اقتناء جهاز الهاتف الذكي كان قراراً مخيفا جداً بالنسبة لي !

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد كان عندي تصور أنه سيجلب لي الكثير من المتاعب والضغط العصبي وسيغري الكثيرين بالتواصل غير المثمر بي

ولكن حين اقتنيت الجهاز فعلاً لغرض سهولة التواصل مع صديق لي سافر إلى المملكة ولم أجد بدا من اقتناء الجهاز الذكي لمعالجة الشوق الذي يتملكني للتواصل معه

بدا لي أن الأمر ليس كما ظننت بل أسوأ بكثير مما تخيلته في أشد كوابيسي رعباً

لا أجحد نعمة فقد انتفعت كثيراً وتواصلت مع أقوام طيبين ما كنت أتخيل في يوم من الأيام أن أتشرف بصحبتهم أو التواصل معهم لم أكن مفيداً فقط بل كنت مستفيداً أيضاً

لقد دخلت في الدوامة ولم يعد ثمة مجال للهروب ، غير أن الذي أريد أن أقوله أنني تضررت أيضاً كثيراً نفسياً من أمور عديدة لا مجال لبسطها ولكن سألخص السلبيات التي لاحظتها من وجودي في مواقع التواصل لعدة أعوام واستقبالي اليومي للعديد من الأسئلة والاستشارات

أولاً : طلب العلم بصورته التدرجية القديمة ينحسر والكثير من الشباب اليوم كل همهم المناظرات والردود على المخالفين وتحقيق الانتصارات فيها لإشباع غاية في النفوس ، فالأسئلة التي تكون ثمرة مناظرات أو مناكفات كثيرة جداً وأما الأسئلة التي تعنى بأمر الجنة والنار بمعزل عن هذه الأمور قليلة بل هي تأتي من العوام أكثر منها من طلبة العلم وقل أن تأتيك أسئلة عن الخشوع والإخلاص والورع والحلال والحرام على جهة التدين وما أكثر أسئلة الشبهات والنقاشات

ثانياً : يقضي كثيرون أوقاتاً طويلة في مواقع التواصل وتتبع الأخبار وتتبع المناظرات أو حتى خوضها مع الكسل التام عن سماع الدروس العلمية ولو درساً كل أسبوع وإذا عرضت لهم مسألة شرعية يستسهلون التواصل مع أي طالب علم يحلها لهم ، قديماً قلة التواصل مع العلماء وطلبة العلم أو صعوبته كانت تجعل للدرس العلمي قيمة كبيرة في نفوسنا وللكتاب أيضاً قيمة كبيرة أما اليوم فيتابع بعض طلبة العلم ويتمكن من التواصل معهم ويهجر القراءة والدروس ، ونعم هذا التواصل نعمة من الله عظيمة تشكر ولا تكفر ولكن ذلك لا يغني عن التعلم بل ستبقى عالة على هذا الشخص والذي لا يتواصل معك لوحدك وربما تضتطر لتحمل رعوناته ( كما هو الحال معي )

ووجد طلبة العلم أنفسهم أسرى لأسئلة الناس فبدلاً من أن نخبر الناس ما الذي ينبغي أن يتعلموه صاروا هم يحددون الأولويات ويجعلوننا نسير فيما يرسمون وكثير من طلبة العلم استسلم لهذا مع الأسف

ثالثاً : مما ترتب على العاملين الماضيين كلف كثير الناس بمتابعة كل مشبوه يطرح مواضيع مثيرة للجدل بحجة الرد عليه أو رؤية ما عنده مع الكسل الظاهر في الفرائض وقراءة القرآن فضلاً عن تعلم العلم الشرعي التأصيلي ، ومما سهل عليهم ذلك في أنفسهم وجود طلبة علم يستطيعون التواصل معهم فما أكثر ما ترسل لي مقالات ومقاطع يوتيوب لمشبوهين يطلبون الرد وأحياناً يقوم بعضهم بتقمص شخصية المخالف فيدعي أنه ملحد أو متأثر بأفكار منحرفة ليستفزك للرد وهذا في العادة يصدر من شخص من متكبر عن أن يظهر في صورة المتعلم فيتقمص شخصية المناظر حتى يأخذ منك العلم ولا يشكر

وأحسب أن إبليس لو فتح قناة في اليوتيوب فسيكون فيها عدد كبير جداً من المسلمين والذين كلما أنزل إبليس شريطا جديداً يشاهده ثم يعلق من شبهاته ما شاء الله أن يعلق ويذهب يطوف بها على طلبة العلم ولو كلفته أن يصبر نفسه في تعلم مباديء العلم الذي تقيه الشبهات ثم يجعل لنفسه ورداً يومياً من القراءة أو حتى متابعة بعض القنوات النافعة مثل ما يتابع المشبوهين لا يفعل

رابعاً : هناك كسل ظاهر عن البحث والنظر فكثير من الأسئلة مبنية على استسهال إرسال السؤال أو حتى شبهة لطالب علم أو عالم موثوق وبعضهم حين يراسلك يتصور أنه لا أحد يراسلك غيره لهذا يسثقل بطء الجواب أحياناً !

ولعلي أتوسع في ذكر تجربتي مع مواقع التواصل في صوتيات وهذه مجرد إيقاظة

وبالمناسبة صاحبي الذي اشتريت الجهاز للتواصل معه أَجِد عسورة في إيجاد وقت للتواصل معه حتى أنه قبل حفل زفافه بيوم أراد أن يكلمني فما استطعت.