إذا صادفني حكم اختلف فيه الناس هل هو مباح أم حرام ولم أجد دليلاً مرجحاً يثبت حرمته ولم أجد أيضاً ما يثبت إباحته أو يرجحه
فماذا أفعل ؟
هل الاحتياط في ترك هذا الشيء هو المتعين لأن المباح لا إثم في تركه والمحرم في الوقوع فيه الاثم ؟
الجواب : نعم هو المتعين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ)
فحض النبي صلى الله عليه وسلم على اتقاء ( المشتبهات ) يعني الابتعاد عنها وهي ليست حراماً واضحاً وإنما شيء لم نجد ما يرجح حليته أو حرمته
ومما يؤكد هذا المعنى ما روى البخاري ومسلم عن عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي فَأَجِدُ مَعَهُ عَلَى الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ لَمْ أُسَمِّ عَلَيْهِ وَلَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ قَالَ لَا تَأْكُلْ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ.
فهنا هذا الرجل لم يدر أي الكلبين صاد ،الكلب الذي سمى عليه أو الكلب الذي لم يسم عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالورع والاحتياط والترك وذلك أنه لا مرجح ولو ترك المأكول فسيكون ترك مباحاً في أسوأ الاحتمالات ولا يضره ذلك ولو أكله فسيكون أكل محرماً وهذا يضر
وحديث ما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما مشروط بقوله ( ما لم يكن اثما ) يعني حراما ومثل الحرام ما دخلت عليه شبهة الحرام فصار مشتبهاً ولم نجد ما يزيل هذه الشبهة
فما بالك إذا كان هذا الأمر المختلف فيه يوجد أدلة كثيرة على المنع أو جماهير العلماء على المنع أو نقلت إجماعات قديمة على المنع منه ، والخلاف فيها إنما هو خلاف شاذ مستحدث ، وما بالك إذا كان ذريعة لشر أعظم والمشتبهات بوابات المحرمات لهذا أهل الفتن يكثرون الكلام فيها وما يريدونها إنما يريدون المحرمات الصريحة وإنما يتدرجون
والشريعة أصلاً مبنية على الرحمة وباب المباحات فيها أوسع من المحرمات بكثير ولكن هؤلاء يأتون إلى بعض المحرمات أو المشتبهات ويوهمون الناس أن الدنيا متوقفة عليها وأنه لا سعادة ولا هناء ولا راحة إلا بفعل هذه الأمور ، وكل من عرف هذه الأمور التي يدعون إليها كالمعازف مثلاً علم أن لذتها وقتية فقط وأثرها السيء على القلب يطول بل إن في كثير منها من تجدد الأحزان والحسرات والآلام ما يعرفه أربابها ، فكثير منها بمنزلة الدخان الذي يراه كثير من العوام مسكناً لآلام النفس وهو على عكس ذلك في واقعه