أخس أنواع الأحاديث الضعيفة عند الأئمة ثلاثة

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

وهذه الثلاثة هي التي يستجيزون أن يطلقوا عليها ( باطل ) و ( منكر ) و ( موضوع ) وينتقدون من يخرجها ولا يبينها ولو أسندها وربما فعل ذلك بعض من اتسع حفظه وضعف نقده فكان فعله محل انتقاد عند كبار نقاد الحديث

النوع الأول : ما ثبت أنه قول لغير النبي صلى الله عليه وسلم نسب غلطاً للنبي صلى الله عليه وسلم كأن يكون قول صحابي أو تابعي جاء بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهذا النوع من الأحاديث يشتدون في إنكاره وإنكار تخريجه منسوباً للنبي في أي باب من أبواب الدين وإنما يخرجونها منسوبة إلى قائليها حقا واذا خرجوها يتبعونها بذكر العلة في الغالب

النوع الثاني : ما انفرد به وضاع أو ضعيف جداً _ وربما تسمحوا في رواية بعض الضعفاء جداً في الطبقات المتقدمة في أبواب الأذكار والفضائل _ أو انفرد به راو في طبقة ما بعد التابعين عن رجل كثير الأصحاب جداً وليس هو من أصحابه المعروفين لاسيما إن كان من بلد آخر فهذا النوع أيضاً يشتدون في إنكاره ويجتنبون تخريجه _ هذا بالنسبة لكبار النقاد كأحمد وعامة أصحاب الكتب الستة عدا ابن ماجه وهو قريب منهم وليس مثلهم _

النوع الثالث : حديث ثبت له معارض من الأحاديث الصحيحة _ معارض على طريقة العلماء لا ظنون الجهلة _ أو عمل الصحابة الكرام أو إجماع الأمة وهذا النوع يكثر في أحاديث الأحكام وكثير من الناس يهمل هذا المعنى إذا تكلم في الروايات التاريخية مثلاً فيقول أن لها نقداً خاصاً ثم يقبل ما تلوح فيه التهمة كانفراد بعض الروافض بمثالب للأمويين ويقبل ما له معارضات كرواية لوط بن يحيى في التحكيم ما ورود روايات معارضة لها

والحديث الضعيف إن لم يكن من الأنواع الثلاثة فإن الأئمة يتسمحون بتخريجه خصوصاً إن كان يشبه الأخبار الصحيحة أو ثبت عمل الصحابة والتابعين على ما يوافقه

وقد حصل خلط كثير في زماننا من الخلط بين الأحاديث الضعيفة من الأنواع الثلاثة وما سواها فضرب سوى بينها كلها في الاطراح مع نزعة ظاهرية فظهرت أقوال شاذة عديدة فقد يكون الحديث الضعيف المحتمل يظهر فيه الحكم ظهوراً يعرفه أبلد العوام والمعنى نفسه في أحاديث أخرى وربما آيات ولكن بدلالة لا يكشفها إلا الفقهاء فيأتي هذا الباحث الذي جمع بين العجلة في فهم علم الحديث وقلة الفقه فيضعف الحديث الصريح ولا يهتدي لدلالة الأخبار غير الصريحة فينكر حكماً تتابع الأئمة على قبوله والقول به وهذا كثير هذه الأيام

وطرف آخر بحجة التسامح في فضائل الأعمال صار ينشر الأحاديث من الأنواع الثلاثة المطرحة ولم يفرق بين ما احتمله الأئمة وما لم يحتمله وهذا يكثر فيمن يتربى على كتب متأخري المذهبيين فضعفهم في علم الحديث ظاهر وكونهم لا يفرقون بين الصحيح والموضوع إلا بكلفة فضلاً عن الضعيف المحتمل والضعيف غير المحتمل ظاهر أيضاً لمن أمعن النظر

وتضخم دور علم الحديث في نفوس الكثير من المشتغلين _ وهو ضخم ولكنهم بالغوا _ لظنهم أن الأئمة تركوا شيئاً كثيراً لم يعملوا عليه والواقع أن الأئمة ما تركوا كبير شيء وإنما كانوا لا يهتمون بكشف الأخبار الضعيفة المحتملة بقدر ما يهتمون بكشف ما كان من الأنواع الثلاثة وهذا من عميق فقههم الذي غاب عن كثير من المتأخرين بل تخريج جماعة من كبار النقاد والحذاق _ من المتقدمين _ لبعض هذه الأخبار دون بيان منهم أو أي أحد من طبقتهم يقوي احتمال أنه خبر محتمل وربما كانت فيه زيادة شاذة مثلاً ولكن يخرج لكون عامة معناه محفوظا