ينشر بعض الدكاترة أن ابن الهثيم صاحب البصريات كان عامياً غير متدين
والواقع أن هذا غير صحيح فابن الهيثم كان متأثراً بفلاسفة اليونان مع انتسابه للإسلام وبالفكرة القائلة أن الفاضل ينبغي أن يبتعد عن الملذات حتى المباحة حتى يصفو له ذهنه
وقبل أن نبين هذا علينا بيان موقفه من النبوات والشريعة
فقد ذكر صاحب كتاب عيون الأنبا في طبقات الأطبا أنه له رداً على الرازي في النبوات والإلهيات
وذكر في مصنفاته : كتاب لَهُ فِي إِثْبَات النبوات وإيضاح فَسَاد رَأْي الَّذين يَعْتَقِدُونَ بُطْلَانهَا وَذكر الْفرق بَين النَّبِي والمتنبي
مقَالَة لمُحَمد بن الْحسن فِي إِيضَاح تَقْصِير أبي عَليّ الجبائي فِي نقضه بعض كتب ابْن الراوندي ولزومه مَا ألزمهُ إِيَّاه ابْن الراوندي بِحَسب أُصُوله وإيضاح الرَّأْي الَّذِي لَا يلْزم مَعَه اعتراضات ابْن الراوندي
والجبائي يرد على ابن الراوندي طعونه في القرآن وابن الهيثم يبين الطريقة الصحيحة في الرد على ابن الراوندي إذ لم تعجبه طريقة الجبائي لكونه معتزلياً
وذكر من مصنفاته : مقَالَة فِي أَن الدَّلِيل الَّذِي يسْتَدلّ بِهِ المتكلمون على حُدُوث الْعَالم دَلِيل فَاسد وَالِاسْتِدْلَال على حُدُوث الْعَالم بالبرهان الاضطراري وَالْقِيَاس الْحَقِيقِيّ
مقَالَة لَهُ يرد فِيهَا على الْمُعْتَزلَة رَأْيهمْ فِي حُدُوث صِفَات الله تبَارك وَتَعَالَى
رِسَالَة لَهُ فِي الرَّد على الْمُعْتَزلَة رَأْيهمْ فِي الْوَعيد
وهذا معناه أنه يخالف أرسطو والآخرين في قولهم بقدم العالم ومعناه أنه أقرب لطريقة أهل الحديث والمتكلمين من ابن سينا وأن رأيه قريب من رأي ابن تيمية أن استدلالات المتكلمين فاسدة وإن كان حدوث العالم صحيحاً
وردوده على المعتزلة تدل على أنه لم يكن عامياً بل كان متعمقاً في الإلهيات
والآن مع ذكر ما يدل على بعده عن الدنيا وإيثاره التزهد
جاء في ترجمته في عيون الأنبا : هُوَ أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن الْحسن بن الْهَيْثَم أَصله من الْبَصْرَة ثمَّ انْتقل إِلَى الديار المصرية وَأقَام بهَا إِلَى آخر عمره
وَكَانَ فَاضل النَّفس قوي الذكاء متفننا فِي الْعُلُوم
لم يماثله أحد من أهل زَمَانه فِي الْعلم الرياضي وَلَا يقرب مِنْهُ
وَكَانَ دَائِم الِاشْتِغَال كثير التصنيف وافر التزهد محبا للخير.
تأمل قوله : ( وافر التزهد )
وقال أيضاً :” واعتكف آخر حياته في الجامع الأزهر : ثمَّ إِنَّه سَافر إِلَى ديار مصر وَأقَام بِالْقَاهِرَةِ فِي الْجَامِع الْأَزْهَر بهَا
وَكَانَ يكْتب فِي كل سنة إقليدس والمجسطي ويبيعهما ويقتات من ذَلِك الثّمن
وَلم تزل هَذِه حَاله إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله”
فالرجل آخر حياته كان معتكفاً في الجامع الأزهر وهذا يدل على ما تقدم
وجاء فيها أيضاً :” وَخرج عَن دَاره واستوطن قبَّة على بَاب الْجَامِع الْأَزْهَر أحد جَوَامِع الْقَاهِرَة
وَأقَام بهَا متنسكا متعزيا مقتنعا”
تأمل قوله : ( متنسكا)
ومن كلام ابن الهيثم : وَقلت فِي ذَلِك كَمَا قَالَ جالينوس فِي كِتَابه فِي النبض الْكَبِير لَيْسَ خطابي فِي هَذَا الْكتاب لجَمِيع النَّاس بل خطابي لرجل مِنْهُم يوازي أُلُوف رجال بل عشرات أُلُوف رجال إِذْ كَانَ الْحق لَيْسَ هُوَ بِأَن يُدْرِكهُ الْكثير من النَّاس لَكِن هُوَ بِأَن يُدْرِكهُ الْفَهم الْفَاضِل مِنْهُم ليعرفوا رتبتي فِي هَذِه الْعُلُوم ويتحققوا منزلتي من إِيثَار الْحق جلّ وَعلا من طلب الْقرْبَة إِلَى الله فِي إِدْرَاك الْعُلُوم والمعارف النفسية ويعلموا تحققي بِفعل مَا فرضته هَذِه الْعُلُوم عَليّ من مُلَابسَة الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة وكلية الْخَيْر ومجانية كُلية الشَّرّ فِيهَا فَإِن ثَمَرَة هَذِه الْعُلُوم هُوَ علم الْحق وَالْعَمَل بِالْعَدْلِ فِي جَمِيع الْأُمُور الدينوية وَالْعدْل هُوَ مَحْض الْخَيْر الَّذِي يَفْعَله يفوز أَيْن الْعَالم الأرضي وبنعيم الْآخِرَة السماوي ويعتاض عَن صعوبة مَا يلقاه بذلك مُدَّة الْبَقَاء الْمُنْقَطع فِي دَار الدُّنْيَا دوَام الْحَيَاة منعما فِي الدَّار الْأُخْرَى