أسانيد الأشعرية بشهادة ابن حجر
لابن حجر العسقلاني كتاب مشهور اسمه المعجم المفهرس جمَع فيه أسانيده إلى الكتب المشهورة، وهو من أوسع المتأخرين روايةً وعليه دائمًا يعوِّل أشاعرة زماننا، لهذا سأعتمد هذا الكتاب لبيان حقيقة (الأسانيد لا تخلو من أشعري)!
أولًا: أبو الحسن الأشعري مؤسس المذهب لا يوجد في إسناد أي كتاب من كتب الحديث وكذلك الباقلاني، في الوقت الذي نجد فيه أبا علي الأهوازي صاحب كتاب مثالب الأشعري يحتاج إليه ابن حجر فيروي من طريقه مسند المقلين من الصحابة ممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر النجاد وجزء من حديث أبي يعلى.
وابن حجر لم يهتم بأمر القراءات ولو روى فيها لاحتاج للأهوازي أكثر فهو مقرئ مشهور.
ثانيًا: كذلك ابن فورك والغزالي وأبو محمد الجويني لا يُذكرون في أسانيد أي كتاب من كتب الحديث وإنما ذكر الغزالي في روايته لكتاب لشيخه الجويني.
وهذا أبو الوقت السجزي هو صاحب رواية من أشهر روايات الصحيح وهو تلميذ أبي إسماعيل الأنصاري الهروي (وقد سماه ابن حجر شيخ الإسلام)، والسجزي هذا روى كتاب ذم الكلام لشيخه الهروي، وابن حجر رواه من طريقه، وهذا الكتاب فيه فصل في تكفير الأشعرية!
ثالثًا: لم يرو ابن حجر أي كتاب من كتب الحديث من طريق تقي الدين السبكي (وإن كان روى معجمه كما روى معجم الذهبي).
في الوقت الذي احتاج فيه إلى الرواية عن ابن تيمية في مشيخة ابن عبد الدائم وكتاب الجهاد لابن أبي عاصم (ولا يفهم من هذا أنه لولا ابن تيمية لضاع هذا الكتاب، بل الشيخ متابع وعامة الرواية في زمن الشيخ لأصول موجودة ومتواترة عن بعض الشيوخ الرواة، ولكنني أكلم القوم على عقلهم إذ يفرحون بأسانيد المتأخرين التي هي في الغالب لتوكيد القراءة على الشيوخ لا لحفظ الأصل).
وكذلك ما روى ابن حجر من طريق النووي شيئًا من كتب الحديث (وكتبه روى عددًا منها من طريق تلميذه ابن العطار المنحرف عن الأشعرية) وما روى شيئًا من طريق التاج السبكي وإنما كان يروي عن أخته سارة.
رابعًا: لا ننكر وجود رواية عند بعض حفاظ الأشعرية ولكنها في الغالب في الأزمنة المتأخرة جدًّا، وقد زاحمهم غيرهم، فكتاب ابن حجر هذا ستجد فيه ذكر المزي والبرزالي والذهبي وابن المحب وقبلهم أبو طاهر السلفي والحفاظ المقادسة وآل مندة الحنابلة وآل تيمية كثيرًا يضاهي بل ويغلب على ذكر آل عساكر على سبيل المثال (بل المزي وحده ذكره غالب على ذكر آل عساكر جميعًا)، بل الطريف رسالة الإيمان للأشعري رواها من طريق أبي طاهر السلفي المشهور بمنافرته للقوم.
وقد شرحت في مقال مستقل أسطورة “صحيح البخاري لم يروه ولَم يشرحه إلا الأشاعرة” ، غير أن المراد التنبيه عليه هنا أن تلك الدعوى العظيمة التي لا ينبغي لفرقة كلامية أن تدَّعيها (أن كل الناس يحتاجون إليهم في الأسانيد) دعوى معكوسة، بل هُم أحوج لغيرهم، وهذا غير مستغرب لأنهم فرقة كلامية أصلًا ودخولهم في هذا الفن جاء متأخرًا، وَيَا ليت شعري أصحاب الكتب الحديثية في القرون الأولى ما كانوا على هذه المذاهب بل كانوا منافرين لها أشد المنافرة.
قال ابن جماعة الأشعري في إيضاح الدليل: “ولقد أنكر على الدارقطني وابن خزيمة رواية مثل هذه الأحاديث وإيداعها في مصنفاتهم من غير مبالغة في الطعن في أمثالها.
وإنما غلب على كثير من المحدثين مجرد النقل والإكثار من الغرائب مع جهلهم بما يجب لله تعالى من الصفات وما يستحيل عليه بأدلة ذلك القطعية القاطعة عند أهل النظر والعلم إذ قنعوا من العلم بمجرد النقل وهو في الحقيقة كما قال بعض الأئمة الاقتصار”.
فتأمل كيف أنه ينسب عامة المحدثين للجهل بما يجب لله، وهذا معناه عنده أنهم ما كانوا أشاعرة، وهذه شهادة عزيزة.