استخراج بعض قواعد المحدثين من أدلة القرآن الكريم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذه محاولة لاستخراج عدد من قواعد المحدثين من القرآن الكريم

القاعدة الأولى : مشروعية الجرح والتعديل

قال الله تعالى (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ
مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ )

ولا يعرف المرضي من غير المرضي إلا بالجرح والتعديل فيقال ( هذا مرضي
) وهذا تعديل و (هذا غير مرضي ) وهذا جرح ، وإذا جاز الجرح والتعديل لحفظ الأموال والفروج
فالجرح والتعديل من أجل الحفاظ على الدين من باب أولى

وقد يستفاد هذا من قوله تعالى ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) ولا يتميز
الفاسق عن غير الفاسق إلا بالجرح والتعديل

القاعدة الثانية : وجوب قبول أخبار الثقات

قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ
وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ
اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )

أقول : ما أمرهم بالتبليغ وتوعدهم على الكتمان إلا وقبول بلاغهم واجب

وقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )

وهذا يدل بدلالة مفهوم المخالفة على قبول خبر الثقة

فإن قيل : ألا يدل بدلالة المفهوم على قبول خبر المجهول

فيقال : هذا المفهوم عارضه ما هو أقوى منه كما سيأتي في القاعدة التالية
، والمجهول قد يكون فاسقاً

القاعدة الثالثة : رد خبر المجهول

قال الله تعالى (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ
مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ )

ولا يُرضى إلا من يُعرف

وقال الله تعالى ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) ولا علم لنا بضبط المجهول
ولا عدالته

وقد يستدل بهذه الأدلة على رد الخبر المنقطع إذ أن فيه جهالة الساقط من
السند

القاعدة الرابعة : جمع الطرق قبل الحكم وعدم الاكتفاء بطريق واحدة

قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )

فأمر الله عز وجل بالتبين من خبر الفاسق ، وإنما يكون التبين بالنظر هل
تابعه ثقة على ما قال أم لم يتابعه أحد

القاعدة الخامسة : الأسانيد الواهية لا يقوي بعضها بعضاً

قال الله تعالى (وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا
أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ
الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا
عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ
جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )

فإخوة يوسف جماعة ومع ذلك لم يقوِ خبر أحد منهم خبرَ الآخر ، والسبب في
ذلك أنهم تواطئوا على قول غير الحقيقة ، وكذلك روايات المتروكين والكذابين لا يقوي
بعضها بعضاً

القاعدة السادسة : تقوية الضعيف المحتمل بمثله ما لم يكن خبره منكراً

قال الله تعالى (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ
مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا
الْأُخْرَى )

استدل غير واحد بهذه الآية على قاعدة بعض المحدثين في تقوية حديث محتمل
الضعف بمثله ما لم يكن خبره منكراً

وهذا الاستدلال قد يناقش ، بأن هذه الآية تصلح دليلاً على أن رواية الضعيف
المحتمل ترجح رواية ثقة على ثقة في حال التعارض ، هذا غاية ما في الأمر ، إذ أن الشهادة
لا يحتاج إليها إلا في حال وجود المعارض ، أما إذا وجد الإقرار فلا حاجة إلى الشهادة
، وإن كانت القاعدة صحيحة

فإن قيل : ما باب قبول الواحد في الرواية واشتراط اثنين في الشهادة 

فيقال : في الرواية لا يوجد معارض ولو تعارض اثنين في الرواية لاحتجنا لمرجح 

والشهادة التي يحتاج فيها لاثنين هي لإثبات شيء ينكره المدعى عليه ويحلف عليه 

فالإنكار منه شهادة ويمينه شهادة أخرى ، وادعاء المدعي عليه شهادة والشاهد الأول شهادة 

فهنا اثنان في مقابل اثنين فلا بد من مرجح ثالث وهو الشاهد الثاني 

وهذا يدحض قول الجهلة الذين يشترطون اثنين لقبول الحديث الصحيح كعدنان إبراهيم 

وخبر الواحد الصحيح الذي يصححه المحدثون في العادة تكون احتفت به قرائن كثيرة كما أنه عمل عام وقول عام يشاهده كل الناس وإقرارهم يقويه بخلاف الشهادة فهي حوادث خاصة    

القاعدة السابعة : العمل بالوجادة الصحيحة

قال الله تعالى (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ
فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ
رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ
وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
)

على قول من قال أن الكنز هو كتاب علم ، يكون دليلاً على العمل بالوجادة
الصحيحة

القاعدة الثامنة : الضبط ضبطان ضبط حفظ وضبط كتاب

أما ضبط الحفظ فإليه الإشارة بقوله تعالى (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ
إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى )

وأما ضبط الكتاب فإليه الإشارة بقوله تعالى (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ
يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ
وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ
الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ
وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ )

القاعدة التاسعة : المنقطع ليس بحجة

تقدم ذكر الأدلة عند الكلام على رواية المجهول

وقال الله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي
بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)

وقال الله تعالى (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ
إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ )

فحصر طرق إدراك العلم بالوقوف على الشيء ، والخبر الثابت الصحيح ( الأثارة
من العلم ) ، فخرج بذلك المنقطع

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم