الإنكار على من يستمع للغناء خصوصا مع المعازف أمر مشهور عند متقدمي السلف وليس خاصاً بالمتأخرين
1_ قال النسائي في سننه 3383 – أخبرنا علي بن حجر قال حدثنا شريك عن أبي إسحق عن عامر بن سعد قال دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس وإذا جوار يغنين فقلت أنتما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل بدر يفعل هذا عندكم فقال اجلس إن شئت فاسمع معنا وإن شئت اذهب قد رخص لنا في اللهو عند العرس.
فقولهم ( رخص لنا باللهو في العرس ) معناه أنه محرم في غيره والرجل أنكر عليهما مع أنه غناء جواري ( ربما صغار ) وبدف فقط فما دفعا أن الأمر منكر وإنما قالا أنه مرخص به عند العرس ومفهوم ذلك أن إنكارك يستقيم في غير العرس
2_ قال ابن أبي شيبة في المصنف 16659- حدثنا ابن علية , عن أيوب , عن ابن سيرين قال : نبئت أن عمر كان إذا استمع صوتا أنكره وسأل عنه ، فإن قيل عرس ، أو ختان أقره.
والصوت آنذاك شيء من صوت الدف لا البلاء الموجود الآن وابن سيرين مشهور أنه لا يروي إلا عن ثقة فحال مراسيله محتمل
3_ قال النسائي في سننه 4146 – أخبرنا عمرو بن يحيى قال حدثنا محبوب يعني ابن موسى قال أنبأنا أبو إسحق وهو الفزاري عن الأوزاعي قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن الوليد كتابا فيه وقسم أبيك لك الخمس كله وإنما سهم أبيك كسهم رجل من المسلمين وفيه حق الله وحق الرسول وذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فما أكثر خصماء أبيك يوم القيامة فكيف ينجو من كثرت خصماؤه وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمتك جمة السوء
فهذا عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد يسب والياً له لأنه أظهر المعازف ويصف ذلك بأنه بدعة في الإسلام وهذا شبه نقل إجماع في الموضوع والإنكار هنا بين والخبر صحيح
4_ قال البخاري في الأدب المفرد 784- حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن دينار قال: خرجت مع عبد الله بن عمر إلى السوق، فمر على جارية صغيرة تغني، فقال: إن الشيطان لو ترك أحدا لترك هذه
عبد الله بن صالح كاتب الليث كان يدخل عليه في كتبه ولكن الراوي عنه هنا إمام جبل مميز ، وقول عبد الله بن عمر ( لو كان الشيطان ) واضح في أنه ينكر هذا الأمر فوصفك للشيء أنه من الشيطان إنكار علماً أنها جارية وتغني وليست امرأة كبيرة أو رجل كبير مع معازف صاخبة
5_ قال ابن أبي شيبة في المصنف 23224 – حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، «أَنَّ رَجُلًا كَسَرَ طُنْبُوورَ الرَّجُلِ فَخَاصَمَهُ إِلَى شُرَيْحٍ فَلَمْ يُضَمِّنْهُ شَيْئًا»
شريح القاضي من كبار التابعين وقد كان قاضياً عند عمر وعثمان وعلي
قضاؤه هذا يقتضي القول بتحريم الطنبور ومثله بقية المعازف
فلو لم يكن هذا الأمر فاشياً في ذلك العصر لما حكم شريح بهذا وهذا القضاء كان بمرأى ومسمع من أعيان الصحابة والتابعين
والأصل في الأشياء الإباحة فحين ينتقل القاضي شريح من الإباحة إلى التحريم فلا بد أن يكون قد صح عنده شيء عن شيوخه من كبار الصحابة
قال ابن المنذر في الأوسط
حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا سليمان بن حرب سنة خمس عشرة بمكة، عن حماد بن زيد عن أيوب، عن محمد، أن شريحاً كان يرى رد اليمين.
قال سليمان: هذا قاضي عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي.
أقول: استدل سليمان بن حرب على سداد قول شريح بأنه كان قاضياً عند عمر وعثمان وعلي.
وإهدار المعازف بحيث لا تضمن من أعظم صور الإنكار ومعلوم أن شعبة بن الحجاج ترك المنهال لأنه سمع من صوته معازف وشعبة هذا من كبار علماء الحديث في زمن أتباع التابعين في النجم الوهاج من كتب الشافعية : ويستثنى المحترف بالغناء؛ فترد شهادته مطلقًا كما نص عليه الشافعي وصرح به الجمهور. وقد كان أحمد يفتي بكسر الطنبور وهذا أشد الإنكار ويرويه عن أصحاب ابن مسعود
وقد ادعى كثيرون الخلاف في أمر الغناء وادعى آخرون الإجماع على المنع وبعضهم فرق بين الغناء والمعازف ومن ادعى الإجماع لم يعتد ببعض من نقل عنه الإباحة لأنه ليس من الفقهاء وأما الفقهاء فلم يصحح النقل عنهم وهذا التحقيق وأما من تأخر فهو محجوج بمن تقدم حتى ادعى عياض الإجماع على كفر مستحله فيما نقله ابن مفلح في الفروع ( وفيه بعد ولكن لبيان أنهم شددوا إلا يقصد ضربا معينا تجتمع فيه صورة لم يبحها أحد )
وفي زماننا يستثقل الناس هذا الكلام غاية مع أن الأمر ما اقترن بالفسق والفجور في زمن من الأزمان أكثر من زماننا وأكثر ذلك كلام عن المخادنة والعشق والغرام فلو لم يكن في الدلالة على بصيرة المحرمين إلا حال الناس اليوم لكفى بذلك فسبحان الله وحتى ابن حزم يحرم الالتذاذ بنغمة الأجنبية فحال بعض الإباحيين في زماننا ما سبقوا إليها أبداً .