الإيمان يعطي قيمة للحياة

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

لو سألتني عن الفكرة المشتركة بين عموم المنتحرين فسأقول لك: شعورهم بعدم قيمة حياتهم.

وهذا الشعور يأتي من تعليق الحياة على هدف معين متعلق بمجد، أو شهوة تجاه الجنس الآخر، أو مال، أو أي شيء.

فإذا فقد هذا الهدف، أو شعر باليأس من بلوغه، أو شعر أنه أعطاه أكثر من قيمته، وأنه أوقف حياته على شيء دنيء، أو شعر أن حياته بلا هدف أصلاً مع ما يجد فيها من آلام، فإنه يقدم على قتل نفسه.

قال البخاري في صحيحه: “5671 – حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي“.

وقال أيضاً: “5673 – حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أبو عبيد، مولى عبد الرحمن بن عوف، أن أبا هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لن يدخل أحدا عمله الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ” لا، ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا، ولا يتمنين أحدكم الموت: إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب“.

في هذين الحديثين علاج لجذر هذه الفكرة المدمرة، وهي تذكير المرء أنه ليس في هذه الدنيا لأهداف تتعلق بالدنيا، وإنما هذه الدنيا مزرعة الآخرة، والأمر تعامل مع الله تبارك وتعالى.

والمرء في تعامله مع الله عز وجل إما على خير فيزداد خيراً، ويكون حسابه أيسر، فالجنة درجات، وإما يكون مسيئاً فيمحو إساءته.

وكل من حقر حياته فقتل نفسه فعل ذلك عن غفلة عن هذا المعنى.

والخوف من الفتنة لا يبرر قتل النفس، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وإنما يدعو المرء ربه بأن يعينه، ومن الإعانة أن يقبض الله عبده قبل أن يفتن، أو يبقيه فيسلم منها بتوفيقه.

ولهذا كانت عقوبة الانتحار شديدة في الآخرة، لأن الانتحار يتناسب مع الكفر (وليس كل منتحر كافراً، ولكن المقصود أن الكفر يبرر الانتحار أكثر من الإيمان، بل الإيمان يحاربه).

كأمر الوعيد في النياحة واللطم وغيرها، فالوعيد جاء على هذه الأمور لأنها صنيع من لا يؤمن بلقاءٍ في اليوم الآخر، فيعظُم قنوطه، فلم يلق ذلك بأهل الإيمان.

فكم من نفس أنقذها الإيمان بهذه الأخبار، وأعظم من ذلك الإنقاذ من النار، والإنقاذ من موت القلب في الدنيا.

ومن لم يؤمن بالله واليوم الآخر فإنك لا تأمن عليه مِن قتل نفسه إن أصابه بلاء بدَّد أهدافه التي يعيش لأجلها، فيشعر دونها أنه لا قيمة له، وأنه لا يطيق ألم فقدها فيؤثر الموت عليه.

وكل من يستقبح الانتحار عليه أن يعظِّم الإيمان، غير أن كثيرا من الناس يعترف بمنافع الإيمان، ولكن يصده عن التدين الحق أنه يريد هذه المنافع دون أن يبذل شيئا من هواه لله عز وجل، وبعضهم يظن أنه يمكن أن يأخذ ما يشتهي ويترك ما يشتهي بقراءة جديدة، هيهات هيهات.