اغضب لله كما ينبغي !

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال أبو نعيم في الحلية (2/372) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
حَمْدَانَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثَنَا سيار، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ
مَالِكًا، يَقُولُ:

” كَانَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَغْشَى بِمَنْزِلِهِ
الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَيَعِظُهُمْ وَيُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ قَالَ: فَرَأَى
بَعْضَ بَنِيهِ يَوْمًا غَمَزَ النِّسَاءَ فَقَالَ: مَهْلًا يَا بُنَيَّ قَالَ: فَسَقَطَ
عَنْ سَرِيرِهِ، فَانْقَطَعَ نُخَاعُهُ وَأَسْقَطَتِ امْرَأَتُهُ وَقُتِلَ بَنُوهُ
فِي الْجَيْشِ فَأَوْحَى الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَى نَبِيِّهِمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ
أَنْ أَخْبِرْ فُلَانًا الْحَبْرَ أَنِّي لَا أُخْرِجُ مِنْ صُلْبِكَ صِدِّيقًا أَبَدًا

 مَا كَانَ غَضَبُكَ لِي إِلَّا
أَنْ قُلْتَ يَا بُنَيَّ مَهْلًا “

أقول : وأسوأ من هذا الحبر من يغضب لنفسه أكثر مما يغضب لله فيجمع بين
التقصير في جانب الله ، والغلو في جانب نفسه

فهين عند بعضهم تعطيل الصفات ورمي أهل السنة بالتجسيم والقول بالاشتراكية
والاستهزاء بالسنة والحيل والقبورية بصورها والطعن في الصحابة أو السخرية من الأنبياء

فالمتلبس بهذه أو بعضها أو العديد منها لا يلاقي من الإنكار ما يلاقيه
من طعن في شخض بعض أدعياء الإنصاف أو أدعياء التدين

بل ربما غلا بعضهم وأثنى عليه أو ميع وهون من شأن كلامه الباطل أو وصفه
بالإمامة ولكن لا يمكن أن يصف من يقع فيه بالإمامة أو يهون من شأن كلامه فيه

وهذا الكلام وإن كان ينطبق على أهل التحزب بالدرجة الأولى فعلى السلفي
أن يتقي الله عز وجل ويراقبه لئلا يشابه هؤلاء في أحوالهم الخسيسة

قال المعلمي في التنكيل (2/196) :” يفكر في حاله مع الهوى ، أفرض
أنه بلغك أن رجلاً سب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، و آخر سب داود عليه السلام
، و ثالثاً سب عمر أو علياً رضي الله عنهما ، و رابعاً سب إمامك ، و خامساً سب إماماً
آخر ، أيكون سخطك عليهم و سعيك في عقوبتهم و تأديبهم أو التنديب بهم موافقاً لما يقتضيه
الشرع فيكون غضبك على الأول و الثاني قريباً من السواء و أشد مما بعدهما جداً ، و غضبك
على الثالث دون ذلك و أشد مما بعده ، و غضبك على الرابع و الخامس قريباً من السواء
و دون ما قبلهما بكثير ؟

أفرض أنك قرأت آية فلاح لك منها موافقة قول لإمامك ، و قرأت أخرى فلاح
لك منها مخالفة قول آخر له ، أيكون نظرك إليها سواء ، لا تبالي أن يتبين منها بعد التدبر
صحة ما لاح لك أو عدم صحته ؟

أفرض أنك و قفت على حديثين لا تعرف صحتهما و لا ضعفهما ، أحدهما يوافق
قولاً لإمامك و الآخر يخالفه ، أيكون نظرك فيها سواء ، لا تبالي أن يصح سند كل منهما
أو يضعف ؟

أفرض انك نظرت في مسألة قال إمامك قولاً و خالفه غيره ، ألا يكون لك هوى
في ترجيح أحد القولين بل تريد أن تنظر لتعرف الراجح منها فتبين رجحانه ؟

أفرض أن رجل تحبه و آخر تبغضه تنازعا في قضية فاستفتيت فيها و لا تستحضر
حكمها و تريد أن تنظر ألا يكون هواك في موافقة الذي تحبه ؟

أفرض أنك و عالماً تحبه و آخر تكرهه أفتى كل منكم في قضية و أطلعت على
فتويي صاحبيك فرأيتهما صواباً ، ثم بلغك أن عالماً آخر أعترض على واحدة من تلك الفتاوى
و شدد النكير عليها أتكون حالك واحدة سواء كانت هي فتواك أم فتوى صديقك أم فتوى مكروهك
؟

أفرض أنك تعلم من رجل منكراً و تعذر نفسك في عدم الإنكار عليه ، ثم بلغك
أن عالماً أنكر عليه و شدد النكير ، أيكون استحسانك لذلك سواء فيما إذا كان المنكر
صديقك أم عدوك ، و المنكر عليه صديقك أم عدوك ؟

فتش نفسك تجدك مبتلى بمعصية أو نقص في الدين ، و تجد من تبغضه مبتلى بمعصية
أو نقص آخر ليس في الشرع بأشدمما أنت مبتلى به؟ فهل تجد إستشناعك ما هو عليه مساوياً
لإستشناعك ما أنت عليه ، و تجد مقتك نفسك مساوياً لمقتك إياه ؟

وبالجملة فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى “

تأمل هذا الكلام فإنه جليل ، ومن مسالك الهوى التي رأيناها هذه الأيام
أن يغلط المرء الغلط فيشنع عليه آخر تشنيعاً عظيماً لا انتصاراً للدين وإنما لخلاف
شخصي بينهما أو لأن هذا الغالط تكلم في شيخه أو شخصه ولو كان هذا الخطأ قد صدر أعظم
منه من شيخه المعظم أو شخص يعظمه لما شنع عليه عشر هذا التشنيع

قال محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/321) وهو يشرح حديث الدين
النصيحة :” وأما بعد وفاته فالعناية بطلب سنته ، والبحث عن أخلاقه وآدابه ، وتعظيم
أمره ولزوم القيام به ، وشدة الغضب والإعراض عن من يدين بخلاف سنته ، والغضب على من
ضيعها لأثرة دنيا ، وإن كان متدينا بها ، وحب من كان منه بسبيل من قرابة أو صهر أو
هجرة أو نصرة أو صحبة ساعة من ليل أو نهار على الإسلام والتشبه به في زيه ولباسه”

فجعل الغضب على أهل البدع ومفارقتهم والغضب على أهل الفسق من النصيحة لرسول
الله صلى الله عليه وسلم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم