فقد رأيت بحثاً لبعض المنتسبين لما يسمى إعلامياً بالتيار الجهادي في تخريج حديث ( لا تقطع الأيدي في الغزو )
انفصل فيه إلى تضعيفه والصواب فيما قال غير أنه جنح إلى تضعيف هذا القول ودعوى أنه
لا يصح عن الصحابة ما يعضده
وهذه مجازفة
فقد بوب الإمام سعيد بن منصور في سننه َبابُ
كَرَاهِيَةِ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ
ثم أورد تحته عدة أخبار أقتصر على الثابت
منها
قال سعيد بن منصور 2501- حَدَّثَنَا
عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ،
قَالَ : كُنَّا فِي جَيْشٍ فِي أَرْضِ الرُّومِ ، وَمَعَنَا حُذَيْفَةُ بْنُ
الْيَمَانِ ، وَعَلَيْنَا الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ ، فَشَرِبَ الْخَمْرَ ،
فَأَرَدْنَا أَنَّ نُحِدَّهُ ، قَالَ حُذَيْفَةُ : أَتُحِدُّونَ أَمِيرَكُمْ ؟
وَقَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فَيَطْمَعُونَ فِيكُمْ فَبَلَغَهُ ، فَقَالَ :
لأَشْرَبَنَّ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً ، وَلأَشْرَبَنَّ عَلَى رَغْمِ مَنْ
رَغِمَ.
وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الشيخين وربما
تعنت بعضه وأعله بعنعنة الأعمش
فيقال : حتى من يعل بعنعنة الأعمش يستثني
روايته عن إبراهيم لأنه من أخص تلاميذه
قال أبو داود في مسائله عن أحمد 138- سمعت
أحمد سُئل عن الرجل يُعرف بالتدليس، يُحتج فيما لم يقـ[ـل فيه سمعت]؟ قال: لا أدري.فقلت:
الأعمش متى تصاد له الألفاظ؟ قال: يضيق هذا، أي أنك تحتج به.
وهذا الخبر عن حذيفة أورده ابن أبي شيبة
في المصنف أيضاً
وقال سعيد بن منصور 2502- حَدَّثَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُهَاجِرٍ ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : أُتِيَ سَعْدٌ
بِأَبِي مِحْجَنٍ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ ، فَأَمَرَ بِهِ
إِلَى الْقَيْدِ ، وَكَانَتْ بِسَعْدٍ جِرَاحَةٌ فَلَمْ يَخْرُجْ يَوْمَئِذٍ إِلَى
النَّاسِ قَالَ : وَصَعِدُوا بِهِ فَوْقَ الْعُذَيْبِ لَيَنْظُرَ إِلَى النَّاسِ ،
وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ (1)، فَلَمَّا الْتَقَى
النَّاسُ ، قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ :
كَفَى حَزَنًا أَنْ تُطْرَدَ الْخَيْلُ
بِالْقَنَا … وَأُتْرَكَ مَشْدُودًا عَلَيَّ وِثَانِيَا.
فَقَالَ لاِبْنَةِ حَصْفَةَ امْرَأَةِ
سَعْدٍ : أَطْلِقِينِي وَلَكِ اللَّهُ عَلَيَّ إِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ أَنْ
أَرْجِعَ
حَتَّى أَضَعَ رِجْلِي فِي الْقَيْدِ ،
وَإِنْ قُتِلْتُ اسْتَرَحْتُمْ مِنِّي ، قَالَ : فَحَلَّتْهُ – حِينَ الْتَقَى
النَّاسُ عَلَيَّ فَوَثَبَ عَلَى فَرَسٍ لِسَعْدٍ يُقَالُ لَهَا الْبَلْقَاءُ ،
ثُمَّ أَخَذَ رُمْحًا ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَجَعَلَ لاَ يَحْمِلُ عَلَى نَاحِيَةٍ
مِنَ الْعَدُوِّ إِلاَّ هَزَمَهُمْ ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ : هَذَا مَلَكٌ
لِمَا يَرَوْنَهُ يَصْنَعُ ، وَجَعَلَ سَعْدٌ يَقُولُ : الضَّبْرُ ضَبْرُ
الْبَلْقَاءِ ، وَالطَّعْنُ طَعْنُ أَبِي مِحْجَنٍ ، وَأَبُو مِحْجَنٍ فِي
الْقَيْدِ فَلَمَّا هُزِمَ الْعَدُوُّ ، رَجَعَ أَبُو مِحْجَنٍ حَتَّى وَضَعَ
رِجْلَهُ فِي الْقَيْدِ ، وَأَخْبَرَتِ ابْنَةُ حَصْفَةَ سَعْدًا بِمَا كَانَ مِنْ
أَمْرِهِ ، فَقَالَ سَعْدٌ : لاَ وَاللَّهِ : لاَ أَضْرِبُ بَعْدَ الْيَوْمِ
رَجُلاً أَبْلَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى يَدَيْهِ مَا أَبْلاَهُمْ فَخَلَّى
سَبِيلَهُ ، فَقَالَ أَبُو مِحْجَنٍ : قَدْ كُنْتُ أَشْرَبُهَا إِذْ يُقَامُ
عَلَيَّ الْحَدُّ ، وَأَطْهُرُ مِنْهَا ، فَأَمَّا إِذَا بَهْرَجْتَنِي فَلاَ
وَاللَّهِ لاَ أَشْرَبُهَا أَبَدًا.
وهذا إسناد صحيح وهو اضح في المسألة
وقد ادعى إجماع الصحابة على أن الحدود لا
تقام في دار الحرب ابن قدامة المقدسي
قال ابن قدامة في المغني (21/148) :”
وَلِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَرَوَى سَعِيدٌ ، فِي سُنَنِهِ
بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ عُمَرَ
كَتَبَ إلَى النَّاسِ ، أَنْ لَا يَجْلِدَنَّ أَمِيرُ جَيْشٍ وَلَا سَرِيَّةٍ
رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَدًّا ، وَهُوَ غَازٍ ، حَتَّى يَقْطَعَ الدَّرْبَ
قَافِلًا ؛ لِئَلَّا تَلْحَقَهُ حَمِيَّةُ الشَّيْطَانِ ، فَيَلْحَقَ
بِالْكُفَّارِ .
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مِثْلُ ذَلِكَ .
وَعَنْ عَلْقَمَةَ ، قَالَ : كُنَّا فِي
جَيْشٍ فِي أَرْضِ الرُّومِ ، وَمَعَنَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، وَعَلَيْنَا
الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَحُدَّهُ ،
فَقَالَ حُذَيْفَةُ :
أَتَحُدُّونَ أَمِيرَكُمْ وَقَدْ
دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ ، فَيَطْمَعُوا فِيكُمْ .
وَأُتِيَ سَعْدٌ بِأَبِي مِحْجَنٍ يَوْمَ
الْقَادِسِيَّةِ ، وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ ، فَأَمَرَ بِهِ إلَى الْقَيْدِ ،
فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ : كَفَى حَزَنًا أَنْ تُطْرَدَ
الْخَيْلُ بِالْقَنَا وَأُتْرَكَ مَشْدُودًا عَلَيَّ وَثَاقِيَا وَقَالَ لِابْنَةِ
حَفْصَةَ امْرَأَةِ سَعْدٍ : أَطْلِقِينِي ، وَلَك اللَّهُ عَلَيَّ إنْ سَلَّمَنِي
اللَّهُ أَنْ أَرْجِعَ حَتَّى أَضَعَ رِجْلِي فِي الْقَيْدِ ، فَإِنْ قُتِلْت ،
اسْتَرَحْتُمْ مِنِّي .
قَالَ : فَحَلَّتْهُ حِينَ الْتَقَى
النَّاسُ ، وَكَانَتْ بِسَعْدٍ جِرَاحَةٌ ، فَلَمْ يَخْرُجْ يَوْمَئِذٍ إلَى
النَّاسِ .
قَالَ : وَصَعِدُوا بِهِ فَوْقَ
الْعُذَيْبِ يَنْظُرُ إلَى النَّاسِ ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ
عُرْفُطَةَ ، فَوَثَبَ أَبُو مِحْجَنٍ عَلَى فَرَسٍ لِسَعْدٍ يُقَال لَهَا
الْبَلْقَاءُ ، ثُمَّ أَخَذَ رُمْحًا ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَجَعَلَ لَا يَحْمِلُ
عَلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْعَدُوِّ إلَّا هَزَمَهُمْ ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ
: هَذَا مَلَكٌ ؛ لِمَا يَرَوْنَهُ يَصْنَعُ ، وَجَعَلَ سَعْدٌ يَقُولُ : الضَّبْرُ
ضَبْرُ الْبَلْقَاءِ ، وَالطَّعْنُ طَعْنُ أَبِي مِحْجَنٍ ، وَأَبُو مِحْجَنٍ فِي
الْقَيْدِ .
فَلَمَّا هُزِمَ الْعَدُوُّ ، رَجَعَ
أَبُو مِحْجَنٍ حَتَّى وَضَعَ رِجْلَيْهِ فِي الْقَيْدِ .
فَأَخْبَرَتْ ابْنَةُ حَفْصَةَ سَعْدًا
بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ ، فَقَالَ سَعْدٌ : لَا وَاَللَّهِ ، لَا أَضْرِبُ
الْيَوْمَ رَجُلًا أَبْلَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِهِ مَا أَبْلَاهُمْ .
فَخَلَّى سَبِيلَهُ .
فَقَالَ أَبُو مِحْجَنٍ : قَدْ كُنْت
أَشْرَبُهَا إذْ يُقَامُ عَلَيَّ الْحَدُّ وَأَطْهُرُ مِنْهَا ، فَأَمَّا إذَا
بَهْرَجَتْنِي ، فَوَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُهَا أَبَدًا .
وَهَذَا اتِّفَاقٌ لَمْ يَظْهَرْ
خِلَافُهُ .
فَأَمَّا إذَا رَجَعَ ، فَإِنَّهُ يُقَامُ
الْحَدُّ عَلَيْهِ ؛ لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ”
وقال ابن القيم في أعلام الموقعين :” المثال الثاني أن النبي ص – نهى أن تقطع الأيدي
في الغزو رواه أبو داود فهذا حد من حدود الله تعالى وقد نهى عن إقامته في الغزو
خشية أن يترتب عله ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه
بالمشركين حمية وغضبا كما قاله عمرو أبو الدرداء وحذيفة وغيرهم وقد نص أحمد وإسحاق
بن راهويه والأوزاعي وغيرهم من علماء الإسلام على أن الحدود
لا تقام على ارض العدو وذكرها أبو القاسم الخرقي
في مختصره فقال لا يقام الحد على مسلم في أرض العدو وقد أتى بشر بن أرطاة برجل من
الغزاة قد سرق مجنة فقال لولا أني سمعت رسول الله ص – يقول لا تقطع الأيدي في
الغزو لقطعت يدك رواه أبو داود وقال أبو محمد المقدسي وهو إجماع الصحابة “
إلى آخر كلامه الحسن في المسألة وقد أطنب
فيها إطناباً طيباً
ولا يجوز لأحد أن يقلد فقيهاً في أمر ثبتت فيه مخالفة هذا الفقيه للصحابة
ويقال لذلك الكاتب دولة الإسلام لا تقوم
على الجهل بالإسلام والمجازفات العلمية والأبحاث ذات المقدمات النفسية الجامحة، علماً بأن هذا الحكم إنما ينطبق على حال الصفين ، وأما إذا كانت بلاد الإسلام في حال حرب مع عدو وهناك مناطق وبلدان منها آمنة أو ليست في حالة اصطفاف فالحدود تقام بلا خلاف وهذا مما يحمد فاعله
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم