التشاعل بالنصْب الخفي عن الرفض الجلي

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

أحد الدكاترة المعاصرين والذي له مقاطع مع بعض الإمامية المعممين يتبادل معهم الثناء ومعلوم بغض الإمامية لأبي بكر وعمر وعثمان وعدم تحاشيهم من التصريح بتكفير معاوية علنا وتكفير البقية بشكل خفي أحياناً وتصريحاً أحياناً أخرى

هذا الدكتور اليوم يثقفنا بألوان النصب الخفي ( الإنحراف عن أهل البيت ) متشاغلاً به عن الرفض الجلي وهذا عجيب

والذي أحفظني استدلاله بروايات عن أحمد هو يضعف مثلها ثم أغفل آثاراً واضحة عن الإمام أحمد تتضمن نصباً خفياً بحسب مقاييسه

وحقيقة لا ينبغي لأمثال هذا الدكتور الحديث عن آثار السلف في الحكم على المخالفين فهم يرفضون آثارهم في الجهمية وأمثال بشر المريسي وكلامهم في أهل الرأي وغيرها من الأمور التي يعتقد هذا وأمثاله أنها غلو ويبحث في كلام المتأخرين عما يخالفها وينشره بين الناس ، فعلى أي أساس نعذر الجهمي والقبوري والرافضي وندعو للحفاظ على الإبقاء على الأخوة الإيمانية معهم ، ثم هو ينقب عن علامات النصب الخفي في أفراد الآثار ! ، الموقف من أهل البيت ومن بني أمية ينبغي أن يكون على أصول الدكتور موقفاً اجتهادياً شأنه شأن مسائل الأسماء والصفات والإيمان والقدر والصحابة وغيرها فليست كرامة أهل البيت بأظهر من كل هذه المسائل علماً أنه يتكلم عن نصب خفي فهو يتكلم عن أناس يعظمون أهل البيت ويحبونهم ولكنه يزعم أن فيهم نصباً خفياً ، ومعلوم أنه يقول بأن الأشاعرة من أهل السنة ومن أعيان الأشعرية أبو حامد الغزالي ومعلوم أن له موقفاً متسامحا من يزيد بن معاوية ، وكذلك ابن العربي المالكي في العواصم من القواصم له دفاعات شديدة عن يزيد فإن قلت فيهم عندهم نصب خفي فهل ستبدعهم وتخرجهم من أهل السنة وأنت من احتمل لهم زلات الأشعرية أفيصير الخلاف في بعض أوصاف أهل البيت وفضائلهم أظهر من الخلاف في أسماء الله وصفاته والإيمان والقدر والنبوات ومصادر التشريع ؟ وإن كان النصب الخفي لا يخرج من السنة فالمسألة اجتهادية إذن على مباني الدكتور

جاء في طبقات الحنابلة :” أَحْمَد بْن القاسم الطوسي حكى عَنْ إمامنا أشياء كان أَحْمَد بْن حنبل إذا نظر إلى نصراني غمض عينيه فقيل له فِي ذلك فقال: لا أقدر أنظر إلى من افترى عَلَى اللَّه وكذب عليه”

هذا الأثر عن أحمد كتب الدكتور المقال إليه مقالاً في تضعيفه عن أحمد وقال أن راويه عن أحمد رجل مجهول ليس له توثيق

غير أننا نجده في مقال النصب الخفي وكذلك في مقاله في أمر التلقب بالشريف يستدل بهذا الأثر من تاريخ بغداد قال الخطيب قرأت على أبي بكر الهاشمي عن محمد بن عبد الباقي: أن أبا محمد التميمي أخبره قال:
سمعت الأستاذ أبا القاسم علي بن محمد بن الكيس يقول: [سمعت] أبا بكر أحمد ابن جعفر بن مالك القطيعي في مسجده بعد عشاء المغرب بحضرة جدك أبي القاسم هبة الله بن سلامة المفسر يقول: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: كنت أصبو فأخذ أبي بيدي وعبر بي الجسر فمضى إلى جامع الرصافة، فلما انتهينا إلى جامع الرصافة رأينا حبابا فيها السويق والسكر والماء المبرد بالثلج، وخدما في أيديهم الطاسات يقولون للناس: اشربوا على حب معاوية بن أبي سفيان! قال: يا أبة من معاوية؟ فقال: هؤلاء قوم بغضوا رجلا لم يكن لهم إلى الطعن عليه سبيل فأحبوا أعداءه.
قال الشيخ: أحفظ هذه الحكاية عن ابن مالك فهذه حكاية عجيبة ظريفة من قول أحمد رضي الله عنه.

أقول : هذا الأثر لا يختلف عن أثر طبقات الحنابلة فقد رواه علي بن محمد بن الكيس وليس له في كل كتب الإسلام إلا هذه الرواية فقط فكيف يعتمد في مثل الخبر وغايته أنه وصف بالأستاذ وهذا يرفع جهالة العين لا الحال
قال ابن القيم في الفروسية :” وكذلك أصحاب أحمد إذا انفرد راو عنه برواية تكلموا فيها وقالوا تفرد بها فلان ولا يكادون يجعلونها رواية إلا على إغماض ولا يجعلونها معارضة لرواية الأكثرين عنه وهذا موجود في كتبهم يقولون انفرد بهذه الرواية أبو طالب أو فلان لم يروها غيره
فإذا جاءت الرواية عنه عن غير صالح وعبد الله وحنبل وأبي طالب والميموني والكوسج وابن هانئ والمروزي والأثرم وابن القاسم ومحمد بن مشيش ومثنى بن جامع وأحمد بن أصرم وبشر بن موسى وأمثالهم من أعيان أصحابه استغربوها جدا ولو كان الناقل لها إماما ثبتا
ولكنهم أعلى توقيا في نقل مذهبه وقبول رواية من روى عنه من الحفاظ الثقات ولا يتقيدون في ضبط مذهبه بناقل معين كما يفعل غيرهم من الطوائف
بل إذا صحت لهم عنه رواية حكوها عنه وإن عدوها شاذة إذا خالفت ما رواه أصحابه عودة إلى زيادة الثقة
فإذا كان هذا في نقل مذاهب العلماء مع أنه يجوز بل يقع منهم الفتوى بالقول ثم يفتون بغيره لتغير اجتهادهم وليس في رواية من انفرد عنهم بما رواه ما يوجب غلطه إذ قد يوجد عنهم اختلاف الجواب في كثير من المسائل فكيف بأئمة الحديث مع رسول الله الذي لا يتناقض ولا يختلف كلامه”

فما بالك برواية ينفرد بها إنسان ليس له في كل الكتب إلا هذه الرواية فقط !

قال الخلال في السنة 657 – أخبرني أحمد بن محمد بن مطر، وزكريا بن يحيى، أن أبا طالب حدثهم أنه سأل أبا عبد الله: أقول: معاوية خال المؤمنين؟ وابن عمر خال المؤمنين؟ قال: نعم، معاوية أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما، وابن عمر أخو حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما، قلت: أقول: معاوية خال المؤمنين؟ قال: نعم “
أخبرنا أبو بكر المروذي، قال: سمعت هارون بن عبد الله، يقول لأبي عبد الله: جاءني كتاب من الرقة أن قوما قالوا: لا نقول: معاوية خال المؤمنين، فغضب وقال: «ما اعتراضهم في هذا الموضع، يجفون حتى يتوبوا»
أخبرني محمد بن أبي هارون، ومحمد بن جعفر، أن أبا الحارث حدثهم قال: وجهنا رقعة إلى أبي عبد الله: ما تقول رحمك الله فيمن قال: لا أقول إن معاوية كاتب الوحي، ولا أقول إنه خال المؤمنين، فإنه أخذها بالسيف غصبا؟ قال أبو عبد الله: هذا قول سوء رديء، يجانبون هؤلاء القوم، ولا يجالسون، ونبين أمرهم للناس
وأخبرنا أبو بكر المروذي، قال: قلت لأبي عبد الله: أيهما أفضل: معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: «معاوية أفضل، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا» . قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني الذين بعثت فيهم.

هذه كلها آثار ثابتة عن أحمد كان ينبغي أن تذكر مع ذاك الأثر الذي انفرد به مجهول ليس له إلا هذه الرواية حتى يفهم الأمر على وجهه كاملاً
وأورد الدكتور أثراً عن الإمام أحمد : وقيل له: إن قوما يقولون: إنا نحب يزيد: فقال: وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقيل: فلماذا لا تلعنه؟ فقال: ومتى رأيت أباك يلعن أحدا.

وعلى منهج الدكتور في التدقيق بالآثار أسأله هل وجد سنداً لهذا الأثر ؟ نعم لقد أورد شيخ الإسلام هذا الأثر في بعض مصنفاته ولكن الدكتور لا يعتد بذكر العالم للأثر حتى ينظر في إسناده فأثر طبقات الحنابلة ذكره ابن مفلح وغيره وما اعتد هو بذلك ، نعم عن الإمام أحمد آثار عديدة في يزيد شديدة مع تورعه عن لعنه ولكن هذا اللفظ لم أجده _ وهو الأشد _ إلا في كتب شيخ الإسلام والسياق كله إلزام للدكتور بطريقته.