كان للخليفة العباسي القائم بأمر الله مستشار تركي اسمه أرسلان مشهور بالبساسيري ثم صح عند الخليفة سوء عقيدته ولكن ذلك بعدما صار له تمكن وقوة وحصل بعد ذلك فتن وأمور كادت أن تودي بالخلافة حتى أمكن الله من البساسيري وهزمه جيش أرطغرلبك التركي – أول ملوك السلاجقة -وقتل بعدما فر من المعركة
والذي يهمني الآن حال الخليفة بعد تلك المحنة التي كادت أن تودي بملكه
قال ابن كثير في البداية والنهاية :” وَأُمَّا الْخَلِيفَةُ فَإِنَّهُ لَمَّا عَادَ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ جَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنَامَ عَلَى وِطَاءٍ، وَلَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ بِطَعَامِهِ إِذَا كَانَ صَائِمًا، وَلَا يَخْدِمُهُ فِي وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ، بَلْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ،، وَعَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا مِمَّنْ آذَاهُ، وَأَنْ يَصْفَحَ عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَكَانَ يَقُولُ: مَا عَاقَبْتُ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيكَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ”
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء :” وَكَانَ القَائِمُ فِيْهِ خَيْرٌ وَاهتمَام بِالرَّعيَة، وَقضَاءٌ لِلْحَوَائِجِ.
وَقِيْلَ: أَنَّهُ لمَا بَقِيَ مُعتقلاً عِنْد العَرَبِ كتبَ قِصَّةً، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى بَيْتِ اللهِ مستَعْدِياً مِمَّن ظَلَمَهُ وَهِيَ: إِلَى اللهِ العَظِيْمِ مِنَ المِسْكِيْنِ عَبده: اللَّهُمَّ إِنَّك العَالِمُ بِالسَّرَائِر، المطَّلِعُ عَلَى الضَّمَائِر.
اللَّهُمَّ إِنَّك غَنِيٌ بِعِلْمِكَ وَاطِّلاعِكَ عليَّ عَنْ إِعلاَمِي، هَذَا عبدُكَ قَدْ كَفَر نِعَمَكَ وَمَا شَكَرهَا، أَطْغَاهُ حِلْمُكَ حَتَّى تعدَّى عَلَيْنَا بَغْياً.
اللَّهَّم قَلَّ النَّاصِر وَاعتزَّ الظَالِمُ، وَأَنْتَ المطَّلِعُ الحَاكِم، بِكَ نعتز عَلَيْهِ، وَإِليك نهرُب مَنْ يَدَيْهِ، فَقَدْ حَاكَمْنَاهُ إِلَيْكَ، وَتوكلْنَا فِي إِنصَافِنَا مِنْهُ عَلَيْكَ، وَرفَعْنَا ظُلاَمَتَنَا إِلَى حَرَمك، وَوثِقْنَا فِي كَشْفهَا بكَرَمِك.
فَاحكمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الحَاكمِين”
فتأمل حال هذا الملك ابن الملوك كيف التجأ إلى الله عز وجل كل هذا الالتجاء وجعل على نفسه أن يعيش حال التواضع بعدما عاين من أسباب الهلاك ما عاين وكثير منا كذلك منها تسكره الدنيا وتوقظه المحن على أن الرجل ما سلم تماماً من تبعة تقريبه لذاك الرافضي فإن من أعانوه على إهلاكه طلبوا ابنته للزواج وكان كارهاً لذلك وأجاب مرغماً
قال الذهبي في السير :” وَلَمَّا تَمَهَّدَتِ البِلاَدُ لِطُغْرلْبَك خَطَبَ بِنْت الخَلِيْفَة القَائِم، فَتَأَلَّمَ القَائِمُ، وَاسْتعفَى فَلَمْ يُعْفَ، فَزَوَّجَهُ بِهَا ، ثُمَّ قَدِمَ طُغْرُلْبَك بَغْدَاد لِلعُرس.
وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ عَظِيْمَة عَلَى القَائِم فِي إِعَادَةِ الخِلاَفَة إِلَيْهِ، وَقَطعِ خُطبَة المِصْرِيّين الَّتِي أَقَامَهَا البَسَاسيرِي .
ثُمَّ نَفَّذَ طُغْرُلْبَك مائَة أَلْف دِيْنَار برسم نَقل الجهَاز، فَعُمِلَ العرسُ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ، وَأُجْلِسَتْ عَلَى سرِيرٍ مُذَهَّب، وَدَخَلَ السُّلْطَانُ إِلَى بَيْنَ يَديهَا، فَقبَّل الأَرْضَ، وَلَمْ يَكشف المِنْدِيل عَنْ وَجههَا، وَقَدَّمَ تُحَفاً سنِيَّة، وَخدم وَانْصَرَفَ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهَا عِقْدَيْن مَجوْهَرِيْنَ، وَقطعَة يَاقُوْت عَظِيْمَة، ثُمَّ دَخَلَ مِنَ الغَدِ، فَقبَّلَ الأَرْضَ، وَجَلَسَ عَلَى سرِيرٍ إِلَى جَانبهَا سَاعَةً، وَخَرَجَ، وَبَعَثَ لَهَا فَرجيَّة نسيجٍ مُكَلَّلَة بِالجَوْهَر وَمُخْنِقَة أَي قلاَدَة مُثَمّنَة، وَسُرَّ بِهَا .
هَذَا وَالخَلِيْفَةُ فِي أَلَمٍ وَحُزنٍ وَكَظْمٍ”
فتأمل كيف أن رجلاً كان يملك مملكة عظيمة جداً وقع له ما لا يقع لآحاد العامة اليوم من القهر لتعلم أن الأمر بيد الله وأن ليس كل ما نراه من أسباب السعادة والقوة يكون كذلك ويبدو طغرلبك مع كونه حنفياً كان جاهلاً بمذهبه فهذا الزواج لا يصح في مذهبه بحال لعدم وجود الكفاءة ولم يرزق ولدا منها ولا من غيرها لذا انتقل الملك إلى ابن أخيه ألب أرسلان