أمثلة على استخدام السلف للإلزام العقلي في الحجاج مع المبطلين

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

١- قال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قال: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: كُنْتُ أُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَقَالَ لِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ رَجُلٌ أَسْرَعَ فِي كَذَا، أَوْ رَجُلٌ أَسْرَعَ فِي الْمَالِ؟ قَالَ: فَرَجَعْتُ، وَقُلْتُ: لا أعود.

هذا إسناد قوي ومعنى هذه الحجة أن من ثلب عثمان إنما ادعى عليه أنه ما أحسن التصرف في الأموال والذي ثلب عليا لم يحمد سيرته في الحروب والذب عن شخص في المال أهون من الذب عنه في الدماء فإذا سقطت الاتهامات عن علي ووجد له التأويل والمحمل الحسن كان ذلك من باب أولى لعثمان وتبقى فضيلة عثمان في تقديم الصحابة له في الخلافة وهذا إلزام عقلي مدعم للنص ومبين لتناقض الخصم وهذه طريقة ابن تيمية في المنهاج واتهمه الجهلة بالنصب بسببها وقصده واضح

٢- قال ابن رجب : وقد قال كثير من السلف: “ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن جحدوه فقد كفروا

وهذه الكلمة مروية عن عمر بن عبد العزيز والشافعي وهي إلزام عقلي لأن القدرية ينفون القدر هروبا من الجبر فإذا أثبتوا علم الله بالأشياء قبل وقوعها ولم يستلزم ذلك جبرا كان إثبات بقية مراتب القدر غير مستلزم لذلك أيضا وإن نفوا العلم وصفوا الله بالجهل وهذا أشد مما هربوا منه وأما الدهرية التي تسمى اليوم الحادا فلم يكن أحد يفكر بها لبعدها عن العقل والبراهين ولأنه معها لا معنى للعدل والظلم أصلا

٣- روى اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة عَمْرِو بْنِ ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعْصَى لَمْ يَخْلُقْ إِبْلِيسَ،

وهذا إلزام عقلي للقدرية القائلين بأن الله يجرى في ملكه ما لا يريد وما ليس له به حكمة ويقولون الله لا يخلق الشر فألزمهم عمر بأن الله خلق معدن الشر ابليس بإقرارهم فالفرع أمره هين وليراجع رسالة مشكلة الشر للدكتور سامي عامري

٤- قال ابن بطة في الإبانة الكبرى220 – وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، يَقُولُ: ” §بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْجَهْمِيَّةِ كَلِمَتَانِ: يَسْأَلُونَ كَانَ اللَّهُ وَكَلَامُهُ؟ أَوْ كَانَ اللَّهُ وَلَا كَلَامَ؟ فَإِنْ قَالُوا: كَانَ اللَّهُ وَكَلَامُهُ فَلَيْسَتْ لَهُمْ حُجَّةً، وَإِنْ قَالُوا: كَانَ اللَّهُ وَلَا كَلَامَ، يُقَالُ لَهُمْ: كَيْفَ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ وَهُوَ قَالَ: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40]؟ “

وهذا إلزام عقلي ظاهر مستعينا بالنص في آخره

٥- في سيرة الإمام أحمد رواية ابنه صالح أن الجهمي لما سأله عند الأمير ما تقول في القرآن رد عليه أحمد ما تقول أنت في العلم

وهذا سياق جدلي واضح لفضح الجهمي لأن القرآن بالنص علم مبدؤه من الله ( من لدنا ) تكلم به فَلَو قال الجهمي العلم غير مخلوق لزمه أن يقول القرآن غير مخلوق وان كان العلم مخلوق بان كفره وقبح مذهبه

والأمثلة على ذلك كثيرة منها مناظرات عمر بن عبد العزيز مع الخوارج ورد محمد بن أسلم على المرجئة وقول إياس بن معاوية ما ناظرت أحدا بعقلي الا القدرية وكلام الشافعي مع أهل الرأي وأيضا ردود الدارمي وابن قتيبة وما ذكره ابن بطة عن بعض السلف يرد على الواقفة لو علم الواقفي أن ربه غير مخلوق ما توقف وهذه قاعدة الكلام في الصفات عن الكلام في الذات واستدلالهم بقوله : أن يقول له كن فيكون . فقالوا لو كانت كن مخلوقة للزمها كن أخرى هذا دليل امتناع التسلسل في المؤثرات المعروف

ولا يتحاور اثنان إلا ويستخدم أحدهما قدرا من الاستدلال العقلي أقله النظر في تناقض الخصم

ولكن طريقة السلف أن الاستدلال العقلي للنص ومؤيد له وأما المتكلمون بالاستدلال العقلي عندهم أصل مستقل يمكن أن يعارض ويقدم عليه النص

فجاء أقوام وخلطوا بين المقامين كما خلطت الخوارج بين التحكيم لبلوغ حكم الله والحكم بغير ما أنزل الله وكما خلطت الظاهرية بين القياس في مقابل النص والقياس على النص فأنكروا الجميع

واعلم أن المخالفين اذا اعتدوا بالنصوص احتج عليهم بها فإذا كانوا وضعوا معاول لهدم الاستدلال بالنصوص مثل دعوى أنها مجازية أو ظنية وشككوا بها كل ذلك لأجل تقديم معقولات فاسدة يزعمونها قطعية كان الرد عليهم من طريقين أولها الدفاع عن النصوص وهدم معاولهم والآخر بيان أن معقولاتهم ظنية وربما فاسدة كما فعل الشافعي مع أهل الرأي لما وجدهم يقدمون القياس على خبر الواحد دون خبر الاثنين بين لهم قوة خبر الواحد عندنا وعندهم حتى أنه يخصص القرآن ثم هجم على قياسهم تناقضاتهم فيه وأنهم هم أنفسهم يتركونه في مواطن عديدة لأخبار ضعيفة أو ما يرونه مصلحة عامة وهذا يسمونه الاستحسان فكيف لا يقدمون الخبر الصحيح عليه وكان تأصيل هذه المنهجية في الرسالة وتطبيقها في الأم

كما جاء أحمد وغيره من علماء الحديث المتوسعين وبينوا أن كثيرا مما قالوا فيه خبر واحد ليس كذلك بل رواه اثنان وثلاثة بل أوجدوا لبعضها شواهد من القرآن

والذي فعله الشافعي مع أهل الرأي هو الذي فعله ابن تيمية مع أهل الكلام ولم تستوعبه بعض العقول الضعيفة