فإن أطروحة التأثير الأموي على السنة النبوية تروق لكثير من دعاة الهدم
مع أن أشهر كتب الحديث إنما صنف في زمن العباسيين وعدنان إبراهيم نفسه أشار إلى هذا في رده على يوسف زيدان في التدليل على أن فضل المسجد الأقصى لا علاقة للأمويين به بل هو أمر ثابت في القرآن والأحاديث فيه متواترة
ولكنني سأطرح عدة حقائق علمية قد تخفى على كثيرين هي معينة في بيان تهافت هذه الدعوى
الحكم الأموي دام 93 عاماً في فرعين فرع سفياني وفرع مرواني الفرع السفياني لم يحكم سوى 24 عاماً فقط والبقية كلها للفرع المرواني
الحقيقة الأولى : عامة خلفاء بني أمية لا ذكر لحديثهم في كتب الإسلام فيزيد بن معاوية لا يوجد له أي رواية في الكتب الستة وكذا ابنه معاوية وكذا عبد الملك بن مروان لم يخرج له أي حديث في الكتب الستة مع أنه روى عن عدة من الصحابة بشكل مباشر وكذا أبناؤه الوليد وسليمان وهشام ويزيد كلهم ليس له أي حديث في الكتب الستة والوحيد الذي خرجوا له هو أعدلهم باتفاق عمر بن عبد العزيز ( وحتى خلفاء العباسيين لم يخرجوا لهم مع أن بعضهم تعاطى رواية الحديث )
وفي المقابل علي بن الحسين زين العابدين خرج له في الكتب الستة وحديثه في البخاري أكثر من حديث عمر بن عبد العزيز
ومحمد بن علي الباقر خرج له الستة وابنه جعفر خرج له غالبهم وحديثه في الموطأ
ومعلوم أن عبد الملك بن مروان أخذ الخلافة من ابن الزبير وتجد أن المحدثين يكثرون الرواية عن ابن الزبير وذكر فتاويه في كتبهم ويروون عن أبنائه وأخيه عروة ولا يأبهون لخلاف المروانيين السياسي معهم
الحقيقة الثانية : لقد تعاطى المحدثون رواية فضائل أهل البيت علي وأبنائه حتى ما رواه بعض الضعفاء وذكر مالك في الموطأ فتاوى علي باستمرار من طريق جعفر الصادق عن الباقر عن علي
ولهذا لا تجد كتاباً من كتب الحديث المسندة المرتبة على الأبواب إلا وفي أبواب الفضائل ذكر فضائل علي والحسن والحسين ولكن أيضاً يذكرون فضائل أبي بكر وعمر وعثمان
الحقيقة الثالثة : أن الإمام الشافعي على جلالته لم يخرج له أصحاب الصحيح لكونهم لم يحتاجوا إلى حديثه فكل أحاديثه توفرت عندهم بأسانيد أعلى ومن شيوخ بمالك وابن عيينة ( وهما شيخا الشافعي الأوثق ) من الإمام الشافعي هذا مع شدة احترام المحدثين للشافعي وتجد أحاديث للباقر وعلي زين العابدين
الحقيقة الرابعة : الإمام الزهري الذي ذكروا أنه شرطي عند بني أمية من شيوخه علي زين العابدين وقد تتلمذ عليه مالك إمام المدينة والأوزاعي إمام الشام والليث بن سعد إمام أهل مصر ومنصور بن المعتمر إمام الكوفيين وكلهم ما جمعوا حديثهم وصنفوه إلا في وقت العباسيين دون أدنى نفرة من هذا الإمام الجليل
وهل تعلم أن حديث ( فاطمة بضعة مني ) مخرج في الصحيحين من حديث الزهري !
وثبت عن الزهري ذب عن علي بن أبي طالب
جاء في شرح صحيح البخاري :” فَأَخْرَجَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلْوَانِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ حَدثنَا عَمِّي قَالَ دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ يَا سُلَيْمَانُ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مَنْ هُوَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ قَالَ كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ فَدخل الزُّهْرِيّ فَقَالَ يَا بن شهَاب من الَّذِي تولى كبره قَالَ بن أُبَيٍّ قَالَ كَذَبْتَ هُوَ عَلِيٌّ فَقَالَ أَنَا أكذب لَا أبالك وَاللَّهِ لَوْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ الْكَذِبَ مَا كَذَبْتُ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ وَسَعِيدٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَعَلْقَمَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَذَكَرَ لَهُ قِصَّةً مَعَ هِشَامٍ فِي آخِرِهَا نَحْنُ هَيَّجْنَا الشَّيْخَ هَذَا”
وقال عبد الرزاق في تفسيره 2006 – أرنا مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ , فَقَالَ: الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قُلْتُ: لَا , حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ , وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ كُلُّهُمْ سَمِعُوا عَائِشَةَ تَقُولُ: «الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ» قَالَ: فَقَالَ لِي: وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ؟ , قَالَ: قُلْتُ: أَخْبَرَنِي شَيْخَانِ مِنْ قَوْمِكِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ , وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ مُسِيئًا فِي أَمْرِي»
فهذا دفاعه عن علي في مجلسين
الحقيقة الأخيرة : أن الكوفيين بقوا شيعة في زمن بني أمية وبعده في غالبهم ولم يؤثر عنهم أي تكذيب لأمثال الزهري وغيرهم بل على العكس كانوا يروون الأحاديث من طريقهم ويقبلونها
قال ابن المقريء في معجمه 432 – حدثنا أحمد ، ثنا بشر بن موسى ، ثنا سعيد بن منصور قال : سمعت ابن المبارك يقول : « من أراد الشهادة فليدخل دار البطيح بالكوفة ، وليقل رحم الله عثمان بن عفان رضي الله عنه »
فهم غلاة إلى درجة قتل من يترحم على عثمان وهو من الصحابة الداخلين في حديث ( لا تسبوا أصحابي )
وحتى على تعريف الصحابة الذي اخترعه عدنان إبراهيم وحسن المالكي فمن أنهم من أسلم قبل الحديبية فعثمان من كبارهم
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة مرار بن حموية :” قال الحافظ أبو شجاع شيرويه بن شهردار الديلمى : نزل عليه أبو حاتم الرازى ،
و كتب عنه ، و هو قديم الموت ، قريب الإسناد جليل الخطر . قال : و لجمهور النهاوندى مسائل سأل عنها أبا أحمد المرار بن حمويه ، فأملى عليه الجواب فيها : من نظر فيها عرف محل المرار من العلم الواسع و الحفظ و الإتقان و الديانة .
و قال أيضا : سمعت أحمد بن عمر يقول : سمعت محمد بن عيسى يقول : سمعت أبى
يقول : سمعت فضلان بن صالح أخا الحسين بن صالح يقول : قلت لأبى زرعة : أنت أحفظ أم المرار ؟ فقال : أنا أحفظ ، و المرار أفقه . قال : و سمعت أبا جعفر يقول :
ما أخرجت همذان أفقه من المرار . قال : و سمعت أبى يقول : سمعت عبد الله بن أحمد بن داود الدحيمى بن داود يقول : سمعت المرار يقول : اللهم ارزقنى الشهادة و أمر يده على حلقه و أرانى أبى .
قال : و كان المرار ثقة عالما فقيها سنيا ، قتل فى السنة شهيدا رحمه الله ، و قيل : لما كانت فتنة المعتز و المستعين كان على همذان جباخ و جغلان من قبل المعتز ، فاستشار أهل البلد المرار و الجرجانى فى محاربتهما ، فأمراهم بالقعود فى منازلهم ، فلما أغار أصحابهما على دار سلمة بن سهل و غيرها و رموا رجلا بسهم أفتياهم فى الحرب ، و تقلد المرار سيفا ، فخرج معهم ، فقتل بين الفريقين عدد كبير ثم طلب مفلح المرار ، فاعتصم بأهل قم ، و هرب معه إبراهيم بن مسعود ، فأما إبراهيم فهازلهم و قاربهم فسلم ، و أما المرار فإنه أظهر مخالفتهم فى التشيع و كاشفهم فأوقعوا به و قتلوه “
فالمراد أن غلو أهل الشام كان مقابلاً لغلو الكوفيين وأن المتشيعين قد قتلوا بعض المحدثين ظلماً
والآن مع حديث ادعى عدنان إبراهيم أنه من وضع أشياع بني أمية
قال أحمد في مسنده 24179 – حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ، فَأَغْلَظَ لَهُمَا وَسَبَّهُمَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمَنْ أَصَابَ مِنْكَ خَيْرًا، مَا أَصَابَ هَذَانِ مِنْكَ خَيْرًا؟ قَالَتْ: فَقَالَ: «أَوَمَا عَلِمْتِ مَا عَاهَدْتُ عَلَيْهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ؟» قَالَ: قُلْتُ: «اللَّهُمَّ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، أَوْ لَعَنْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ مَغْفِرَةً، وَعَافِيَةً، وَكَذَا وَكَذَا»
وهو أيضاً مروي من حديث جابر ومن حديث أبي هريرة
روي من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر وهؤلاء مكيون لا علاقة لهم ببني أمية وإسناد عائشة كوفي والأعمش شيعي أصلاً !
