إسقاط عقيدة أم إسقاط رجل
حصلت مناظرة بين شخصين في حال شخص متقدم، أحدهما يزعم أنه أشعري والأشعرية فرقة ضالة فينبغي الجزم بتضليله، والآخر يزعم أن في ذلك تعدياً عليه غير مقبول لأنه إمام متفق عليه، وسعى هذا الأخير بإثبات برائته من العقيدة الأشعرية البدعية، وأنه ليس أشعرياً خالصاً.
فما الذي حصل؟
قام جمع غفير من الأشاعرة بالتعليق على المناظرة، وتعليقاتهم مفادها متقارب، وهو أنهم زعموا أن الشخص المختلف فيه أشعري حقاً، وأن الطرف الذي نفى أشعريته مارس التلبيس لكي لا يظهر كم هي عظيمة تلك العقيدة الأشعرية التي اعتقدها ذلك الإمام العظيم، وأن الطرف الذي أثبت أشعريته طرف صادق ولكنه مبتلى بالتعصب لعقيدته الباطلة، وبالتالي التعدي على مخالفيه (هذا كلام الأشاعرة وليس كلامي).
فما الذي يجب أن يحصل؟
هل يجب على الطرف الذي نفى أشعرية ذلك الشخص أن يعقد مناظرة مع أحد كبار هؤلاء الذين هاجموه واتهموه بالتلبيس ليدافع أيضاً عن ذلك الإمام عنده، ويثبت خطأ نسبته لتلك العقيدة؟
إن فعل فإنه سيكون مشكلاً!
فإن قيل: كيف هذا؟
فيقال: أن تناقش أشعرياً في أسماء الله وصفاته والإيمان والقدر وغيرها من المسائل التي اختلف فيها الأشاعرة مع أهل السنة أولى من النقاش معهم في حال شخص بعينه.
وذلك أن هذه المسائل فيها أدلة من النصوص الشرعية، ونحن نعتقد أنهم خالفوا الأدلة في ذلك، وهذا أولى من أن نناقش في حال شخص نحتاج أن ننظر في مؤلفاته ومصطلحاته، ونقارن المتقدم مع المتأخر، والمجمل والمفصل في كلامه، فهذا إشغال للوقت في أمر غيره أولى منه (هذا في حال التزاحم لاختيار مناظرة، أما الرد العلمي المكتوب أو المسموع فيأتي على كل مباحث الخلاف والحجج).
وإذا حصل نقاش مع أشعري في هذا فهل سنتهمه بأنه سيهدم الدين ويخالف إجماع المسلمين، ويصطدم بصخرة النصوص التي تخالف مذهبه، وأنهم أهل مكر سيء.
أم سنترك كل هذا حتى لا نتهم بالتعصب والتشنج لأجل العقيدة؟
أيهما أشد شخص ثبت تهمة على رجل بريء واستغل هذا للترويج لعقيدة باطلة، أم شخص ثبت عليه هذه التهمة ونفر من هذه العقيدة الباطلة؟
لا شك أن من روج لتلك العقيدة الباطلة من خلاله أشد، فهل سيحظى بهجوم كالذي وقع على الشخص الذي يتهم بالغلو؟
من تكلم في شخص ونسبه لعقيدة باطلة أسقط شخصاً، ولكن من استخدم اسمه للترويج لعقيدة باطلة أسقط عقيدة صحيحة.
غير أن كل الوقائع والمعطيات تدل على أن ذوات الأشخاص حقاً أهم من العقيدة في ميزان كثيرين.
يقول لك: فلان جرأ الأغمار والصغار على فلان فيخشى عليه.
ولا يقال: فلان بسببه تجرأ الناس على الاعتقادات الباطلة فيخشى عليه (بل كثير منهم بعد الاعتقاد الباطل ما سلم منه أهل السنة من علماء وعوام).
وذلك أن مفهوم الذنب العقدي شبه متلاشي عند الكثير من الناس، وكثير من العامة لا يفهمونه، ولكن يفهمون جيداً أمر حقوق البشر (وكأن الله عز وجل ما وضح دينه، وكأن كلام الأئمة في أمر العقيدة والتصنيف فيها كان أمرا اعتباطياً، وقع لفراغ زائد وإلا الأمر ليس بذلك الخطب).
النقاش الذي حصل ليس إحياءً لشيء ميت بل هو مواجهة بين أفكار موجودة أصلاً، تأمل محاولة استخدام الأشاعرة لمعطيات المناظرة للترويج لمعتقدهم، وهذا هاجس يشغلهم، ويعملون عليه ليل نهار، فقط بعض من يعيشون في الأوهام يظنون أن مثل هذا اندثر وأن فقه الأولويات يقتضي تجاهله، والواقع أن هذا ليس فقه أولويات بل انهزامية حمقاء، تجعلك لقمة سائغة للخصوم الذين يعملون ولا تعمل، فتكون هزيمتك حتمية في المعركة الدائرة، ثم عليك أن تتحمل كل نتائج هذه الهزيمة.