قال ابن العربي المالكي في أحكام القرآن (6/363)
:” فَهَذَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَصَى قَطُّ
رَبَّهُ ، لَا فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا بَعْدَهَا ، تَكْرِمَةً مِنْ
اللَّهِ وَتَفَضُّلًا وَجَلَالًا ، أَحَلَّهُ بِهِ الْمَحَلَّ الْجَلِيلَ
الرَّفِيعَ ، لِيَصْلُحَ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهُ عَلَى كُرْسِيِّهِ لِلْفَصْلِ
بَيْنَ الْخَلْقِ فِي الْقَضَاءِ يَوْمَ الْحَقِّ”
فابن العربي وهو يسير على منهج الجهمية في
باب الصفات يقول بأثر مجاهد بالإجلاس ومثله ابن حجر العسقلاني، وليحذر من كون قرر عقيدة الأشاعرة في عصمة الأنبياء من الصغائر
قال ابن حجر في شرح البخاري (2/416)
:” قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : وَالْأَكْثَر عَلَى أَنَّ الْمُرَاد
بِالْمَقَامِ الْمَحْمُود الشَّفَاعَة ، وَقِيلَ إِجْلَاسه عَلَى الْعَرْش ،
وَقِيلَ عَلَى الْكُرْسِيّ ، وَحَكَى كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَنْ جَمَاعَة ،
وَعَلَى تَقْدِير الصِّحَّة لَا يُنَافِي الْأَوَّل لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون
الْإِجْلَاس عَلَامَة الْإِذْن فِي الشَّفَاعَة ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون
الْمُرَاد بِالْمَقَامِ الْمَحْمُود الشَّفَاعَة كَمَا هُوَ مَشْهُور وَأَنْ
يَكُون الْإِجْلَاس هِيَ الْمَنْزِلَة الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْوَسِيلَةِ أَوْ
الْفَضِيلَة . وَوَقَعَ فِي صَحِيح اِبْن حِبَّانَ مِنْ حَدِيث كَعْب بْن مَالِك
مَرْفُوعًا ” يَبْعَث اللَّه النَّاس ، فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً
خَضْرَاءَ ، فَأَقُول مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أَقُول ” فَذَلِكَ الْمَقَام
الْمَحْمُود ، وَيَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِالْقَوْلِ الْمَذْكُور هُوَ الثَّنَاء
الَّذِي يُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَيْ الشَّفَاعَة . وَيَظْهَر أَنَّ الْمَقَام
الْمَحْمُود هُوَ مَجْمُوع مَا يَحْصُل لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَة ، وَيُشْعِرُ
قَوْله فِي آخِرِ الْحَدِيثِ ” حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي ” بِأَنَّ
الْأَمْر الْمَطْلُوب لَهُ الشَّفَاعَة ، وَاَللَّه أَعْلَم “
وظاهر هذا أن ابن حجر يقول بهذا الأثر ! وقد
استظهر ذلك المعلقون على النونية في طبعة دار عالم الفوائد
بل له كلام آخر أوضح يدل على أخذه بالأثر
قال في شرح البخاري (18/403) :” وَيُمْكِن
رَدُّ الْأَقْوَال كُلّهَا إِلَى الشَّفَاعَة الْعَامَّة ، فَإِنَّ إِعْطَاءَهُ
لِوَاءَ الْحَمْد وَثَنَاءَهُ عَلَى رَبِّهِ وَكَلَامِهِ بَيْن يَدَيْهِ وَجُلُوسه
عَلَى كُرْسِيِّهِ وَقِيَامه أَقْرَبِ مِنْ جِبْرِيل كُلّ ذَلِكَ صِفَات
لِلْمَقَامِ الْمَحْمُود الَّذِي يَشْفَع فِيهِ لِيُقْضَى بَيْن الْخَلْق “
فتأمل كيف أن هذين السائرين على منهج
الجهمية الأشعرية في باب الصفات كيف أخذا بأثر مجاهد ولم يريا تعارضاً بينه وبين
حديث الشفاعة ، وقد كان ابن تيمية _ رحمه الله _ دقيقاً حين قال أن هذا الأثر لم
يرده إلا ( بعض ) الجهمية
واليوم من يدعي السنة يغلظ أيما إغلاظ على
من يأخذ بهذا الأثر ، وقد انقلب الأمر عما كان عليه في زمن السلف فصار هذا الأثر
عند بعض الناس علامة على ضلال القائل به !
وابن العربي هذا يعتمده الجهمية المعاصرون في القول بأن من يقول بدخول أبوي النبي صلى الله عليه وسلم للنار فهو كافر ! ، فما عساهم يقولون الآن ؟
وابن حجر هذا الذي يصولون به ويجولون
وقد نقل الطبري صاحب التفسير إجماع أهل السنة والجهمية على قبول أثر مجاهد
قال الذهبي في العلو ص205 :” 525 – أخبرنَا أَبُو الْفضل أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر أَنبأَنَا زين الْأُمَنَاء الْحسن بن مُحَمَّد أَنبأَنَا أَبُو الْقَاسِم الْأَسدي أَنبأَنَا أَبُو الْقَاسِم بن أبي الْعَلَاء أَنبأَنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي نصر أَنبأَنَا أَبُو سعيد الدينَوَرِي مستملي مُحَمَّد ابْن جرير قَالَ قريء على أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَأَنا أسمع فِي عقيدته فَقَالَ وَحسب إمرئ أَن يعلم أَن ربه هُوَ الَّذِي على الْعَرْش اسْتَوَى فَمن تجَاوز ذَلِك فقد خَابَ وخسر // تَفْسِير ابْن جرير مشحون بأقوال السّلف على الْإِثْبَات فَنقل فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} عَن الرّبيع بن أنس أَنه بِمَعْنى ارْتَفع
وَنقل فِي تَفْسِير {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش} فِي الْمَوَاضِع كلهَا أَي علا وارتفع
وَقد روى قَول مُجَاهِد ثمَّ قَالَ لَيْسَ فِي فرق الإِسْلامِ مَنْ يُنْكِرُ هَذَا لَا مَنْ يُقِرُّ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْش وَلَا من يُنكره من الْجَهْمِية وَغَيرهم”
تنبيه : وهنا إضافة أيضاً جاء في تفسير الثعلبي :” وروى سعيد الجروي عن سيف السدوي عن عبد الله بن سلام قال: إذا كان يوم القيامة يؤتي نبيكم صلّى الله عليه وسلّم فيقعد بين يدي الرب عزّ وجلّ على الكرسي.
وروى ليث عن مجاهد في قوله عزّ وجلّ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال:
يجلسه على العرش.
قال الأستاذ الإمام أبو القاسم الثعلبي: هذا تأويل غير مستحيل لأن الله تعالى كان قبل خلقه الأشياء قائما بذاته ثمّ خلق الأشياء من غير حاجة له إليها، بل إظهارا لقدرته وحكمته ليعرف وجوده وحده وكمال علمه وقدرته بظهور أفعاله المتقنة بالحكمة، وخلق لنفسه عرشا استوى عليه كما يشاء من غير أن صار له مما شاء أو كان له العرش مكان بل هو الآن على الصفة التي كان عليها قبل أن خلق المكان والزمان، فعلى هذا القول سواء أقعد محمدا صلّى الله عليه وسلّم على العرش أو على الأرض لأن استواء الله على العرش ليس بمعنى الاستقبال والزوال أو تحول الأحوال من القيام والقعود أو الحال الذي يشغل العرش، بل هو مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه بلا كيف، وليس إقعاده محمّدا صلّى الله عليه وسلّم على العرش موجبا له صفة الربوبية أو مخرجا إياه من صفة العبودية بل هو رفع لمحله وإظهار لشرفه وتفضيل له على غيره من خلقه، وأما قولهم: في الأخبار معه، فهو شابه قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ «1» ورَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ «2» ونحوهما من الآيات، كل ذلك راجع إلى الرتبة والمنزلة لا إلى المكان والجهة والله أعلم” يلاحظ أن فيه تجهماً ظاهراً في آخر الكلام ونفي للصفات الفعلية ومع ذلك أقر بأن أثر مجاهد غير مستحيل عقلاً فسبحان الله ثم يأتي منتسب للسنة ويقف شعره من أثر مجاهد
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم