الأجر الذي رجاه البخاري ويرجوه أهل الحديث عامة…

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال حرب الكرماني في مسائله: “748- حدثنا أحمد، قال: ثنا يحيى بن أيوب، قال: أبنا ابن لهيعة، عن عبد الله ابن هبيرة، قال: أخبرني أبو المصعب المعافري، عن عقبة بن عامر الجهني، قال: «لك بكل إشارة تشيرها في الصلاة عشر حسنات؛ بكل إصبع حسنة».

749- حدثنا أحمد بن نصر، قال: ثنا علي بن الحسن، قال: قال ابن المبارك: قلت لابن لهيعة: ما يعني: «بكل إشارة»؟ قال: «إذا افتَتَح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه».
قال أحمد بن نصر: «عددتُ هذا، فإذا هو يُكتب له في خمس صلوات: أربعة آلاف حسنة؛ غير مائة حسنة»”.

أقول: للبخاري جزء في رفع اليدين يردُّ فيه على من لا يرفع يديه قبل الركوع وبعد الركوع، وهو قول بعض العراقيين وأشدهم فيه أهل الرأي، وكانت بلد البخاري ملأى بأهل الرأي، فأراد أن يعلِّمهم السنة ويأخذ أجرهم، هذا الأجر العظيم الذي يقع بهذه السُّنة اليسيرة تراكمياً.

قال ابن هانئ في مسائله عن أحمد ابن حنبل: “سمعت أبا عبد اللَّه وذكر الرفع، فقال: كان النبي ﷺ يرفع يديه في الصلاة.
وقال عقبة بن عامر: له بكل إشارة عشر حسنات. وكان ابن عمر إذا رأى رجلًا لا يرفع يديه حصبه. وقال ابن سيرين: الرفع من تمام الصلاة
قال أبو عبد الله: من رفع فهو أتم صلاة ممن لا يرفع، ومن ترك الرفع فقد رغب عن سنة النبي ﷺ.
قرأت على أبي عبد اللَّه: الوليد بن مسلم، عن زيد بن واقد، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا رأى رجلًا لا يرفع يديه حصبه” «مسائل ابن هانئ» [240].

ومن زعم تكافؤ القولين (القول بالرفع والقول بعدمه) أبى ذلك عليه الحديث: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر».

هذا في الاجتهاديات، فما بالك بمسألة بيِّنة الأدلة؟

فإن أضفتَ عليه فرضية الفاتحة في كل ركعة، خلافاً لأهل الرأي، وفي كل حرف عشر حسنات، مع الطمأنينة في كل ركن، والمشاهد -إلى يومنا هذا- في صلاة كثير من أهل الرأي فقدان الطمأنينة.

إن نظرتَ في هذا كله علمتَ أن تعليم المرء السنة على مذهب أهل الحديث -الذين هم أعلم الناس بالسنة- فيه أجر عظيم يتكرر لك في كل مرة يصلي بها.

وهذا ما رجاه البخاري وعامة أهل الحديث، «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا».

وهذا بعض معنى قوله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير} [المجادلة].

فالباذلون للعلم تُضاعف أجورهم باقتداء الناس بهم في الخير، وهذا يوجب رفعة الدرجات في الآخرة.

وقد حدَّثوني عن مدرسة لأهل الحديث فيها آلاف الطلبة في بلد يغلب على أهلها الخرافة والتجهم ومذهب أهل الرأي، فأول ما خطر على بالي غبطة باني هذه المدرسة وداعميها على تعليم هؤلاء التوحيد وصحيح العقيدة وما يلحقهم في كل عمل صالح، خصوصاً من تعليمهم الصلاة لهؤلاء، فلعل بعضهم يوضع في ميزانه كل يوم مئات آلاف الحسنات من هذا الصنيع الجليل.

تنبيه: ونُسب لمالك القول بعدم الرفع قبل الركوع وبعد الركوع، وليس صحيحاً عنه، كما حققه ابن القيم في رسالته «رفع اليدين في الصلاة» ومن قبلِه نبه كل من الترمذي وابن المنذر.