إياك والجلوس معهم وإن كانوا أكثر أهل البلد

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الخطيب البغدادي في تاريخه (8/ 611) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَر
بن بكير الْمُقْرِئ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حمزة بن أَحْمَدَ بْنِ مخلد الْقَطَّان، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الْحَسَن بن هَارُون الموصلي، قَالَ:

 سألت أبا عَبْد اللَّهِ أَحْمَد
بن مُحَمَّدِ بْنِ حنبل، فقلت: يا أبا عَبْد اللَّهِ أنا رجل من أهل الموصل والغالب
عَلَى أهل بلدنا الجهمية، وفيهم أهل سنة نفر يسير يحبونك، وقد وقعت مسألة الكرابيسي
نطقي بالقرآن مخلوق؟

 فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:
إياك إياك وهذا الكرابيسي لا تكلمه ولا تكلم من يكلمه، أربع مرات أو خمس مرات.

قُلْتُ: يا أبا عَبْد اللَّهِ، فهذا القول عندك فما تشاغب منه يرجع إِلَى
قول جهم؟ قَالَ: هذا كله من قول جهم.

هذا الأثر إسناده صحيح وفيه فوائد

الأولى : أمر الإمام أحمد ذلك الرجل أن يبتعد عن الكرابيسي اللفظي مع أن
الغالب على أهل البلد التجهم ، وفي هذا الرد على من زعم أن الهجر لا يصلح في البلدان
التي تعج بأهل البدع مطلقاً ، وقد نزل قول الله عز وجل ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ
يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ
) في سورة الأنعام وهي مكية أي كانت الشوكة لأهل الكفر وأهل الإسلام في استضعاف

الثانية : قوله ( ولا تكلم من يكلمه ) وقد ورد هذا عن الإمام في مسائل
ابن هانيء أيضاً وفيه هجران أهل البدع ومن يخالطهم ، إذ لا فائدة من هجرانهم ثم الجلوس
مع من ينقل شبهاتهم أو يدافع عنهم وهذا في حقيقته إلزام بالجرح

الثالثة : عدم وجود الموازنات فالكرابيسي من أهل العلم ومع ذلك حذر منه

وإني لأعجب ممن يترك هذه الآثار البينة ثم يحتج بما جاء في السنة للخلال
2092- أخبرنا أحمد بن محمد بن حازم ، قال : ثنا إسحاق بن منصور أنه قال لأبي عبد الله
: من قال القرآن مخلوق ، قال : الحق به كل بلية

 قال : فقال : كافر ؟ قال إي والله

 قلت : فنظهر لهم العداوة أن نجانبهم؟
قال : أهل خراسان لا يقوون بهم .

وشيخ الخلال لم أعرفه ، والكلام هنا على الهجر التعزيري ولهذا لما أورده
شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28/ 210) قال بعده :” فَإِنَّ الْهِجْرَةَ نَوْعٌ
مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ وَالْعُقُوبَةُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ الَّتِي
هِيَ تَرْكُ السَّيِّئَاتِ “

وشيخ الإسلام نفسه قرر الفرق بين الهجر الوقائي والهجر التعزيري تقريراً
لا مزيد عليه

قال شيخ الإسلام كما في [ جامع المسائل المجموعة الثامنة ص74 – ط دار عالم
الفوائد ت / محمد عزيز شمس ] :

الهجرة المشروعة كقوله تعالى : { والرجز فاهجر } وقوله : { وإذا رأيت الذين
يخوضون } وقوله : { وتولى عنهم } وقوله : { واهجرهم هجراً جميلاً } , وهجرة الصحابة
إلى الحبشة ثم إلى المدينة , وهجرة المسلم من دار الكفر إلى دار الإسلام , وهجرة الناس
من دار الفجور والبدعة إلى دار البر والسنة , وهجرة المعلنين بالمعاصي والمظهرين للبدع
, كما أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بهجرة الثلاثة الذين خلفوا , وأمر عمر بهجر
صبيغ بن عسل , وأمر الأئمة بهجران الدعاة إلى البدع بحيث لا يتخذون حكاماً ولا شهوداً
ولا أئمةً ولا مفتين ولا محدثين , ولا يجالسون ولا يخاطبون , ونحو ذلك , كل هذا له
مقصودان :

أحدهما : اشتمال ذلك على أداء الواجبات وترك المحرمات , فإن هجران الذنوب
تركها

 قال النبي صلى الله عليه وسلم
: المهاجر من هجر ما نهى الله عنه , والهجرة من دار الحرب ليتمكن المسلم من إقامة دينه
ولوائه الجهاد , ولئلا يقع فيما هم فيه , وكذلك هجران قرناء السوء

 لئلا يرى القبيح ويسمعه فيكون
شريكاً لهم كما قال تعالى : { إنكم إذن مثلهم } ولئلا يوقعوه في بعض ذنوبهم فإن المرء
على دين خليله , فلينظر أحدكم من يخالل

 فالأول يكون بترك مخالطتهم وقت
الذنوب , وإن خولطوا في غيرها للضرورة

 والثاني يكون بترك عشرتهم مطلقاً
, فإن المعاشرة قد تجر إلى القبيح , فمن كان مضطراً إلى معاشرتهم أو كان هو الحاكم
عليهم ديناً ودنيا فهذا لا ينهى عن المعاشرة , بخلاف ………. [ قال المحقق : كلمة
غير واضحة ] الذين قد يفسدون عقله أو دينه أو نحو ذلك .

المقصود الثاني : تضمنها نهي المهجور وتعزيره وعقوبته فيكون جزاءً له
… [ قال المحقق : كلمة مطموسة ] ولغيره من ضربائه , كسائر أنواع التعزير والعقوبات
المشروعة , فهذه الهجرة من جنس العقوبات والتعزيرات لتنكيل المهجور وغيره على ذلك الذنب
, وتلك الهجرة من جنس التقوى والاحتراز عن مواقعة المحظورات البدعية والفجورية

 فالأولى تحقيق التقوى , والثانية
تحقيق الجهاد

 فالأولى من فعل الذين هاجروا
, والثانية من فعل الذين جاهدوا { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم
في سبيل الله , والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض } ولهذا لا يصلح …. [
قال المحقق : كلمة مبتورة ] إلا مع المكنة والقدرة , كما لا تصلح المعاقبة إلا للقادر
المتمكن بخلاف الأولى

 ولهذا كانت الأولى مشروعة بمكة
, والثانية إنما شرعت بالمدينة بعد تبوك لما كان الإسلام في غاية القوة

 فإن الثانية تتضمن ترك السلام
عليه وترك عيادته وتقديمه في شيء من المراتب الدينية , كالإمامة والحكم والشهادة والحديث
والفتوى .

وهذا إذا كان ممن يؤثر في المهجور حصول المنفعة , وربما كان فيه منفعة
ومضرة فيراعى ما غلب منهما , وقد يختلف ذلك باختلاف الأحوال والأوقات , وتختلف فيه
الاجتهادات , وقد يستغنى عن الهجرة بالتأليف , فالغرض النهي عن المنكر بأقرب الطرق
وتحصيل المعروف على أكمل الوجه , والله أعلم .

وأهل السنة والحديث يهجرون الداعية إلى البدع من الكلام أو الرأي أو العبادة
, ولهذا كان أهل السنة قد تجنبوا فيها الرواية عن الدعاة إلى البدع عندهم من أهل الكلام
كعمر بن عبيد وغيره , ومن أهل الرأي كأهل الرأي من أهل الكوفة , وهو فعل أحمد ابن حنبل
معهم , وهذا تفصيله مذكور في غير هذا الموضع . اهـ كلامه قدس الله روحه

أقول : في كلام شيخ الإسلام عدة مسائل عظيمة

الأولى : تفريقه الواضح _ رحمه الله _ بين الهجر الوقائي الذي يقصد منه
مصلحة الهاجر ، والهجر التعزيري الذي يراد منه مصلحة المهجور

وتصريحه _ رحمه الله _ بأن الهجر ( الوقائي ) الذي يراد منه مصلحة الهاجر
، قد فرض في مكة ، أي أنه فرض في زمن الاستضعاف

وفي هذا الرد البليغ ، على من عطل الهجر بنوعيه بحجة أننا في زمن استضعاف
، وأننا لو ابتعدنا عن أهل البدع لعشنا في الكهوف .

وكلام شيخ الإسلام يدرك بشيءٍ من التأمل في كتاب الله عز وجل، فإن قوله
تعالى :” إِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ
حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ
بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” الذي يستدل به الأئمة على هجران
أهل البدع ، إنما هو في سورة الأنعام وهي سورة مكية

ولا ينكر أحد أن المسلمين كانوا مستضعفين في مكة ، و مع ذلك أمروا بالهجر
الوقائي .

المسألة الثانية : تفريقه بين ماهية تطبيق الهجر الوقائي المتضمن لترك
مجالسة أهل الأهواء ، وماهية تطبيق الهجر التعزيري المتضمن لترك مخاطبتهم ، و السلام
عليهم ، وغيرها من الأمور مهما كان لهم من الحسنات مما يهدم منهج الموازنات

 فالعلة التي علق عليها الحكم هي
الدعوة إلى البدع والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، ومثل ذلك من سرق نصاباً من حرز
فإن يده تقطع مهما كان له من الحسنات فإن ذلك لا يدفع عنه العقوبة الشرعية ، والسارق
إذا قطعت يده لم يمكنه استرجاعها ، وأما داعية البدعة فله الرجوع عن بدعته ، واستعادة
ما سلب منه من الحقوق بسبب إحداثه مع أن ضرره أعظم من ضرر السارق بكثير .

فلا بد من جمع نصوص العلماء حتى تفهم المسألة على وجهها

 فهذا شيخ الإسلام الذي جوز مخالطة
أهل البدع للضرورة يقول كما في مجموع الفتاوى (15/ 324) :

” وَهَكَذَا السُّنَّةُ فِي مُقَارِنَةِ الظَّالِمِينَ وَالزُّنَاةِ
وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ
يُقَارِنَهُمْ وَلَا يُخَالِطَهُمْ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَسْلَمُ بِهِ مِنْ عَذَابِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

 وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ
مُنْكَرًا لِظُلْمِهِمْ مَاقِتًا لَهُمْ شَانِئًا مَا هُمْ فِيهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ
كَمَا فِي الْحَدِيثِ : [ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ
أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ] وَقَالَ تَعَالَى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ
آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ } الْآيَةُ . وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ
وَعَمَلِهِ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ مِصْرَ لِقَوْمِ كُفَّارٍ “

فأين هذا من حال من يضاحكم ويوادهم ، بل ربما أظهر لهم من المودة والولاء
ما لا يظهر لأهل السنة

ونظير هذا الاجتزاء نقل بعضهم لما ورد في السنة للخلال 513- أَخْبَرَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى , قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ حَمْدَانُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ : وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُ : عُمَرُ
وَقَفَ , وَأَنَا أَقِفُ

 قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ :
وَمَا سَمِعْتُ أَنَا هَذَا مِنْ يَحْيَى .

حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ وَمَا سَأَلْتُ أَنَا عَنْ هَذَا
أَحَد , أَوْ مَا أصَنَعَ بِهَذَا ؟

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ , فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , مَنْ قَالَ
: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ هُوَ عِنْدَكَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ؟

 قَالَ : لاَ تُوقِفْنِي هَكَذَا
, كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ

 قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَحَدَّثَنِي
عَنْهُ أَبُو السَّرِيِّ عَبْدُوسُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ , قَالَ : إِخْرَاجُ النَّاسِ
مِنَ السُّنَّةِ شَدِيدٌ.

عبدوس الذي نقل هذه الكلمة لا توجد له ترجمة إلا في طبقات الحنابلة ، ولم
أرَ فيه جرحاً ولا تعديلاً وكلمة أحمد هذه محمولة على من لم تبلغه الأدلة في فضل عثمان
على علي فتوقف وإلا فأحمد نص على تقديم علي على عثمان قول سوء وإزراء على المهاجرين
والأنصار

قال الخلال في السنة 530- وَأَخْبَرَنِي زُهَيْرُ بْنُ صَالِحِ بْنِ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : سُئِلَ أَبِي وَأَنَا أَسْمَعُ
, عَنْ مَنْ يُقَدِّمُ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ مُبْتَدِعٌ ؟ قَالَ : هَذَا أَهْلٌ
أَنْ يُبَدَّعَ , أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِّمُوا
عُثْمَانَ.

وقال أيضاً 531- وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى , أَنَّ حَنْبَلاً
حَدَّثَهُمْ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , وَسُئِلَ عَنْ مَنْ يُقَدِّمُ
عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ هُوَ عِنْدَكَ مُبْتَدِعٌ ؟ قَالَ : هَذَا أَهْلٌ أَنْ يُبَدَّعَ
, أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِّمُوا عُثْمَانَ
بِالتَّفْضِيلِ

وقال الخلال أيضاً 532- وَأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ
, قَالَ : سَمِعْتُ هَارُونَ الدِّيكَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ
, يَقُولُ : مَنْ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , وَعُثْمَانُ فَهُوَ صَاحِبُ سُنَّةٍ
, وَمَنْ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَعُثْمَانُ فَهُوَ رَافِضِيُّ
, أَوْ قَالَ : مُبْتَدِعٌ.

533- قال أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ : حَدَّثَنَا صَالِحٌ
, أَنَّ أَبَاهُ قَالَ : أَهْلٌ أَنْ يُبَدَّعَ , أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِّمُوا عُثْمَانَ.

534- أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ , قَالَ لَهُ رَجُلٌ : مَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا على عُثْمَانَ ؟ قَالَ : ذَا
قَوْلُ سَوْءٍ.

وقال الخلال أيضاً 539- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ , أَنَّ
إِسْحَاقَ حَدَّثَهُمْ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , وَقِيلَ لَهُ : إِنَّ
رَجُلاً يَقُولُ : نُفَضِّلُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ , وَعَلِيٌّ مَعَهُمْ , وَنَتْرُكُ
عُثْمَانَ , فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ : قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : أَمَّرْنَا خَيْرَنَا
وَلَمْ نَأْلُ عَنْ أَعْلاَهَا , ذَا فَوْقٍ , وَبَيْعَتُهُ سَابِقَةٌ , هَذَا رَجُلُ
سُوءٍ , ثُمَّ أَخْرَجَ لِي كِتَابًا فِيهِ هَذِهِ الأَحَادِيثَ , فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِ.

وقال الخلال أيضاً 539- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ , أَنَّ
إِسْحَاقَ حَدَّثَهُمْ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , وَقِيلَ لَهُ : إِنَّ
رَجُلاً يَقُولُ : نُفَضِّلُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ , وَعَلِيٌّ مَعَهُمْ , وَنَتْرُكُ
عُثْمَانَ , فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ : قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : أَمَّرْنَا خَيْرَنَا
وَلَمْ نَأْلُ عَنْ أَعْلاَهَا , ذَا فَوْقٍ , وَبَيْعَتُهُ سَابِقَةٌ , هَذَا رَجُلُ
سُوءٍ , ثُمَّ أَخْرَجَ لِي كِتَابًا فِيهِ هَذِهِ الأَحَادِيثَ , فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِ.

وقال : 563 – أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ، قَالَ: ذَكَرْتُ
لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي التَّفْضِيلِ:
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ، فَعَجِبَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ

قُلْتُ: إِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ يَذْهَبُونَ إِلَى هَذَا

فَقَالَ: لَيْسَ يَقُولُ هَذَا أَحَدٌ إِلَّا مَزْكُومٌ، وَاحْتَجَّ بِمَنْ
فَضَّلَ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ فَذَكَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَقَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:
أَمَّرْنَا خَيْرَ مَنْ بَقِيَ، وَلَمْ نَأْلُ وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلَ
عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ فِي قِصَّةِ عُثْمَانَ: أَنَّهَا فَضَّلْتُهُ عَلَى عَلِيٍّ.

يريد ب( مزكوم ) أي مريض وهذا جرح

وقال الخلال في السنة 565- أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ , أَنَّهُ سَأَلَ
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قُلْتُ : أَلَيْسَ تَقُولُ : أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانُ
؟ قَالَ : أَمَّا فِي التَّخْيِيرِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ , قُلْتُ
: فَإِنَّهُ حُكِيَ لِي عَنْكَ أَنَّكَ تَقُولُ : إِذَا قَالَ : أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ , وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ , إِنَّ هَذَا عِنْدَكَ قَرِيبٌ بَعْضُهُ
مِنْ بَعْضٍ . فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ ثُمَّ قَالَ لِي : لاَ وَاللَّهِ مَا قُلْتُ هَذَا
قَطُّ , وَلاَ دَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ هَذَا قَوْلٌ هَكَذَا , وَأَنَا
لَمْ أَزَلْ أَقُولُ : أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَأَسْكُتُ . وَاغْتَمَّ
بِمَا حَكَيْتُ لَهُ مِنَ الْقَوْلِ.

فتأمل كيف اغتم أحمد بنقل من نقل عنه ، أنه يسهل في هذه المسألة فتأمل
!

وقال الخلال أيضاً 603- أَمْلَى عَلَيَّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ : سَمِعْتُ هَارُونَ بْنَ سُفْيَانَ , قَالَ :
قُلْتُ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , مَا تَقُولُ فِيمَنْ
قَالَ : أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ ؟ قَالَ : فَقَالَ : هَذَا قَوْلُ ابْنِ
عُمَرَ , وَإِلَيْهِ نَذْهَبُ , قُلْتُ : مَنْ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ
وَعَلِيٌّ ؟ قَالَ : صَاحِبُ سُنَّةٍ , قُلْتُ : فَمَنْ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
؟ قَالَ : قَدْ قَالَهُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ وَمَالِكٌ , قُلْتُ : فَمَنْ قَالَ :
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ ؟ فَقَالَ : هَذَا الآنَ شَدِيدٌ , هَذَا الآنَ شَدِيدٌ.

فتأمل قوله ( هذا الآن شديد ) أي بعد ظهور الأدلة

فاعجب ممن يترك كل هذه النصوص ثم يتشبث بذلك الأثر ، وكلها في كتاب واحد
وما يصنع هذا إلا صاحب هوى

بل ذهب أحمد إلى ما هو أبعد من ذلك فأمر بهجر من رد حديث سفينة في الخلافة

قال الخلال في السنة 638- أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ
, وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ : أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ قَالَ : جَاءَنَا
عَدَدٌ مَعَهُمْ رُقْعَةٌ قَدِمُوا مِنَ الرَّقَّةِ , وَجِئْنَا بِهَا إِلَى أَبِي
عَبْدِ اللَّهِ : مَا تَقُولُ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَنْ يَقُولُ : حَدِيثُ سَفِينَةَ
حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ أَنَّهُ بَاطِلٌ ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ :
هَذَا كَلاَمُ سَوْءٍ رَدِيءٌ , يُجَانَبُونَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ , وَلاَ يُجَالَسُونَ
, وَيُبَيَّنُ أَمْرُهُمْ لِلنَّاسِ.

وحديث سفينة خبر آحادي ، وفيه أنه يأخذ بخبر الآحاد في العقيدة والأدلة
على فضل عثمان على علي أكثر وأقوى من حديث سفينة

بل الإجماع انعقد على فضل عثمان على علي ، ونقل أحمد ذلك الإجماع ، وقد
نص شيخ الإسلام على تبديع من خالف تفسير السلف فكيف بمن خالف إجماعهم في مثل هذه المسألة

قال شيخ الإسلام في مقدمة التفسير :” وفي الجملة من عَدَل عن مذاهب
الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئًا في ذلك، بل مبتدعًا، وإن كان
مجتهدًا مغفورًا له خطؤه “

وقال أحمد فيمن طعن في خلافة علي ( هذا قول سوء ) ، وفضل عثمان على علي
أقوى ثبوتاً من صحة خلافة علي وكلاهما صحيح والطاعن فيهما بعد بلوغ الأدلة مبتدع

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم