عذرا على كثرة حديثي في مسألة التسلسل وهذا آخر منشور إن شاء الله وسأتكلم في آخره على الجانب الشرعي في المسألة
كل من يثبت لله عز وجل الصفات الفعلية المتعلقة بالمشيئة ولا يقول بجواز تسلسل الحوادث المفعولات في القدم متناقض تناقضا فاحشا
سنجعل البحث على طريقة المعطيات والنتائج
المعطى الأول : الله عز وجل أول لا بداية له
المعطى الثاني : له أفعال اختيارية
النتيجة من المعطيين جواز أن تكون أفعاله الاختيارية لا بداية لها وهذه عقيدة السلف والمعطلة ينكرون أصل الأفعال الاختيارية
المعطى الذي يليه : الأفعال الاختيارية ممكن أن تنتج مفعولات مخلوقة وعلى هذا دل النص ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ( كن) فعل اختياري ( فيكون مفعول مخلوق )
النتيجة : أن التسلسل في المفعولات أهون من التسلسل في الأفعال لأن المفعولات تنتج عن الأفعال وتليها وتكون تابعة لها فمن جوز تسلسل الأصل عقلا واستشكل تسلسل التابع هذا متناقض وفِي عقله شيء
المعطى الذي يليه : التسلسل في المفعولات في المستقبل ( بمعنى أن المخلوقات لا نهاية لجنسها فأفعال أهل الجنة والنار باقية ) هذا التسلسل جائز عند الجميع ولا يلزم منه الطعن في حدوث أفراد المخلوقات ولا يطعن في افتقارها إلى خالق
النتيجة : وكذلك لا يلزم ذلك في تسلسلها في البداية
اذا ثبت جواز الأمر عقلا وأن من أنكره من المعطلة إنما كان إنكاره مبنيا على إنكار قضية ثبتت في النصوص بشكل قطعي ألا وهي قيام الأفعال الاختيارية في الله تبارك وتعالى لننظر في البحث من جهة النص
يقول جماعة أن الأمر وإن جاز عقلا إلا أن النص قاطع أن للمخلوقات بداية وأقوى ما عندهم الاستدلال بحديث عمران بن حصين كان الله ولا شيء معه وكان عرشه على الماء وحديث عبد الله بن عمرو في كتابة المقادير وكان العرش على الماء
ولننظر هل الأولية هنا مطلقة فتكون هذه الأخبار حجة في المسألة أم الأولية نسبية يعني بالنسبة لعالمنا المشاهد والمعروف عندنا في النصوص ولا ينفي ذلك وجود شيء قبله فلا تكون الأخبار. حجة في محل النزاع
المختار أن الأولية نسبية بدليل ذكر الماء مع العرش وقد صح عن ابن عباس عند الدارمي في الردعلى المريسي أنه سئل أين كان العرش قبل خلق الماء فقال على متن الريح فأثبت مخلوقا قبل الماء فدل على أن الأولية في الخبر نسبية وما جاز على الماء جاز على العرش لاقترانهما في الذكر في النصوص المحتج بها
وحديث عبد الله بن عمرو في كتابه المقادير من أشهر ما استدلوا به على تقدم العرش على القلم لأنه ينص على وجود العرش على الماء قبل الكتابة فدل على أن أثر ابن عباس أول ما خلق الله القلم يقصد به أولية نسبية أيضا أو حين خلق الله القلم
وحتى حديث كان في عماء احتج به ابن تيمية على مذهبه لأن هناك من فسر العماء بالسحاب الأبيض فدل على وجود مخلوقات قبل العرش وفِي تكون بمعنى على ونظير قوله تعالى ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم في ظلل من الغمام ) كما فسره السلف
اذا فهمنا هذا أمكننا اعتبار قوله تعالى ( وكان الله سميعا بَصِيرا ) وقول ابن عباس لم يزل كذلك حجة للقول المقابل القائل بتسلسل المخلوقات
وقد تأوله الطرف المانع للتسلسل بأن المقصود قادر على أن يسمع ويبصر الأشياء وإن لم توجد
وتأويل هذا النص بالقدرة من جنس تأويل المعتزلة للسمع والبصر بالعلم فيه نسبة إطناب لا معنى له للقرآن فَلَو كان هذا المراد لقال على كل شيء قديرا فيشمل ذلك السمع والبصر والاحياء والإماتة وكل شيء
وبعضهم قال أن هذا كقول العرب سكين قطوع بمعنى القدرة وإن لم يقطع ويا ليت شعري هل تقول العرب هذا مع عدم وجود شيء حقيقي موجود
يمكن قطعه ؟ حقيقة هذا المثال ضدهم لا معهم وقول ابن عباس لم يزل كذلك يدل على أن المقصود من الآية أمر قبل وجودنا وبعده وبعد وجودنا لا يقال الله فقط قادر على السمع والبصر مع عدم وجود المتعلق فبطل هذا التأويل