الإمام أحمد وحمل المجمل على المفصل في كلام الناس

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد كنت كتبت مقالاً في أنه ( لا يؤول إلا كلام المعصوم ) ، وبينت هناك
أن كثيراً مما يزعم المميعون أنه من باب ( المجمل والمفصل ) ، حقيقته أنه من باب الظاهر
والمؤول ، وقد وجدت نصاً مهماً للإمام أحمد في هذه المسألة

قال الخلال في السنة 2109: سمعت أبا بكر المروذي يقول : أتيت أبا عبد الله
ليلة في جوف الليل

 فقال لي : يا أبا بكر ، بلغني
أن نعيماً كان يقول : لفظي بالقرآن مخلوق، فإن كان قاله فلا غفر الله له في قبره .

أقول : نعيم هنا هو نعيم بن حماد الإمام المعروف ، وقد كان شديداً على
الجهمية ، حتى أنه وضع ثلاثة عشر كتاباً في الرد عليهم ، وقد ضيق على نعيم بن حماد
بسبب رده عل الجهمية ، فمات في حبسه أيام المحنة بخلق القرآن

قال البخاري في خلق أفعال العباد (2/ 192) :” وَلَقَدْ بَيَّنَ نُعَيْمُ
بْنُ حَمَّادٍ رحمه الله تعالى أَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ لَيْسَ بِخَلْقٍ ، وَأَنَّ الْعَرَبَ
لاَ تَعْرِفُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ إِلاَّ بِالْفِعْلِ ، فَمَنْ كَانَ لَهُ فِعْلٌ
فَهُوَ حَيٌّ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلٌ فَهُوَ مَيِّتٌ ، وَأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ
مَخْلُوقَةٌ ، فَضَيَّقَ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ ، وَتَوَجَّعَ أَهْلُ الْعِلْمِ
لِمَا نَزَلَ بِهِ , وَفِي اتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نُعَيْمًا
وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُ لَيْسَ بِمُفَارِقٍ وَلاَ مُبْتَدِعٍ ، بَلِ الْبِدَعُ وَالرَّئِيسُ
بِالْجَهْلِ بِغَيْرِهِمْ أَوْلَى ، إِذْ يُفْتُونَ بِالآرَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ ، مَا
لَمْ يأَذَنْ بِهِ اللَّهُ”

ولم يشفع كل هذا له عند الإمام أحمد ، لو كان قال بقول اللفظية

ولم يقل الإمام أحمد ( نتأول كلام نعيم فكيف يوافق الجهمية وقد كان شديداً
عليهم )

ولم يقل ( هو إمام سني والسني إذا أخطأ لم يخرجه ذلك من السنة ) ، كما
يقوله بعضهم دونما تفريق بين أنواع الأخطاء

ولم يقل ( لعله أراد كذا وكذا )

ولم يقل ( قد أفضى إلى ما قدم فمالي وماله )

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (6/ 527) :” والمنصوص عن الإمام
أحمد ونحوه من العلماء أن من قال أن اللفظ بالقرآن والتلاوة مخلوقة فهو جهمي ومن قال
أنه غير مخلوق فهو مبتدع لأن اللفظ والتلاوة يراد به الملفوظ المتلو وذلك هو كلام الله
فمن جعل كلام الله الذي أنزله على نبيه مخلوقا فهو جهمى ويراد بذلك المصدر وصفات العباد
فمن جعل أفعال العباد وأصواتهم غير مخلوقة فهو مبتدع ضال “

فالإمام أحمد عند المييعة سائرٌ على منهج إقصائي صرف ، يأخذ فيه بالظواهر
ويحاكمهم إليها ، ويبني على ذلك التحذير والتشهير ، دونما اعتبار لحسنات المحذر منه

وبقي أن نقول : أن الإمام أحمد علق الحكم على نعيم بالصحة ، ولا يصح ذلك
عنه إن شاء الله تعالى

 وإن صح فقد روي عنه التراجع

قال الخلال في السنة بعد أثر أحمد السابق 2110: أخبرني محمد بن عبد الله
الرحبي بالرحبة ، قال : سمعت مؤملاً – يعني ابن أهاب – يقول : قلت لنعيم بن حماد :
ما حملك على هذه الكلمة أن قلت لفظي بالقرآن مخلوق ؟ فقال : والله ما أرى بها إلا الاحتجاج
عليهم

 فقلت : لا تعد

 فقال : أنا أستغفر الله منها ما
أردت إلا الاحتجاج بها .

والمراد هنا بيان منهج الإمام أحمد في التعامل مع الانحرافات التي من هذا
النوع

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم