قال ابن رجب في فتح الباري (3/141) :
” ونقل الأثرم ، عن أحمد ، أنه قيل له : قبلة أهل بغداد على الجدي
؟
فجعل ينكر أمر الجدي ، فقال :
أيش الجدي ؟ ولكن على حديث عمر : ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) .
ومراده : أن الاستدلال بالجدي وغيره من النجوم ، كالقطب ونحوه لم ينقل
عن السلف ، وأنه لا يجب الاستدلال بذلك ولا مراعاته ، وإنما المنقول عنهم الاستدلال
بالمشرق والمغرب .
ولم يرد أن الجدي لا دلالة له على القبلة ؛ فإنه قال في رواية أخرى عنه
: الجدي يكون على قفاه – يعني : للمصلي – ، وكلامه يدل على أن الاستدلال على العين
بما يستدل به من يستدل على العين غير مستحب “
وقال شيخ الإسلام في شرح عمدة الفقه (1/537) :
” والرواية الثانية: ما ذكره الشيخ رحمه الله أن فرضه اصابة الجهة
فلو تيامن أو تياسر شيئا يسيرا ولم يخرج عن الجهة جاز
وأكثر الروايات عن أحمد تدل على
هذا ولهذا أنكر وجوب الاستدلال بالجدي وقال إنما الحديث ما بين المشرق والمغرب وهذا
اختيار الخرقي وجماهير أصحابنا
لأن الله سبحانه قال: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
والمسجد الحرام اسم للحرم كله وشطره نحوه واتجاهه فعلم أن الواجب تولية الوجه إلى نحو
الحرم والنحو هو الجهة بعينها
ثم قال بعد ذلك {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ
هُوَ مُوَلِّيهَا} والوجهة الجهة فعلم أن الواجب تولي جهة المسجد الحرام وعن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما بين المشرق والمغرب
قبلة” رواه ابن ماجة والترمذي وقال حديث صحيح وروي ذلك من حديث أبي قلابة عن النبي
صلى الله عليه وسلم وروي أيضا مسندا من حديث ابن عمر وغيره وقال صلى الله عليه وسلم:
“لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا”.
وهذا بيان لأن ما سوى التشريق والتغريب استقبال للقبلة أو استدبار لها
وهذا خطاب لأهل المدينة ومن كان على سمتهم وقريبا من سمتهم أهل الشام والعراق
واليمن ونحوهم دون من كانت إلى الركن الأسود أو الركن الغربي وما يقرب منهما من أهل
المشرق والمغرب الذين مساكنهم بين شام الأرض ويمنها على مسامتة مكة وما يقارب ذلك
ولأن ذلك اجماع الصحابة رضي الله
عنهم قال عمر: “ما بين المشرق والمغرب قبلة كله إلا عند البيت” رواه أبو
حفص وذكره أحمد وقال ما بين المشرق والمغرب قبلة إلا عند البيت “
فإن قال قائل : ما وجه إنكار هذا ؟
فيقال : قد يسر الله عز وجل على عباده في جهة القبلة ولهذا تجد أن الفقهاء
يقولون يكفي الاتجاه إلى جهة القبلة إلا لمن يراها فلا بد من إصابة عينها ، وكثير ممن
يستدل بالنجوم يحاول إصابة عين الكعبة مع كونه غير مكلف بذلك وإنما هو مكلف بإصابة
جهة القبلة
فإذا كانت القبلة في الشمال مثلاً فلا يضيره اتجه شمال شرق أو شمال غرب
ما دام في جهة الكعبة ، ومن يتحرى إصابة عين الكعبة ممن لا يراها ويبالغ في ذلك مخالف
لهذا التيسير خصوصاً إذا ألزم الناس بذلك
وأما إصابة الجهة عن طريق النجوم فليس من هذا المعنى فيما يبدو والجهة
معروفة في الغالب عند الناس استدلالاً بأمر المشرق والمغرب
وليعلم أن الإمام أحمد قد ضعف حديث ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) غير
أنه ورد عن عمر وعليه عمل السلف فأخذ به رحمه الله تعالى
أما من احتج بأنها – أي النجوم – علامات يهتدى بها فيقال له
الاهتداء يكون بالسفر للجهة المتوجه إليها
أما أمر القبلة فداخل في عموم
قوله ( إنا أمة أمية )
والتيسير فيها مطلوب وحض عليه الشارع وعليه وقع عمل السلف فإن التوسع في
هذه الأمور يجر إلى الوسوسة وقد وقع هذا في المتأخرين من هذه الأمة
والناس يهتدون بالنجوم إلى جهة البلد التي يريدون والنجوم لا تهديهم إلى
عين المنازل التي أرادوا . والله أعلم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم