اكتمال النعمة الدينية والدنيوية يوجب الانكسار والبذل لا الخيلاء والتثاقل…

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

مِن المُشاهد في عدد من الشعوب الإسلامية التي أنعم الله عز وجل على أهلها برغدٍ من العيش مقارنة بغيرهم، لداعي النفط أو الغاز أو غيره، مع وجود دعوة إصلاحية فاضلة تدعو للتوحيد، أن هذا الأمر صار باباً للمفاخرة، دون اقتداء حقيقي بهذه الدعوة، وبعضهم تراه لا يقدِّر النعمة وسيطرت عليه عقلية الندرة الرأسمالية، فيتمنى الشر للناس، ظناً منه أن هذا الشر يجلب له خيراً ولو جزئياً.

قال الله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤتِ أحدا من العالمين} [المائدة/٢٠].

فذكرَ موسى ﷺ النعمة الدينية وهي أن فيهم أنبياء، وأمَّة الإسلام كلها حظيت بنعمة خير الأنبياء وأعظم وحي وحظيت بالعلماء ورثة الأنبياء، خصوصاً دعاة التوحيد الذين اشتهروا بذلك، فهؤلاء حضورهم في بعض الأقطار نعمة عظيمة على أهلها.

وذكرَ النعمة الدنيوية في أن جعلهم ملوكاً.

قال مسلم في صحيحه: “37- (2979) حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني أبو هانئ، سمع أبا عبد الرحمن الحبلي، يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل، فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: «ألك امرأة تأوي إليها؟» قال: نعم، قال: «ألك مسكن تسكنه؟» قال: نعم، قال: «فأنت من الأغنياء»، قال: فإن لي خادما، قال: «فأنت من الملوك»”.

واليوم تجد المرء له مسكن وزوج وخادم وسائق ولا يفتأ يشتكي في مواقع التواصل أو يراقب ما في أيدي الناس ويسعى في الشر إليهم، كسعي بعض الناس بالضرائب التي هي (المكوس)، وقد قال النبي ﷺ: «مهلا يا خالد، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له».

ثُمَّ هو لا يدخل جيبه شيء، ولكنه يُثقِّل ميزانه بما سيراه يوم القيامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ذكرَ موسى ﷺ ذلك حاثاً لهم بأن يقاتلوا في سبيل الله عز وجل وأن يروا الله عز وجل من أنفسهم خيراً، فتثاقلوا وقالوا له: {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} [المائدة/٢٤].

واليوم من الناس من لم يؤمر بقتال، بل بما هو أهون، وقد اكتملت في حقه النعمة، ورأى كثيراً من إخوانه المسلمين يعانون القتل والتشريد ورأى الناس في كل مكان يعانون أموراً هو في سلامة منها.

فهل يشكر الله؟

هل يستحي منه؟

هل يبذل لله عز وجل لذلك؟

لا، بل تراه يتثاقل الأوامر الشرعية ويصفها بالتشدد والغلو ويتضايق من الوعظ، فهو يريد للناس أن يبشِّروه بالجنة على سوء عمله.

ومنهم من زاد على ذلك أن امتهن تبادل الإساءات والمفاخرات الجاهلية مع القوم الآخرين أو التفاخر والبذخ والخيلاء في مواقع التواصل أمام الناس، وسيُسأل يوم القيامة عن النعمة الدينية والدنيوية فليُعد لذلك جواباً.