قال محمد بن خليل هراس في شرح العقيدة الواسطية ص116 :
” وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو:
((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ بِيَدِهِ: خَلَقَ
آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ))
فَتَخْصِيصُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ مَعَ مُشَارَكَتِهَا لِبَقِيَّةِ
الْمَخْلُوقَاتِ فِي وُقُوعِهَا بِالْقُدْرَةِ دالٌّ عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِأَمْرٍ
زَائِدٍ”
أقول : هذا الأثر لم أجده عن عبد الله بن عمرو ومتنه مشكل فظاهره أن التوراة
مخلوقة !
والتوراة كلام الله وكلامه ليس بمخلوق
وهذا اللفظ المشكل قد ورد في أخبار أخرى
قال عبد الرزاق في تفسيره أنا معمر عن قتادة في قوله قد أفلح المؤمنون
قال قال كعب إن الله لم يخلق بيدهإلا ثلاثة خلق آدم بيده والتوراة بيده وغرس جنة عدن
بيده ثم قال للجنة تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون لما علمت فيها من كرامة الله لأهلها
وهذا اللفظ منكر فإن معمراً في روايته عن قتادة ضعفاً
وقال الآجري في الشريعة 753 – وحدثنا جعفر بن محمد الصندلي قال : حدثنا
زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا محمد بن المنهال الضرير قال : حدثنا يزيد بن زريع
قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، : أن كعب الأحبار قال : إن الله
عز وجل لم يمس بيده إلا ثلاثة : خلق آدم بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس الجنة بيده
، ثم قال : تكلمي : فقالت : قد أفلح المؤمنون
وقال الحسين المروزي في زوائد في الزهد 1437 ، أخبرنا عبد الوهاب الخفاف
، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : قال كعب : « إن الله تعالى خلق آدم بيده ، وكتب التوراة
بيده ، وغرس الجنة بيده ثم قال لها : تكلمي فقالت : قد ( أفلح المؤمنون ) » قال قتادة
: « حق لها أن تكلم وقد علمت ما أعد الله تعالى لأوليائه فيها »
فهذه الألفاظ أصح ففي لفظ ( يمس )، واللفظ الثاني ليس فيه ذكر الخلق للتوراة
أصلاً
قال الطبري في تفسيره
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جبير، عن عطاء، عن ميسرة، قال: “لم يخلق
الله شيئا بيده غير أربعة أشياء: خلق آدم بيده، وكتب الألواح بيده، والتوراة بيده،
وغرس عدنًا بيده، ثم قال: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) “.
وهذا لفظ منكر ابن حميد متهم وقد خالفه غيره فرواه بلفظ ( كتب )
وقال عبد الله بن أحمد في السنة
495 – حدثنا هناد بن السري أبو السري ، نا أبو الأحوص ، عن عطاء ، عن ميسرة
: في قول الله عز وجل لموسى عليه السلام ( وقربناه نجيا ) قال : « أدني حتى سمع صريف
القلم في الألواح وكتب التوراة بيده »
وقال الدارقطني في الصفات 26 – حدثنا الحسن بن علي البصري ، ثنا أبو الربيع
الزهراني ، ثنا أبو معمر ، ثنا عون بن عبد الله بن الحارث ، عن أخيه ، عن أبيه عبد
الله بن الحارث بن نوفل ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز وجل
خلق ثلاثة أشياء بيده ، خلق آدم بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس الفردوس بيده »
وعون هذا مجهول عين وليس له إلا هذا الخبر
وفي سند الدارقطني تصحيف فهو أبو معشر كما في مساويء الأخلاق للخرائطي
410 وأبو معشر ضعيف اختلط وليس أبو معمر
وقال الدارقطني في المؤتلف (3/1224) : حَدَّثَنا مُحَمد بن نُوح الجُنْدَيْسَابُوري
, حَدَّثَنا مُحَمد بن سَعْدان السَّاجِي , حَدَّثَنا شبان بن جسر بن فَرْقَد , حَدَّثَنا
أبي , عن سُلَيْمان التَّيْمِيّ , عن أبي نضرة , عن أبي سَعِيد , عن النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم قال: “إن الله تعالى خلق ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وخط التوارة
التي أنزلها على موسى عليه السَّلام بيده وخلق الجنة فشق أنهارها وغرس أشجارها وتدلت
ثمارها فلما فرغ منها نظر إليها فقال: حراتم عليك أن يدخلك خمسة: المخنثين المتشبهين
, بالنساء من الرجال , والديوث , والعاق , والسكير حتى يصحى”. قال جسر: قال التَّيْمِيّ:
الديوث: الذي يجلب على امرأته.
جسر ضعيف جداً وابنه لا يعرف وهذا منكر
قال الدارمي في الرد المريسي حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مِهْرَانَ -وَهُوَ الْمُكْتِبُ-
ثَنَا مُجَاهِدٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: “خَلَقَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ
أَشْيَاءَ بِيَدِهِ:- الْعَرْشُ، وَالْقَلَمُ، وَعَدْنٌ، وَآدَمُ ثُمَّ قَالَ لِسَائِرِ
الْخَلْقِ: كن فَكَانَ”.
وهذا إسناد قوي ولم يذكر التوراة مما يدل على نكارة تلك اللفظة
وقد تابع الشيخ عبد العزيز السلمان في مختصر الأجوبة الأصولية الشيخ محمد
هراس على نسبة هذا الأثر لعبد الله بن عمرو بهذا اللفظ والله يغفر لهما
ولا شك أن في إثبات أن الله عز وجل خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وإنما البحث في إطلاق صفة الخلق على التوراة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم