قال الرازي في تفسيره :
” وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّه تَعَالَى إِلَّا بِإِرْشَادِ النَّبِيِّ الْمَعْصُومِ قَالَ: لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُمُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِأَنْ يَسْتَعِينُوا بِحُكْمِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي كُلِّ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَنَرَى أَهْلَ الْعِلْمِ مُخْتَلِفِينَ فِي صِفَاتِ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَمِنْ مُعَطِّلٍ وَمِنْ مُشَبِّهٍ، وَمِنْ قَدَرِيٍّ وَمِنْ جَبْرِيٍّ، فَلَزِمَ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِحُكْمِهِ وَإِرْشَادِهِ وَهِدَايَتِهِ، وَحَقَّقُوا ذَلِكَ بِأَنَّ عُقُولَ أَكْثَرِ الْخَلْقِ نَاقِصَةٌ وَغَيْرُ وَافِيَةٍ بِإِدْرَاكِ هَذِهِ الْحَقَائِقِ؟
وَعَقْلُ النَّبِيِّ الْمَعْصُومِ كَامِلٌ مُشْرِقٌ، فَإِذَا اتَّصَلَ إِشْرَاقُ نُورِهِ بِعُقُولِ الْأُمَّةِ قَوِيَتْ عُقُولُهُمْ وَانْقَلَبَتْ مِنَ النَّقْصِ إِلَى الْكَمَالِ، وَمِنَ الضَّعْفِ إِلَى الْقُوَّةِ، فَقَدَرُوا عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ.
وَالَّذِي يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا جَازِمِينَ مُتَيَقِّنِينَ كَامِلِي الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ، والذين بعدوا عنه اضطربوا واختلفوا، وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ مَا تَوَلَّدَتْ إِلَّا بَعْدَ زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَالتَّمَسُّكُ بِهَذِهِ الْآيَةِ رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الشَّهْرَسْتَانِيِّ،”
هذا الكلام فيه أن عقل النبي صلى الله عليه وسلم أكمل العقول وأن أهل العقليات اختلفوا فيها اختلافاً شديداً فلا بد من الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أكمل الناس عقلاً هذا الكلام هل تظن مسلماً يعترض عليه ؟
لقد اعترض الرازي على هذا الكلام وعلق عليه باستسخاف عقل المتكلم به قال الرازي معلقاً على هذا الكلام :
” فَيُقَالُ لَهُ: فَهَذَا الِاسْتِقْلَالُ الَّذِي ذَكَرْتَهُ إِنَّمَا اسْتَخْرَجْتَهُ مِنْ عَقْلِكَ، فَإِذَا كَانَ عُقُولُ الْأَكْثَرِينَ نَاقِصَةً فَلَعَلَّكَ ذَكَرْتَ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ لِنُقْصَانِ عَقْلِكَ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الِاحْتِمَالُ قَائِمًا وَجَبَ أَنْ يُشَكَّ فِي صِحَّةِ مَذْهَبِكَ وَصِحَّةِ هَذَا الدَّلِيلِ الَّذِي تَمَسَّكْتَ بِهِ، وَلِأَنَّ مَعْرِفَةَ النُّبُوَّةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْإِلَهِ، فَلَوْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ الْإِلَهِ عَلَى مَعْرِفَةِ النُّبُوَّةِ لَزِمَ الدَّوْرُ، وَهُوَ مُحَالٌ”
طبعاً هذه سفسطة مضحكة فإن العقليات تنقسم إلى قسمين قسم قطعي وهذايندرج تحته ما يدل على النبوة وقسم ظني وهو عامة ما يذكره المتكلمون مخالفي النصوص والذي يتنازع فيه القدري والجبري والمعطل والمشبه والرازي يثبت الجن والملائكة وتفاصيل السمعيات بالنصوص بحجة أن النبوة لا تتوقف عليها وكان ينبغي عليه أن يقول في تفاصيل الصفات بل حقيقة النبوة أنها كلام من الله للخلق وهذا ما نفاه المعطلة وكما أن العاقل يذهب للطبيب الحاذق في صنعته فكذلك المرء في النبوات والإلهيات يلجأ للأنبياء وما أخبروا عن ربهم وإذا كان كلام النبي لا يستفاد منه اليقين فهل يستفاد من كلام أرسطو وأفلاطون وغيرهم وأنتم كلكم تقرون بأنهم قالوا بأن الله لا يعلم بالجزئيات وأنهم قالوا بأن الأجسام لا تبعث وشبهاتهم في هذا كشبهات عباد الأصنام التي نسفت بالوحي
نسفاً وأنتم ترون في هذه المسائل ما في الوحي أهدى من كلام النظار وتسخرون من كلام النظار في هذا بما جاء في الوحي فهل عممتهم هذا حتى تدخلوا في الصفات
قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية:
” وقد كان الثقة يحدث عن الشيخ أبي عمرو ابن الصلاح أنه لما رأى قوله إن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين لعنه على ذلك وقال هذا تعطيل الإسلام”
المقصود هنا الرازي هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم