الانحلال الأخلاقي عند الطرقيين !

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الله تعالى : ( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم )

وقال الله تعالى : (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ
مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ
مَعَ الخائضين (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ
)

دلت هذه النصوص على أن الانحراف العقدي يورث انحرافاً أخلاقياً .

 والطرقيون في هذه الأزمنة قد جمعوا
ألواناً من الانحراف من قبورية وجهمية وربما وحدة وجود أو حلول أو اتحاد ، وقد أحببت
أن أطلع إخواني المسلمين على صور من الانحراف الأخلاقي عند هؤلاء القوم اجتمعت عندي
من قراءات متفرقة

قال عبد الله القصيمي في رسالته كيف ذل المسلمون المطبوعة ضمن رسائله قبل
الإلحاد ص835 :” وأما إضرار الخرافات بالأخلاق والشرف فأمره أقبح وأوضح ، فقد
استطاع شيوخ الطرق ، والمشعوذون وغيرهم من الدجالين أن يقنعوا المخدوعين بهم ، المؤمنين
بفضلهم وصلاحهم ، وقدرتهم على نفعهم وضرهم ، بأن من الحق لهم أن يتصلوا ببيوتهم ، وأن
يخلوا بمن فيها النساء والأهل ، وأن يأتوها ويدخلوها متى شاءوا وكيف شاءوا ، بل وأن
يطلعوا على الأسرار والعورات والأشياء التي لا يجوز لأحد الاطلاع عليها .

فشيخ الطريق ينزل في بيت مريده ، ويفعل في كل شيء فيه ، ويتحكم في أهله
وأصحابه ، ويخلو ليلاً ونهاراً وكل وقت بنسائه وعذاراه ، ويتصل بما شاء الاتصال به
بلا ممانعة ولا تحرج أو تأثم ، وتصبح النساء من صغار وكبار في خدمته وتحت امرته ، وطوع
إرادته ، ثم لا يسئل عما يفعل ، ولا ينكر عليه ما يأتي ، ولا يذاد عما أحب الوقوع عليه
وفيه ، وقد يكون معه دراويشه المختلفون ، وأبناؤه الشبان ، وغيرهم من الأتباع والأنصار
والحشم ، فيهيم هؤلاء كلهم في منزل المريد المسكين ، حين حضوره وحين غيابه ، ثم لا
يعلم شيئاً مما يجري هناك ولو أنه علم شيئاً لكان مطالباً بألا يظن إلا حسناً ، ومطالباً
بأن يحمل كل شيء أفضل المحامل وأعفها وأطيبها وأبرها ، وأنأها عن الشبه والريب والآثام
، بل لو رأى شيئاً من ذلك ببصره لكان الواجب عليه تكذيب بصره واتهامه لا اتهام الشيخ
أو أحد من أتباعه وأنصاره وأبنائه

وقد مهد شيوخ الطريق الآثمون لهذه الآفات التي ينزلونها ويدخلونها في بيوت
المريدين والمغفلين بالآداب والحقوق التي وصفوها للشيخ على مريديه ، فإن من هذه الآداب
التي زوروها في كبتهم المطبوعة المسماة ب ( العهود الوثيقة ) بأن على المريدين أن يعتقدوا
بأن أفعال الشيخ كلها طاعات ومصالح وحكم ، وأنها كلها صواب وهدى ودين ، وأن ما يرى
منها في صور المعاصي والآثام هو في الحقيقة والواقع لم يخرج عن أن يكون طاعات وأعمال
بر ، يدق فهمهما وإدراكها على أذهان الناس جميعاً ، فيجب عليهم التسليم إذاً والاعتراف
بالعجز والضعف .

وقد جاء في هذه الكتب العجيبة أن على المريد ، أن يطيع شيخه في المعصية
الصريحة ، وقد جاء في بعضها أن على المريد أن يطيع شيخه في المعصية الصريحة ، وأن عليه
ألا يظن فيه السوء والريب أبداً ولو وجده يضاجع زوجته !!

وقد جاء بعض هؤلاء الضلال الماكرين بحيلة لا نظير لها في الخبث والدهاء
والفسوق ، وذلك أنهم قالوا للمريدين وأفهموهم أن للشيخ من غرائب الأفعال وعجائب الأعمال
ما يقف إزاءه كل عقل ودين وشرف مبهوتاً عاجزاً حائراً …من هذه الأفعال العجيبة الغريبة
الخارقة أن الشيخ قد يوصل إلى مريديه العلوم والمعارف والحكم والمعارف (( بالحقن
)) ، ثم هذه (( الحقن )) قد يكون بآلة فسقه وفجوره أي بأعضاء الذكورة !! فإذا رؤي الشيخ
يفجر بمريديه ونسائهم وجب عليهم أن يعتقدوا أنه لا يفجر ولا يفسق ولكنه يحقنهم بالعلوم
والمعارف “

أقول : وربما بعد هذا أن يعريهم ويحقنهم بالمعرفة يلبسهم خرقة العار ويعطيهم
الإسناد بها ، وقد يكون مسلسلاً بالحقن !

والقصيمي ألحد وأدبر غير أن كلامه هذا واقعي مشهود وفي طبقات الشعراني
الكبرى ما يعضد ما قال ، وكذلك طبقات الصوفية للمناوي ففيها مصائب قريبة من المصائب
التي ذكرها الشعراني

وقد يكون بعض الصوفية سلم من هذه المصائب أو بعضها غير أن هذا الأمر حاضرٌ
في واقعهم بقوة

وهذا محمد الأمين بو خبزة التطواني الذي تزوج أخت الغماريين شيوخ الطريقة
الشاذلية الدرقاوية والذين عرفوا بعنايتهم بعلم الحديث ، يصف أخلاق شيخ الطريقة ( وهو
الخبير ) في أبيات له ذكرها في كتابه صحيفة سوابق وجريدة بوائق

فيقول : و هذه أخلاق الصوفية ، و تربية الزاوية ، قطع الله دابرها (وَكْرُ
الفُجور ، و نَبْعُ زُور) كما قلت في قصيدة من الشعر الحُر نشرت قديما في جريدة (النور)
بتطوان ،و إليك نصها :

في البيت أربع نسوة

و الخادمات ..

و الزائرات ..

يا هل ترى يسلمن من فحشائه ؟

شيخ الطريقة عندنا ،

لص بشوش ..

و المسبحة

شباك صيد

رؤيا المنام سبيله

نحو الجيوب

سمسار

أدنى و أهون ما يبيع إذا انتشى

جنات عدن

و الزاوية

وكر الفجور ، و نبع زور

مأوى المخانيث

الشاطحين على المكا

و التصدية

لا يعرفون سوى الغناء

و الخمر تحسى و الحشيش

قرآنهم للبيع

و لـ (فدية) يتلى على القبور

هم يكتبون … و يشعرون

كذب و تضليل و زور

هم يكتبون ..

شيخ الطريقة علة شقيت بها الأديان

و كذلك الأوطان

رمد بعين الدين

سرطان في كبد اليقين

لا ينهض الإسلام

من كبوته

و بجسمه هذا المخدر

من غفوته

هذا الوباء المنتزي

(شيخ الطريقة)”

أقول : ومحمد الأمين بو خبزة يبالغ في مخالفة الصوفية حتى أنكر رؤية الله في المنام في رسالة مفردة ولا يرتضى هذا منه ومع جزمه أن أحمد الغماري يقول بالوحدة ينافح عن سيد قطب في ذلك والأمر مستوي في الرجلين لو تأملنا

وما دمنا في المغرب فلنذكر ما ذكره الشيخ محمد تقي الدين الهلالي في كتابه
( الهدية الهادية للطائفة التجانية ) وقد كان تيجانياً ثم تاب الله عليه وهداه للإسلام
والسنة

قال الهلالي في الهدية الهادية ص14 :” وبعد أن صلينا المغرب
جاء أصحابه أذكر منهم الشيخ عبد السلام الصرغيني والشيخ المهدي العلوي وهو لا يزال
في قيد الحياة أما الأول فقد مات فأخذ بعضهم يلعب الشطرنج وهو يراهم ولا ينكر عليهم
فقلت في نفسي هذا دليل على أنه من العلماء الذين لا يعملون بعلمهم فهو جدير أن ينكر
على أولياء الله ما خصهم الله به من كرامة ثم تركوا الشطرنج وأخذوا ينتقدون الطريقة
الكتانية ويستهزئون بها ويسخرون من أهلها وكل منهم يحكي حكاية فقال الشيخ عندي حكاية
هي أعجب وأغرب مما عندكم جاءني شاب كان متمسكا بالطريقة الكتانية تمسكا عظيما فقال
لي أريد أن أتوب على يدك من الطرائق كلها وتعلمني التمسك بالكتاب والسنة فقلت وما دعاك
إلى الخروج من طريقتك التي كنت مغتبطا بها فقال لي أنه أمس شرب الخمر وزني وترك صلاة
العصر و المغرب والعشاء فمر بالزاوية الكتانية وسمع المريدين يرقصون ويصيحون بأصوات
عالية والمنشد ينشدهم وكانت بقية سُكر لا تزال مسيطرة عليه فهَمَّ أن يدخل الزاوية
ويرقص معهم ولكنه أحجم عن ذلك لأنه جُنب ولم يصلِّ شيئا من الصلوات في ذلك النهار إلا
أن سُكره غلب على عقله فدخل الزاوية ووجد الشيخ محمد بن عبد الكبير في صدر الحلقة والمريدون
يرقصون فاشتغل معهم في الرقص وكان أنشطهم فلما فرغوا من رقصهم دعاه الشيخ وقبله في
فمه وقال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قبلك فاقتديت به قال ولما دعاني خِفت خوفا
شديدا وظننت أنه قد انكشف له حالي وهو يريد أن يوبخني على ذنوبي فلما قال لي ذلك أيقنت
أنه كاذب في كل ما يدعيه ويدعوا إليه وإلاَّ كيف يرضى عنِّي النبي صلى الله عليه وسلم
ويُقبِّلني في فمي مع تلك الكبائر التي ارتكبتها في ذلك اليوم قال فهذا سبب مجيئي إليك
لأتوب إلى الله من الطرائق كلها وأتَّبع طريقة الكتاب والسنة”

وقد ذكر ابن الجوزي كلاماً نفيساً في فتنة هؤلاء القوم بالمردان في تلبيس
إبليس ليراجع طالب العلم هناك

وقد أرسل هذا السؤال لشيخ الإسلام ابن تيمية

وهذا نص السؤال :” في جمَاعة منَ النِّسَاء قد تظاهرنَ بسلوك طريق
الفُقَرَاء ، و صار منْهُنَّ شيخات يجتمع عنْدهُنَّ الفُقَرَاء : الرِّجَال و النِّسَاء
، و يقمنَ السمَاع ، و يحضر سمَاعهُنَّ الرِّجَال و النِّسَاء ، و يرفعنَ أصواتهُنَّ
و يقطعنَ ثيابهُنَّ ، و يظهرنَ التَّوَلُّه بَينَ النَّاس ، و يزورهُنَّ الرِّجَال
و النِّسَاء ، و منْ سائر البلاد ، فهل هُنَّ آثمَاتٌ بذلك و مخطِئَاتٌ ، أم لا ؟

و مَا يجب عليهِنَّ و على مَنْ يحضُر سمَاعهُنَّ ؟

و منَ النَّاس مَنْ يعتقد زيارتهُنَّ و الحضُورَ مَعهُنَّ قربةً إلى الله
تعالى ، فهل يأثم بذلك ؟ و مَاذا يجب عليه ؟ .

و هل كانَت هذه طريقة أحد منَ السَّلف الصالحينَ ، أمَ لا ؟.

و هل يجِبُ على وليِّ الأمر ردعُهُنَّ و رَدْعُ مَنْ يسعى إليهِنَّ أم
لا ؟

فأجاب الشيخ : الحمدُ لله ؛

كُلُّ مَنْ خرج عنْ مُوجب الكتاب و السُّنَّةِ منَ الرِّجَال و النِّسَاء
و المَشايخ و غيرهم ، فإنه ينْهى عنْ ذلك و يؤمَر بمتابعةِ الكتَاب و السُّنَّةِ ،
و لو كانَ مِنْ حالِهِ مَا كانَ ، فإنَّ الأحوالَ منْها مَا هو شَيطانِيٌّ ، كمَا قال
الله تعالى {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ
عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ(222)}[ الشعراء ] ، و هذه أحوال أهل الكذب و الفُجُور
الَّذينَ تختلط رجالهُم و نساؤهم في الرَّقْص و الغِنَاءِ و الشَّخير و النَّخِير و
التَّوَلُّه و فَتْلِ الشُّعُور و كشفِ الرُّؤوس و الصِّيَاح و المنْكرِ و الرُّغاء
و الإِزبادِ و إظهار الإشارات ؛ كالمسك و المَاورد و اللاذن و الجبَّة و النَّار ،
فهؤلاء منْ شرارِ الخلق و أبعدهم عنْ طاعة الله و رسوله ، و ليس فيهم ولي لله و لا
كرامَة منْ كرامَات أولياء الله ، بل هم بينَ حال شيطانِيٍّ و محُاَلٍ بهتَانِيٍّ

أقول : فهؤلاء الطرقيات يقمن بعرض ( تعري ) باللغة العصرية بحجة الوله
والوجد !

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في تيسير العزيز
الحميد ص281 واصفاً أحوال أصحاب الموالد :” ومنها: اجتماعهم لزيارتها واختلاط
النساء بالرجال، وما يقع في ضمن ذلك من الفواحش وترك الصلوات، ويزعمون أن صاحب التربة
تَحَمَّلَهَا عنهم، بل اشتهر أن البغايا يسقطن أجرتهن على البغاء في أيام زيارة المشايخ،
كالبدوي وغيره تقربًا إلى الله بذلك، فهل بعد هذا في الكفر غاية؟”

ويقول رشيد رضا في المنار (2/74-76):” فالموالد أسواق الفسوق فيها
خيام للعواهر وخانات للخمور ومراقص يجتمع فيها الرجال لمشاهدة الراقصات المتهتكات الكاسيات
العاريات ومواضع أخرى لضروب من الفحش في القول والفعل يقصد بها إضحاك الناس ….(إلى
أن قال ): فلينظر الناظرون إلى أين وصل المسلمون ببركة التصوف واعتقاد أهله بغير فهم
ولا مراعاة شرع اتخذوا الشيوخ أنداداً وصار يقصد بزيارة القبور والأضرحة قضاء الحوائج
وشفاء المرضى وسعة الرزق بعد أن كانت للعبرة وتذكرة القدوة وصارت الحكايات الملفقة
ناسخة فعلا لما ورد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على الخير ونتيجة
لذلك كله ؛ أن المسلمين رغبوا عما شرع الله إلى ما توهموا أنه يرضي غيره ممن اتخذوهم
أنداداً وصاروا كالإباحيين في الغالب فلاعجب إذا عم فيهم الجهل واستحوذ عليهم الضعف
وحرموا ماوعد الله المؤمنين من النصر لأنهم انسلخوا من مجموع ما وصف الله به المؤمنين
ولم يكن في القرن الأول شيئ من هذه التقاليد والأعمال التي نحن عليها بل ولا في الثاني
ولايشهد لهذه البدع كتاب ولاسنة وإنما سرت إلينا بالتقليد أو العدوى من الامم الأخرى
، إذ رأى قومنا عندهم أمثال هذه الاحتفالات فظنوا أنهم إذا عملوا مثلها يكون لدينهم
عظمة وشأن في نفوس تلك الأمم فهذا النوع من اتخاذ الأنداد كان من أهم أسباب تأخر المسلمين
وسقوطهم فيما سقطوا فيه “.أ.هـ

أقول : محمد رشيد رضا ليس مرضياً عند أهل السنة لأنه عقلاني ينكر الأحاديث
الصحيحة ، وله طعن خبيث في عدد من الصحابة ومن ذلك ما في تعليقاته في مجموعة الرسائل
والمسائل النجدية من الطعن في معاوية بن أبي سفيان _ رضي الله عنهما _ وهذه التعليقات
يجب أن تحذف وهي أولى من حذف فصل في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد !

غير أنني أوردت كلامه في التدليل على تواتر أحوال القوم وفجورهم

وقال عبد الرحمن الوكيل في كتابه مفتريات وضلالات ص29 :” نحارب هذه الموالد العفنة التي يستباح فيها الاثم باسم الدين ويتراقص فيها الشيطان باسم ذكر الله طبول ودفوف ونساء على مدارج الطريق ومراقص وردغات خمر وميسر ” 

وترجم الذهبي لأحد مشايخ الصوفية في سير أعلام النبلاء واسمه عَلِيُّ بنُ
أَبِي الحَسَنِ بنِ مَنْصُوْرٍ ابْنُ الحَرِيْرِيِّ الحَوْرَانِيُّ

فمما ذكر في ترجمته في (23/ 225) قوله:” أَمردُ يُقدِّمُ مدَاسِي
أَخْيَرُ مِنْ رِضْوَانِكُم، وَربع قَحبَةٍ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الولدَان، أَودُّ
أَشتهِي قَبْلَ مَوْتِي أَعشق وَلَوْ صُوْرَة حَجر، أَنَا مُتَّكِل مُحَيّر وَالعشق
بِي مَشْغُوْل!!”

ونقل الذهبي قول عَلِيُّ بنُ أَنْجَبَ فِي (تَارِيْخِهِ ) : الفَقِيْرُ
الحَرِيْرِيُّ شَيْخٌ عَجِيْبٌ، كَانَ يُعَاشِرُ الأَحدَاثَ، كَانَ يُقَالُ عَنْهُ:
إِنَّهُ مبَاحِيٌّ وَلَمْ تَكن لَهُ مُرَاقبَة، كَانَ يُخرِّب، وَالفُقَهَاءُ يُنكِرُوْنَ
فِعلَهُ، وَكَانَ لَهُ قَبُولٌ عَظِيْمٌ.

ثم قال الذهبي :” وَمِمَّنِ انْتَصر لَهُ وَخضع لِكشفه الإِمَامُ
أَبُو شَامَةَ ، فَقَالَ: كَانَ عِنْدَهُ مِنَ القِيَام بوَاجِب الشرِيعَة مَا لَمْ
يَعرفه أَحَد مِنَ الْمُتَشَرِّعِينَ ظَاهِراً وَبَاطِناً، وَأَكْثَرُ النَّاس يَغلطُوْنَ
فِيْهِ، كَانَ مُكَاشَفاً لمَا فِي الصُّدُوْرِ بِحَيْثُ قَدْ أَطلعه الله عَلَى سرَائِر
أَوليَائِهِ.”

أقول : فانظر إلى هذه المصيبة وكيف أن رجلاً مثل أبي شامة صاحب الباعث
على إنكار البدع والحوادث يعتقد في هذا الفاجر بل ويزعم أنه يعلم الغيب ، وهذا يؤكد
ما نقل القصيمي سابقاً

وأبو شامة مع كونه صنف الباعث على إنكار البدع والحوادث إلا أنه كان أشعرياً
.

وحتى الشاطبي كان يؤصل لترك الاعتراض على الشيوخ بحق أو بباطل مع أنه حارب
البدع حرباً عظيمة في كتابه الاعتصام

فقال الشاطبي في الموافقات 5/399-400-تحت مسألة ترك الاعتراض على الكبراء
محمود كان المعترض فيه مما يفهم أو لا يفهم-:(ما عهد بالتجربة من الاعتراض على الكبراء
قاضٍ بامتناع الفائدة مبعد بين الشيخ والتلميذ ، ولا سيما عند الصوفية ، فإنه عندهم
الداء الأكبر حتى زعم القشيري عنهم أن التوبة منه لا تقبل ، والزلة لا تقال ، ومن ذلك
: حكاية الشاب الخديم لأني يزيد البسطامي ، إذ كان صائماً فقال له أبو تراب النخشبي
وشقيق البلخي : كل معنا يا فتى ، فقال : أنا صائم ، فقال أبو تراب : كل ولك أجر شهر
، فأبى ،فقال شقيق : كل ولك أجر صوم سنة ، فأبى، فقال أبو يزيد : دعوا من سقط من عين
الله ، فأخذ ذلك الشاب في السرقة وقطعت يده)”

فتأمل قوله (كان المعترض فيه مما يفهم أو لا يفهم) فيجعلون الفضلاء كلهم
كالخضر والناس معهم كنبي الله موسى ، وانظر إلى هذه القصة وما فيها من البطلان وكيف
أنهم يقولون له ( ولك أجر صوم سنة ) ، ( ولك أجر صوم شهر ) هكذا يأجرونه دون أدلة

وتأمل كيف أن رجلا كالشاطبي يورد هذه القصة الباطلة مقراً لها مع أنها
منكرة حتى تاريخياً .

 واحمد الله على نعمة السنة واعرف
شؤم مخالطة أهل البدع والشطح والنظر في كتبهم على وجه الإقرار والانتفاع

ومن ذلك أيضاً ما ذكره الجبرتي في تاريخه في شأن مشهد عبد الوهاب العفيفي
وما يحصل عنده من أنواع الفسوق والفجور حيث قال ما لفظه:

 ثم إنهم ابتدعوا له موسما   عيدا  في كل سنة يدعون إليه الناس من البلاد فينصبون خياما
  كثيرة
ومطابخ وقهاوي ويجتمع العالم الأكبر من أخلاط الناس وخواصهم وعوامهم وفلاحي الأرياف
وأرباب الملاهي والبغايا فيملئون الصحراء فيطئون القبور ويوقدون عليها النيران ويصبون
عليها القاذورات ويبولون ويتغوطون ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول
والزمور ليلا   ونهارا   ويستمر ذلك نحو عشرة أيام أو أكثر ” !! انتهى
كلامه 

وقال محمد تقي الدين الهلالي في سبيل الرشاد (1/542) :” ويحسن هنا أن أذكر حكاية عجيبة ذكرها الشعراني في الطبقات الكبرى وهي أن الاحتفال بموسم أحمد البدوي المدفون في طنطا يختلط فيه الرجال والنساء ويقع بينهم الزنا فتصدى أحد العلماء للإنكار عليهم ” ثم ذكر تتمة في أن هذا العالم عوقب بعظم غص فيه في طعامه !  

ثم قال الهلالي :” ولا تظن أيها القاريء أن وقوع الزنا عند قبر البدوي خبر مبالغ فيه أو كذب فقد أخبرني أخو الشيخ حسن عبد الرحمن من كبار العلماء المعاصرين لمحمد عبده ومن خيار السلفيين أخبرني أن (….) زنى بامرأة عند قبر البدوي فلما زرناه قال : أخبر محمد تقي بما فعلته عند قبر البدوي ليزداد يقيناً ”  

وقال الفاكهاني المتوفى قبل سبعة قرون في كتابه المورد في عمل المولد :” لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل من الدفوف والشبابات، واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الغانيات، إما مختلطات بهم أو مشرفات، والرقص بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف.
وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاد، والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد، غافلات عن قوله تعالى: {إن ربك لبالمرصاد}.
وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان. وإنما يحل ذلك بنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب. وأزيدك أنهم يرونه من العبادات، لا من الأمور المنكرات المحرمات” 

وقال محمد بن يوسف المالكي التونسي وهو قبوري في كتابه الأجوبة الكافية معترفاً  ص156 :” وعلى الله أتوكل أن الحق أحق أن يقال ويتبع يجب على كل فرد فرد من أفراد المسلمين أن يتنبه لمعالم دينه ويشد المآزر في اقتفاء سلفه الصالح ويعض على ذلك بالنواجذ ويتبرأ مما أحدث في العصور الأخيرة مما لم يشهد الشرع الشريف باستحسانه ولا طلبه، بل ربما نص المتقدمون على منعه، بل ربما أجمعوا على عدم تعاطيه وتناوله وتساهل فيه بعض المتأخرين جهلا منهم بالحكم الشرعي في ذلك أو رقة ديانة إرضاء للعامة ولنذكر نبذة من الأمور المحظورة سواء كانت متعلقة بالزيارة أم لا منها إيقاد المصابيح نهارا في أضرحة الأولياء أو في المساجد في المواسم كما يقع عندنا بتونس وفي المسجد الأموي بدمشق الشام، أو في مقامات الأولياء ليلا، ولا ساكن بها ينتفع به ومنع ما تقدم لا خلاف فيه لكونه إسرافا محضا، ومنها اجتماع الرجال والنساء في المساجد مختلطين أو في المقابر في المواسم أو في مقامات الأولياء والنساء على غاية من الزينة والطيب وتبرج الجاهلية الأولى”

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم