البركة الحقيقية: قصة عبد الله بن أبي طلحة وأبنائه التسعة

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة وأم سليم بالبركة فجاءههما ولد اسمه عبد الله

فلما أراد بعض الرواة أن يظهر عظيم حظ عبد الله ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قال : فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرؤوا القرآن، يعني من أولاد عبد الله المولود. رواه البخاري ولفظه : فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن واللفظ السابق على ما أفاد الشراح

وقفت كثيرا عند قوله ( كلهم قد قرأ القرآن )

لم يقل ( كلهم تجار ) أو ( كلهم أصحاء ) أو ( كلهم أغنياء ) أو أي شيء مما يتمادح به أهل الدنيا وإنما قال ( كلهم قد قرأ القرآن ) هذا هو مفهوم البركة عند الصدر الأول

والذي اذا فقدوه ظنوا بأنفسهم الخسران ولو كان عندهم كل ملذات الدنيا

وإذا حصلوه ما بالوا بِمَا فاتهم منها

واليوم لو سألت المنتسبين للإسلام واحدا واحدا ماذا تؤمل لولدك أن يكون اذا كبر لكان جواب الكثير منهم لا يخرج عن وظيفة مرموقة أو منصب سياسي أو شهرة

وذلك أن كثيرا منا مع كونه مسلما بالاسم ويؤمن بالآخرة إلا أن البعد الأخروي ليس غائبا عن معاملاته فحسب بل هو غائب عن أمانيه وعن نظرته للصواب والخطأ بل كثير منهم حتى دعاؤه لله غالبه في أمر الدنيا ولا أعيب أن نسأل الله شيئا من أمر الدنيا وإنما أعيب الغفلة عّن الآخرة

ثم صار من أثر ذلك أننا اذا رأينا شخصا على خير وتقوى ودين وعناية بكتاب الله وآخر على غنى ودنيا مع فسق فضلا عن كفر نظرنا للثاني بغبطة بل حسد وأما الأول فأحسننا حالا من يذهب إليه وينصحه أن يزيد عنايته بالدنيا ويصغر ما هو عليه في نفسه تصغيرا عظيما وأسوأنا حالنا من يسخر منه وينتقصه ويتتبع زلاته ليتهمه بالنفاق أو الجنون

هذا الحال إلا ما رحم ربي

وَمِمَّا ورد في واهي الأخبار غير أنه ينطبق على الواقع ما روي عند الطبراني من حديث أبي موسى : لا تقوم الساعة حتى يكون القرآن عارًا..

إي والله يصير القرآن عارا ومحنة ويخشى حامله من سخرية المنافقين تارة ومن تحريضهم عليه أخرى

وإذا ما جهر ببعض أحكامه أو دافع عنها فإنه يتعرض لأمر شديد تحت ستار حرب التشدد وتختلف شدته من بلد إلى بلد

وقد بلغ من استصغار القرآن في النفوس أن يكون الصوت الحسن له شفيعا والا هجر وأما تعلمه فذلك لا يعنى به اذ لا طرب فيه

وصار أهل القرآن في عقول الكثيرين ، من يحسنون التغني به دون أهل الفقه بمعانيه

ويسمع البعض منا قوله تعالى : ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) من بعض القرّاء وربما يأخذه لذلك طرب شديد اذا كان القاريء ممن يطربون ويقرأون بالمقامات ولا يعلم أن هذه الآخرة من أعظم حجج الله علينا اذ نعظم هؤلاء الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ونزري على أهل اليقظة والعناية بأمر الآخرة ومرضاة الله

ولا ينبغي أن تكون دنيوي النزعة غافلا عن حق الله وعن لقائه هذه الغفلة المستحكمة ثم بعد ذلك تسأل أين نصر الله ؟ وتقيس نفسك على المهاجرين والأنصار وتظن أنك اذا فضلك الدنيويون أمثالك في الشرق أو الغرب في بعض أحوالهم فإنهم ينبغي أن يكونوا فاضلين على المهاجرين والأنصار