس إبليس (1/231) : “وأما
عمر رضي الله لما قدم بيت المقدس حين سأل القسيسون والرهبان عن أمير المسلمين فعرضوا
عليهم أمراء العساكر مثل أبي عبيدة وخالد بن الوليد وغيرهما فقالوا ليس هذا المصور
عندنا ألكم أمير أولا فقالوا لنا أمير غير هؤلاء فقالوا هو أمير هؤلاء قالوا نعم هو
عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا ارسلوا اليه ننظره فان كان هو سلمنا اليكم من غير
قتال وإن لم يكن هو فلا فلو حاصرتمونا ما تقدرون علينا فارسل المسلمين إلى عمر رضي
الله عنه واعلموه بذلك فقدم عليهم وعليه ثوب مرقع سبع عشرة رقعة بينها رقعة من اديم
فلما رأوه الروحانية والقسوس على هذه الصفة سلموا بيت المقدس اليه من غير قتال فأين
هذا مما يفعله جهال الصوفية في زماننا فنسأل الله العفو والعافية وأما المعنى فان أولئك
كانوا أصحاب رياضة وزهد”.

أقول : والمعروف الصحيح تاريخياً أن عمر دخل بعد المقدس بعد فتحها لأن
دخوله كان شرطاً في الفتح، وليس في هذا عامة الزيادات التي يذكرها القصاص، وقد تركوا
كل الصحيح الطيب الثابت عن أمير المؤمنين والأخبار الواردة وفيها ضعف متحمل ، وعمدوا
إلى هذه الأخبار المرسلة التي لا أسانيد لها.

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم