أفضل العبادة المغفول عنها

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

أفضل العبادة المغفول عنها

قال وكيع بن الجراح في الزهد: 213 – حدثنا مسعر، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة قالت: “تغفلون أفضل العبادة: التواضع”.

هذا أثر صحيح عن أم المؤمنين، وكلما تدبرتُه ظهرت لي منه معانٍ عجيبة.

أحسب أن التواضع صار خير العبادة لأنه يصحِّح العبادة ويحميها من الحبوط.

أما تصحيح العبادة فلأن العبادة لا تصح إلا بعلم، والتعلم لا يكون إلا بتواضع، وقد قيل إن العلم لا يناله مستحٍ أو مستكبر.

قال تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} [الأعراف]

فكما كفر من كفر بأصل الرسالة كبرًا فهناك من يُحرَم من كثير من ثمراتها وخيرها كبرًا.

والتواضع يجعلك أسمح نفسًا مع المعلم وأصبر على شدته، ويجعلك قادرًا على الاعتراف بخطئك ولو كان المصحح لك دونك في العلم والفضل.

وأما قولي: (ويحميها من الحبوط) فلأن الصدقات تَبطُل بالمن والأذى، وأهل التواضع أبعد الناس عن ذلك.

وكم من إنسان حصل منه ضعف أو انتكاسة فكبر عليه الاعتراف بذلك فأظهر انتكاسته أو ضعفه بصورة النضج والتوبة من التشدد والعجلة.

وصار كلما رأى إنسانًا يفعل الخير الذي هو بعيد عنه سفَّهَه وقال له: كنت قبلك على هذا الطريق ونضجت، (وقد يكون بعض ذلك حقًّا لكن جمعًا منهم يخلطون بين ترك بعض التشددات وترك الورع والتدين من أساسه).

فكم من إنسان كان على خير ثم ضعفَ وكان خيره هذا محفوظًا له في صحيفته حتى قرر أن يستكبر ويحارب هذا الخير استنكافًا من أن يقال إنه ضعف وصار غيره خيرًا منه، فلم يزل به الشيطان حتى حبط عمله.

فكلمة أم المؤمنين هذه عميقة غاية، وهذا بعض ما فيها من الفوائد.