جاء في كتاب الحاوي للماوردي وهو يذكر مذاهب الناس في أقل ما يقطع به يد السارق :” وقال الليث بن سعد أقل ما نقبل منه اثنان وسبعون درهما”
ثم قال :” وأما الليث بن سعد فاستدل لمذهبه بقوله تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} (التوبة: 25) .
فعدت فكانت اثنين وسبعين موطنا”.
تأمل هذا الغوص العجيب لم يكن عند الليث في المسألة سوى حديث عائشة أنه لم يكن يقطع في زمن رسول الله بسرقة الشيء القليل فأراد ضبط الكثير فاستعرض القرآن كاملاً في ذهنه حتى وصل عند هذه الآية ( ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة ) فعد المواطن التي انتصر فيها المسلمون فوجدها اثنين وسبعين موطنا فضبط بها الأمر وقال السارق يقطع بسرقة اثنين وسبعين درهماً فما فوق
لك أن تتصور أن الليث بن سعد له فتاوى وتحريرات في كل مسائل الفقه في جميع الأبواب في العبادات والمعاملات عشرات آلاف المسائل ينظر فيها من خلال معرفته بالكتاب والسنة والآثار ويقضي بذلك بين الناس
ومثله مالك في المدينة وسفيان في الكوفة والأوزاعي في الشام وغيرهم من العلماء في كل الأمصار ومثلهم من جاء بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق
زيادة على أنهم كانوا يتناظرون ويتحاورون ويتكاتبون في المسائل التي يختلفون فيها ويجتهد كل طرف منهم بالاستدلال لقوله ويستعرض لذلك ما عنده من معرفة الكتاب والسنة والآثار
فإذا كان المرء فيهم يستعرض كتاب الله في كل مسألة تعرض له مع ما عنده من الأحاديث والآثار فهل تظن أحداً أعلم من هؤلاء بكتاب الله
وهم أنفسهم نقاد الأحاديث لذا هم أعلم الناس بما يخالف القرآن وما لا يخالفه وهم لهم فتاوى في كل مسائل الشريعة لذا هم أعلم الناس بمقاصدها ، لهذا لا تغتر بظالم لنفسه في عصر ما بعد الاستعمار يزعم لك أن القوم كانوا ينظرون للإسناد ولا ينظرون للمتن فهم كانوا أكثر الناس نظراً في هذه المتون لأنهم كانوا يفتون الناس بهذه المتون ويتكلفون النظر فيها للاستدلال والمناظرة وإلزام الخصوم وهؤلاء هم أنفسهم علماء الحديث الذين صححوا وضعفوا
والعجب أن المعترضين في الغالب لا يدعون مخالفة القرآن للسنة إلا بشيء كانت فيه السنة