فإن قيل : كيف النبي صلى الله عليه وسلم يسب شخصاً ليس أهلاً لذاك ؟
فيقال : هو نبي ولا يعلم الغيب فقد يرى شخصاً على شر والشخص لا يقصد ذلك ولكن يظنه يقصده فيغضب منه فيقول فيه شيئاً وأما اللعن فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب فقد يلعن كافراً ويكون في الغيب سيسلم وقصة ( ليس لك من الأمر شيء ) معلومة
وهذا نادر جداً من النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه جعل على نفسه هذا العهد وسأله الله عز وجل
والذي أريد قوله أن وهم التأثير السياسي على المحدثين وكتاب الحديث وهم سخيف خصوصاً وأن غالب المحدثين كان يذم الدخول على السلطان مطلقاً
وأخيراً أود التعليق على أسطورة أن بني أمية جبرية لهذا حاربوا القدرية
فأولاً : ذم القدرية ثابت عن أئمة الأمصار كمالك وسفيان وحتى أصحاب الرأي فحتى الكوفيون ذموا القدرية وشدة الأئمة عليهم كانت في عصر العباسيين أيضاً وهذا عمرو بن عبيد رأس القدرية ذمه العلماء في كل مصر
ثانياً : خير بني أمية وهو عمر بن عبد العزيز ثبتت استتابته لغيلان واحتجاجه عليه بالقرآن وبيانه له موطن الخلل عنده
ثالثاً : قول الجبرية لما ظهر ذمه الشاميون
قال ابن تيمية في درء التعارض :” ونظير هذا القصص المعروفة التي ذكرها الخلال في كتاب السنة هو وغيره في مسألة اللفظ ومسألة الجبر ونحوهما من المسائل، فإنه لما ظهرت القدرية النفاة للقدر وأنكروا أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وأن يكون خالقاً لكل شيء وأن تكون أفعال العباد من مخلوقاته، أنكر الناس هذه البدعة، فصار بعضهم يقول في مناظرته: هذا يلزم منه أن يكون الله مجبراً للعباد على أفعالهم، وأن يكون قد كلفهم ما لا يطيقونه، فالتزم بعض من ناظرهم من المثبتة إطلاق ذلك، وقال: نعم يلزم الجبر، والجبر حق، فأنكر الأئمة ـ كـ الأوزاعي وأحمد بن حنبل ونحوهما ـ ذلك على الطائفتين، ويروى إنكار إطلاق الجبر عن الزبيدي وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم.
وقال الأوزاعي وأحمد ونحوهما: من قال إنه جبر فقد أخطأ، ومن قال لم يجبر فقد أخطأ، بل يقال: إن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ونحو ذلك.
وقالوا: ليس للجبر أصل في الكتاب والسنة، وإنما الذي في السنة لفظ الجبل لا لفظ الجبر فإنه قد صح «عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال لأشج عبد القيس إن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة.
فقال: أخلقين تخلقت بهما، أم خلقين جبلت عليه؟ فقال: بل خلقين جبلت عليهما.
فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله»”
والأوزاعي والزبيدي شاميان ، ثم إنه ليس من الحكمة أن يقول وال الناس مجبورون على أفعالهم ففي هذه الحال لن يمكنه معاقبة أحد !
ولو كانت الجبرية مذهب بني أمية لكان قول القدرية أكثر ما يكون شيوعاً في الكوفة حيث التشيع وعلى العكس فالقدرية الشاميون والبصريون أكثر من بكثير من الكوفيين بل هم قلة قليلة جداً في الكوفة
وانظر إلى الحجاج مع أنه جندي مخلص لعبد الملك بن مروان لا يختلفون في ذمه ويكثرون الثناء على سعيد بن جبير الذي قتله الحجاج ويروون حديثه ويذكرون فتاويه
بل إن المحدثين اتفقوا على تغليط أمراء بني أمية في أوقات الصلاة وفي تقديمهم الخطبة على الصلاة في العيدين ( وهنا أعني الفرع المرواني )
فتبين لك أن الأثر الخيالي لبني أمية على التراث العلمي محض سراب ووهم
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم