الآية التي تعضد عامة أحاديث الفضائل الثابتة…

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قديماً صنَّف بعض أهل العلم كتاباً بعنوان: «ثواب الأعمال»، وهو أبو الشيخ الأصبهاني، وهناك كتب عديدة أخذت عنوان «الترغيب والترهيب» يذكرون فيها ثواب الأعمال الصالحة وعقوبة السيئات.

وتبشير أهل الإيمان بثواب الأعمال وفضل الله عليهم بذلك أمر حُضَّ عليه في القرآن:

قال تعالى:

{وبشِّر المؤمنين بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا}

[الأحزاب]

والفضل الكبير أمر زائد على ما اعتادوه من الثواب، من كون الحسنة بعشر أمثالها، فهذا بعض الفضل، وقد امتثل النبيُّ ﷺ ذلك، فبشَّر أمَّته بالمواسم الفاضلة، كرمضان -صيامه وقيامه- وعشر ذي الحجة وثواب الحج وصيام عرفة وعاشوراء وغيرها، وفضائل الصلوات والأذكار وغيرها.

وهذه الآية لمن تأمَّلها تدخل في حجية السنة، إذ فيها الأمر المجمل الذي جاء تفصيله في السُّنة.

وتدخل أيضاً في إثبات الشفاعة، إذ أنها من عموم الفضل الإلهي، وفضل الثواب للأعمال يدل أيضاً على الفضل في العفو والمغفرة.

وهذا لا يؤدي إلى الاتكال -إن شاء الله- إن علِم المرء أن الحسنات قد يُقبلن وقد لا يُقبلن، وإن علِم أيضاً عقوبة السيئات، فيتوازن الأمر عنده بين الرغبة والرهبة.

مواسم الخير فيها تضعيف للحسنات بلا جهد من المرء، سوى أن الله عز وجل أراد أن يتفضل بجعل هذا الموسم فاضلاً، وهنا يفيض قلب المرء رغبةً إلى الله عز وجل، فهذه المشيئة في التخصيص هنا تُذكِّر بالمشيئة في قوله تعالى:

{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.

حين تقرأ عن ثوابٍ عظيم لا تتكل، بل قل لنفسك: هذا الثواب العظيم بمنزلة الكنز الذي لا ينبغي أن أضيِّعه بسيئاتٍ محبطة أو بحقوق للخلق يأخذون من كنزي.

وقوله تعالى: {وبشِّر المؤمنين} معناه أن الفضل الكبير عُلِّق على الإيمان، وأهل الإيمان يتفاوتون فيه فكلما كان المرء أكثر إيماناً كان الفضل في حقه أكبر، لذلك هناك مكفرات ذنوب وأعمال صالحة في الأزمنة الفاضلة تكون سبباً في المغفرة، وهذه الأعمال من الإيمان.

لهذا إذا قرأتَ «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» أو ما ورد في فضل عرفة، فاعلم أنك أمام مصداق من مصاديق الآية.

«من صام» يعني عمِل عملاً صالحاً ازداد به إيماناً.

«غُفر له» هذا من الفضل الكبير.

قال الطبري في تفسيره:

“وقوله: {وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا} [الأحزاب: 47] يقول تعالى ذكره: وبشر أهل الإيمان بالله يا محمد بأن لهم من الله فضلا كبيرا؛ يقول: بأن لهم من ثواب الله على طاعتهم إياه تضعيفا كثيرا، وذلك هو الفضل الكبير من الله لهم”.