جاء في مسائل أبي داود عن الإمام أحمد 1712 :
كَتَبْتُ رُقْعَةً، وَأَرْسَلْتُ
بِهِ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُتَوَارٍ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ
جَوَابَهُ مَكْتُوبًا فِيهِ:
قُلْتُ: رَجُلٌ يَقُولُ: التِّلَاوَةُ
مَخْلُوقَةٌ، وَالْفَاظُنَا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ وَالْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ،
مَا تَرَى فِي مُجَانَبَتِهِ؟
وَهَلْ يُسَمَّى مُبْتَدِعًا؟
وَعَلَى مَا يَكُونُ عَقْدُ الْقَلْبِ فِي التِّلَاوَةِ وَالْأَلْفَاظِ؟ وَكَيْفَ الْجَوَابُ
فِيهِ؟
قَالَ: هَذَا يُجَانَبُ، وَهُوَ
فَوقُ الْمُبْتَدِعِ، وَمَا أَرَاهُ إِلَّا جَهْمِيًّا، وَهَذَا كَلَامُ الْجَهْمِيَّةِ،
الْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ
قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ،
يُرِيدُ حَدِيثَهَا» : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ}، فَقَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَاحْذَرُوهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ»
، وَالْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
وفي هذا الجواب من الإمام أحمد فوائد:
الأولى : كون بدعة
اللفظية من البدع الكبرى التي يبدع أصحابها وإن لم تقم عليهم الحجة ، وأنه لا يغتر
بتمويه أهل البدع، فجعلهم أحمد جهمية مع محاولتهم التملص من هذا القول، فكيف بالأشاعرة
الذين هم أصرح منهم تجهماً.
الثانية : لم يسأل الإمام
أحمد هل قامت عليه الحجة أم لم تقم بل بدعه رأساً، وهذا في اللفظي فكيف بالأشعري الذي
يصرح بأن ما بين أيدينا مخلوق، وأنه حكاية أو عبارة عن كلام الله عز وجل، فكيف بنفاة
العلو وبدعتهم أظهر من بدعة اللفظية فهم مكابرون للنصوص من الكتاب والسنة والآثار السلفية
والفطرة والعقل السليم.
قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (7/26) :” وجواب هذا أن
يقال القول بأن الله تعالى فوق العالم معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة وإجماع سلف
الأمة بعد تدبر ذلك كالعلم بالأكل والشرب في الجنة والعلم بإرسال الرسل وإنزال الكتب
والعلم بأن الله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير والعلم بأنه خلق السماوات والأرض وما
بينهما بل نصوص العلو قد قيل إنها تبلغ مئين من المواضع والأحاديث عن النبي صلى الله
عليه وسلم والصحابة والتابعين متواترة موافقة لذلك فلم يكن بنا حاجة”.
وقال الدارمي في الرد على الجهمية ص23 وهو يتكلم عن صفة العلو :”
فظاهر القرآن وباطنه يدل على ما وصفنا من ذلك ، نستغني فيه بالتنزيل عن التفسير ، ويعرفه
العامة ، والخاصة، فليس منه لمتأول تأول ، إلا لمكذب به في نفسه ، مستتر بالتأويل”
فلا شك أن نفاة العلو عند أحمد
:فوق المبتدعة، فكيف بمن زاد على نفي العلو نفي عامة الصفات وغيرها من عقائد الأشاعرة،
فمن جعل من هذه حاله ( دون المبتدع ) فقد خالف الإمام أحمد وغيره من الأئمة.
الثالثة : أمر الإمام
بهجره رأساً.
الرابعة : أن الإمام
أحمد لم يحمل مجمله على مفصله.
الخامسة : تشديد الإمام
أحمد في هذه المسألة ، وقد كان هذا هدي السلف في مسائل الصفات يشددون فيها ، إذ أنها
تتعلق برب العالمين،
ولا يشك سني أن من سب صحابياً فهو مبتدع ضال ، فكيف بمن نفى صفة لله عز
وجل دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والفطرة ، وليس من كانت خصومته معنا في الخالق
كمن كانت خصومته معنا في مخلوق، بل نفاة الصفات أشد من نفاة القدر.
قال ابن رجب في فضل علم السلف على علم الخلف ص3: “ومن ذلك أعني محدثات
الأمور ما أحدثه المعتزلة ومن حذا حذوهم من الكلام في ذات الله تعالى وصفاته بأدلة
العقول وهو أشد خطراً من الكلام في القدر لأن الكلام في القدر كلام في أفعاله وهذا
كلام في ذاته وصفاته.
وينقسم هؤلاء إلى قسمين أحدهما من نفى كثيراً مما ورد به الكتاب والسنة
من ذلك لاستلزامه عنده للتشبيه بالمخلوقين كقول المعتزلة لو رؤي لكان جسما لأنه لا
يرى إلا في جهة: وقولهم لو كان له كلام يسمع لكان جسما ووافقهم من نفى الاستواء فنفوه
لهذه الشبهة: وهذا طريق المعتزلة والجهمية وقد اتفق السلف على تبديعهم وتضليلهم وقد
سلك سبيلهم في بعض الأمور كثير ممن انتسب إلى السنة والحديث من المتأخرين”.
قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (2/45) :” ولا يقدر أحد ان
ينقل عن أحد من سلف الامة وأئمتها في القرون الثلاثة حرفا واحدا يخالف ذلك
لم يقولوا شيئا من عبارات النافية أن الله ليس في السماء والله ليس فوق
العرش ولا أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا أن جميع الامكنة بالنسبة اليه سواء ولا
أنه في كل مكان أو أنه لا تجوز الاشارة الحسية إليه ولا نحو ذلك من العبارات التي تطلقها
النفاة لأن يكون فوق العرش
لا نصا ولا ظاهرا بل هم مطبقون متفقون على أنه نفسه فوق العرش وعلى ذم
من ينكر ذلك بأعظم مما يذم به غيره من أهل البدع مثل القدرية والخوارج والروافض ونحوهم
وإذا كان كذلك فليعلم ان الرازي
ونحوه من الجاحدين لان يكون الله نفسه فوق العالم هم مخالفون لجميع سلف الأمة وأئمتها
الذين لهم في الامة لسان صدق ومخالفون لعامة من يثبت الصفات من الفقهاء وأهل الحديث
والصوفية والمتكلمين مثل الكرامية والكلابية والأشعرية الذين هم الأشعري وأئمة اصحابه
ولكن الذين يوافقونه على ذلك هم المعتزلة والمتفلسفة المنكرون للصفات وطائفة
من الأشعرية وهم في المتأخرين منهم اكثر منهم في المتقدمين وكذلك من اتبع هؤلاء من
الفقهاء والصوفية وطائفة من أهل الحديث”.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم