فمن المشهور عند الناس الاستدلال بحديث
الشفاعة على عدم تكفير تارك الصلاة ، وقد أجاب الناصرون لمقالة الصحابة وعامة أهل
الحديث في تكفير تارك الصلاة بأجوبة كثيرة ليس هذا محل بسطها من أشهرها ما ذكره
ابن خزيمة في آخر كتاب التوحيد
غير أن الجديد هنا أن حديث الشفاعة نفسه
استخرج منه ابن تيمية دليلاً على كفر تارك الصلاة
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (7/612)
:” وقد ثبت فى الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما فى
الحديث الطويل حديث التجلي أنه إذا تجلى تعالى لعباده يوم القيامة سجد له المؤمنون
وبقي ظهر من كان يسجد فى الدنيا رياء وسمعة مثل الطبق لا يستطيع السجود فإذا كان
هذا حال من سجد رياء فكيف حال من لم يسجد قط وثبت أيضا فى الصحيح أن النار تأكل من
ابن آدم كل شيء الا موضع السجود فان الله حرم على النار أن تأكله فعلم أن من لم
يكن يسجد لله تأكله النار كله وكذلك ثبت فى الصحيح أن النبى يعرف أمته يوم القيامة
غرا محجلين من آثار الوضوء فدل على أن من لم يكن غرا محجلا لم يعرفه النبى فلا
يكون من أمته”
فاستدل بثلاثة أخبار على كفر تارك الصلاة
في حديث الشفاعة وأحاديث الحوض
أولها : استدلاله بأنه لا يسجد لله إذا تجلى
إلا من كان يسجد له في الدنيا مخلصاً ، وأن من كان يسجد نفاقاً يعود ظهره طبقاً
وهذا موطن هلكة فكيف بمن لا يسجد أصلاً فهذا لا شك أنه شر من المنافق الذي يعود
ظهره طبقاً
ثانيها : استدلاله بأن النار لا تحرق
مواضع السجود فدل على أن من لا يصلي تغيبه النار تماماً وقد قال تعالى ( لا يصلاها
إلا الأشقى )
وقال ابن كثير في تفسيره :” { يَصْلاهَا
} أي: يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه”
ثالثها : أن الأمة يأتون غراً محجلين فمن
كان لا يتوضأ ولا يصلي فليس الأمة وهذا دليل قوي جداً
وقد أجاب ابن تيمية على أدلة غير المكفرين
بل وصفهم بأنهم يستدلون استدلالات المرجئة !
فقال كما في مجموع الفتاوى (7/613)
:” و أيضا فإن شعار المسلمين الصلاة ولهذا يعبر عنهم بها فيقال اختلف أهل
الصلاة وإختلف أهل القبلة والمصنفون لمقالات المسلمين يقولون مقالات الإسلاميين
واختلاف المصلين وفى الصحيح من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك
المسلم له ما لنا وعليه ما علينا وأمثال هذه النصوص كثيرة فى الكتاب والسنة
وأما الذين لم يكفروا بترك الصلاة ونحوها فليست
لهم حجة الا وهي
متناولة للجاحد كتناولها للتارك فما كان
جوابهم عن الجاحد كان جوابا لهم عن التارك مع أن النصوص علقت الكفر بالتولى كما
تقدم وهذا مثل استدلالهم بالعمومات التى يحتج بها المرجئة كقوله من شهد أن لا إله
إلا الله وأن محمدا رسول الله وان عيسى عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى مريم
وروح منه أدخله الله الجنة ونحو ذلك من النصوص
وأجود ما اعتمدوا عليه قوله خمس صلوات كتبهن
الله على العباد فى اليوم والليلة فمن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله
الجنة ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله
االجنة قالوا فقد جعل غير المحافظ تحت المشيئة والكافر لا يكون تحت المشيئة ولا
دلالة فى هذا فإن الوعد بالمحافظة عليها والمحافظة فعلها فى أوقاتها كما أمر كما
قال تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وعدم المحافظة يكون مع فعلها بعد
الوقت كما آخر النبى صلى الله عليه و سلم صلاة العصر يوم الخندق فأنزل الله آية
الأمر بالمحافظة عليها وعلى غيرها من الصلوات
وقد قال تعالى فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة
واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا فقيل لابن مسعود وغيره ما اضاعتها فقال تأخيرها عن
وقتها فقالوا ما كنا نظن ذلك إلا تركها فقال لو تركوها لكانوا كفارا وكذلك قوله
فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون
ذمهم مع أنهم يصلون لأنهم سهوا عن حقوقها
الواجبة من فعلها فى الوقت واتمام افعالها المفروضة كما ثبت فى صحيح مسلم عن النبى
أنه قال تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا
كانت بين قرنى شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا فجعل هذه صلاة
المنافقين لكونه آخرها عن الوقت ونقرها
وقد ثبت فى الصحيح عن النبى أنه ذكر الأمراء
بعده الذين يفعلون ما ينكر وقالوا يا رسول الله أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا وثبت
عنه أنه قال سيكون أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها ثم إجعلوا
صلاتكم معهم نافلة فنهى عن قتالهم اذا صلوا وكان فى ذلك دلالة على أنهم إذا لم
يصلوا قوتلوا وبين أنهم يؤخرون الصلاة عن وقتها وذلك ترك المحافظة عليها لا تركها”
واستدلاله بحديث ( لا ما صلوا ) من أحسن
الاستدلالات
ومما يؤيد الإلزام الذي ذكره ابن تيمية _ رحمه
الله _ أن في بعض ألفاظ حديث الشفاعة ( بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ) والفقرة
الثانية تشمل القول والعمل والمخالف لا يقر بذلك ولا يقر باستثناء تارك القول ،
وقوله ( لم يعملوا ) يشمل عمل القلب وعمل الجوارح والمخالف يستثني عمل الجوارح فقط
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم ترك
الصلاة شركاً فإخراجها من الشرك غلط عظيم
قال مسلم في صحيحه ( 82 ) حدثنا أبو غسان المسمعي حدثنا الضحاك
بن مخلد عن ابن جريج قال أخبرني أبو
الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يقول
:
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة
ويقال لمن قال ( لا يخرج من الإسلام إلا
بالشرك )
سب الله ما هو عندك ؟
فإن قال : كفر أكبر ويخرج من الملة
فيقال : فهل تسميه شركاً ؟
فإن قال : نعم
قيل له : وكذلك مخالفك يسمي ترك الصلاة
شركاً كما في ورد في الخبر
وإن قال : هو كفر أكبر ولا أسميه شركاً
قيل له : نقضت على نفسك بقولك لا يخرج من
الإسلام إلا الشرك
ومن لطائف الاستدلالات على كفر تارك
الصلاة
الاستدلال بما روى أحمد في مسنده 22160 – حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
عُبَيْدِ اللهِ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ حَبِيبٍ حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِي
أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: ” لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا
انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ
نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ “
وما ذهب آخره لم يبق منه شيء ( وهذا
الاستدلال مروي عن أحمد )
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم