إذا لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فمن يكون ؟

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الخلال في السنة 497: وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ
, أَنَّ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ حَدَّثَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ :
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِ‌ينَ وَالْأَنصَارِ‌ وَالَّذِينَ
اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّ‌ضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَ‌ضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِ‌ي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ‌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ﴾وَيَرْوِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَهْلُ
الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِئَةُ صَفٍّ , أُمَّتِي مِنْهَا ثَمَانُونَ) . فَإِذَا لَمْ
يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِنْهُمْ فَمَنْ مِنْهُمْ ؟

 ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مَسْأَلَةِ
عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْحَارِثِ , قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : قُلْتُ لأَبِي : فَإِنْ
قَالَ : أَنَا أَقُولُ : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الْجَنَّةِ , وَلاَ أَشْهَدُ
؟

 قَالَ : يُقَالَ لَهُ : هَذَا
الَّذِي تَقُولُ حَقٌّ ؟ فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ , فَيُقَالَ لَهُ : أَلاَ تَشْهَدُ
عَلَى الْحَقِّ , وَالشَّهَادَةُ هِيَ الْقَوْلُ , وَلاَ يَشْهَدُ حَتَّى يَقُولَ
, وَإِذَا قَالَ شَهِدَ , وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِئَةُ صَفٍّ , ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ أُمَّتِي)
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْهُمْ فَمَنْ يَكُونُ ؟.

أقول : هذا من دقيق فقه الإمام أحمد رحمه الله ، وهذا يدل على أنه يرى
أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم كلهم في الجنة كما ذهب إليه ابن حزم واحتج بقول
الله عز وجل: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلِلَّـهِ مِيرَ‌اثُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ
وَقَاتَلَ أُولَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَ‌جَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا
وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَىٰ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‌﴾

واعلم رحمك الله أن بعض من صنف في ضوابط التبديع ولم يحكم الباب أورد أثراً
عن الإمام أحمد لم يفهمه حق فهمه:

 قال الخلال في السنة 506: وأخبرني
محمد بن أبي هارون , أن مثنى الأنباري حدثهم أنه قال لأبي عبد الله : رجل محدث يكتب
عنه الحديث قال من شهد أن العشرة في الجنة فهو مبتدع فاستعظم ذلك وقال لعله جاهل لا
يدري يقال له.

فاعتبر قوله ( لعله جاهل ) اعتذاراً وقاعدةً في مثل هذا الباب أنه يعذر
مطلقاً ، وليس كذلك بل هو وصف حال ، وهنا الإمام أحمد لو قلنا أنه اعتذر فقد اعتذر
لرجل والى وعادى على بدعته حتى بدع من يخالفها وهذا لا يجري على أصول ذاك المصنف.

وقد صح عن الإمام أحمد في كتاب السنة للخلال الذي ينقل منه ذاك المصنف
أن أفتى بهجر من هو دون هذا

 قال الخلال في السنة 483: وَأَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ , فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ : قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ
اللَّهِ : إِنَّ ابْنَ الْهَيْثَمِ الْمُقْرِئَ قَدْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ
: لاَ أَشْهَدُ لِلْعَشَرَةِ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ , قَالَ : لَمْ يُذَاكِرْنِي
بِشَيْءٍ , قُلْتُ لَهُ : فَلاَ يُجَانَبُ صَاحِبُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ ؟

 قَالَ : قَدْ جَفَاهُ قَوْمٌ
, وَقَدْ لَقِيَ أَذًى .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَمَّنْ لاَ يَشْهَدُ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ
بِالْجَنَّةِ

 فَقَالَ : هَذَا قَوْلُ سَوْءٍ
, وَقَدْ كَانَ عِنْدِي مُنْذُ أَيَّامٍ مَنْ هُوَ ذَا يُخْبِرُ عَنْهُ بِهَذَا , وَلَوْ
عَلِمْتُ لَجَفَوْتُهُ , قُلْتُ لَهُ : ابْنُ الْهَيْثَمِ ؟ قَالَ : نَعَمْ.

فتأمل قول أحمد ( وَلَوْ عَلِمْتُ لَجَفَوْتُهُ ) فقط لأنه لا يشهد للعشرة
المبشرين بالجنة ، لا أنه يبدع من يشهد ، وهذا في كتاب السنة فلماذا لم ينقل عنه ذاك
المصنف.

وقال الخلال في السنة 658: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ ,
قَالَ : سَمِعْتُ هَارُونَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ :
جَاءَنِي كِتَابٌ مِنَ الرَّقَّةِ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا : لاَ نَقُولُ : مُعَاوِيَةُ
خَالُ الْمُؤْمِنِينَ , فَغَضِبَ وَقَالَ : مَا اعْتِرَاضُهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
, يُجْفَوْنَ حَتَّى يَتُوبُوا.

فأين ذاك المصنف عن هذا النص ، وثبوت كون معاوية خال المؤمنين ، أصح منه
وأقوى منه ثبوت أن العشرة في الجنة.

 وقال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة
في ترجمة يحيى بن عبد الوهاب ابن مندة (1/ 53) :” ووجدتُ في كتب الإمام عمِّي
بخطَه: قال القاسم بن محمد أبو الحارث: حدثنا يعقوب بن إسحاق البغدادي، سمعتُ هارون
الحمال يقول: سمعت أحمد بن حنبل، وأتاه رجل فقال: يا أبا عبد اللّه: إن ههنا رجل يُفضِّلُ
عمر بن عبد العزيز على معاوية بن أبي سفيان، فقال أحمد: لا تجالسه، ولا تؤاكله ولا
تشاربه، وإذا مرض فلا تعُده”.

فكيف بمن لا يشهد للعشرة بالجنة ، فكيف بمن يبدع من يشهد لهم ؟

من أراد التصنيف في باب من أبواب العلم عليه أن يجمع النصوص ، لا أن يجتزيء
نصاً يوافق ما يريد ويبني عليه قصوراً وعوالي.

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم