أحكام كتب أهل البدع

في

,

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمما يشيعه أهل البدع والتميع ، أن تصنيف الناس إلى سني ومبتدع لا طائل
تحته ولا كبير فائدة .

 وأنه يشغل عن العلم النافع ، وينسى
أولئك أو يتناسى تعلق عشرات الأحكام الفقهية بتقسيم الناس إلى سني ومبتدع

 وقبل ذلك كله تعلق التمييز بين
الفرقة الناجية ، والفرق الهالكة

ومن المشاريع التي داعبت مخيلتي قديماً ، مشروع كبير تجمع فيه الفروع الفقهية
المترتبة على تقسيم الناس إلى سني ومبتدع ، وقد بدا لي أن أشرح شيئاً مما انقدح في
ذهني عن طريق تقديم أنموذج يمثل بعض هذا المشروع ، عسى أن يعيننا بعض إخواننا على إكمال
المشروع ، وقد وقع الاختيار على الأحكام الفقهية المتعلقة بكتب أهل البدع لشدة أهمية
هذا الباب

الحكم الأول : عدم مشروعية النظر فيها لمن يضره ذلك

اعلم رحمك الله أن كل ما قيل في حرمة مجالسة المبتدع ، ينطبق على النظر
في كتابه الذي يروج فيه لبدعته .

 بل إن الكتاب في كثيرٍ من الأحيان
يفوق خطورة شخص المبتدع نفسه ، فإن كتاب المبتدع قد جمع فيه شبهاته ورتبها واختار لها
أحسن عبارة بما لا يستطيع في الغالب أن يسرده من الحافظة

قال ابن أبي حاتم في تفسيره 7460: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، ثنا
مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ:

 فِي هَذِهِ الآيَةِ: ” وَإِذَا
رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا ” ، قال: كَانَ يَرَى أَنْ هَذِهِ
الآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ.

وهذا إسناد صحيح ، ومحمد هو ابن سيرين

وقال البخاري في صحيحه 2101 : حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا
بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ
السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ
الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ
أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً

وقال أحمد في مسنده 19875 : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ،
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ مِنْهُ؛ مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَالِ،
فَلْيَنْأً مِنْهُ مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَالِ، فَلْيَنْأً مِنْهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ
يَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَلَا يَزَالُ بِهِ لِمَا مَعَهُ مِنَ
الشُّبَهِ حَتَّى يَتَّبِعَهُ.

قال ابن القيم في عدة الصابرين ص50 :” وههنا لطيفة للشيطان لا يتخلص
منها الا حاذق وهى أن يظهر له في مظان الشر بعض شيء من الخير ويدعوه إلى تحصيله فإذا
قرب منه ألقاه في الشبكة والله اعلم”

وقد أدرك أئمة السلف هذا الأمر فحذروا من كتب أهل البدع من يتضرر بالنظر
فيها

قال البرذعي في سؤالاته لأبي زرعة (1/49) : “شهدت أبا زرعة سئل عن
الحارث المحاسبي وكتبه فقلت للسائل إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات عليك بالأثر
فإنك تجد فيه ما يغني عن هذه الكتب قيل له في هذه الكتب عبرة قال من لم يكن له في كتاب
الله عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي
والأئمة المتقدمين صنفوا هذه الكتب في الخطوات والوساوس وهذه الأشياء هؤلاءء قوم خالفوا
أهل العلم فأتونا مرة بالحارث المحاسبي ومرة بعبد الرحيم الدبيلي ومرة بحاتم الأصم
ومرة بشقيق البلخي ثم قال ما أسرع الناس إلى البدع”

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال معلقاً على كلمة أبي زرعة هذه :” وأين
مثل الحارث، فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين كالقوت لأبي طالب، وأين مثل القوت!
كيف لو رأى بهجة الاسرار لابن جهضم، وحقائق التفسير للسلمى لطار لبه.

كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسى في ذلك على كثرة ما في الاحياء من الموضوعات.

كيف لو رأى الغنية للشيخ عبد القادر! كيف لو رأى فصوص الحكم والفتوحات
المكية!

 بل لما كان الحارث لسان القوم
في ذاك العصر، كان معاصره ألف إمام في الحديث، فيهم مثل أحمد بن حنبل، وابن راهويه،
ولما صار أئمة الحديث مثل ابن الدخميسى، وابن شحانة كان قطب العارفين كصاحب الفصوص،
وابن سفيان .

نسأل الله العفو والمسامحة آمين”

أقول : فكيف لو رأوا ما يسمى بالكتب الفكرية ، وما فيها من الضلال البعيد
!

وقال ابن الصلاح عن تفسير الماوردي كما في طبقات الشافعية الكبرى
(5/176) :” وتفسيره عظيم الضرر لكونه مشحونا بتأويلات أهل الباطل تلبيسا وتدسيسا
على وجه لا يفطن له غير أهل العلم والتحقيق

مع أنه تأليف رجل لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة بل يجتهد في كتمان
موافقتهم فيما هو لهم فيه موافق

 ثم هو ليس معتزليا مطلقا فإنه
لا يوافقهم في جميع أصولهم مثل خلق القرآن كما دل عليه تفسيره في قوله عز وجل ( ما
يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) وغير ذلك ويوافقهم في القدر وهي البلية التي غلبت على
البصريين وعيبوا بها قديما”

وقد تفطن لهذا الأمر الفقهاء فذكروه في كتبهم الفقهية

قال البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع (1/ 434) :” ( ولا يجوز
النظر في كتب أهل الكتاب نصا ) لأنه صلى الله عليه وسلم غضب حين رأى مع عمر صحيفة من
التوراة وقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب الحديث

( ولا ) النظر في ( كتب أهل البدع و ) لا النظر في ( الكتب المشتملة على
الحق والباطل ولا روايتها ) لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد”

وقال مصطفى الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى (1/607) :” ( ويتجه
جواز نظر ) في كتب أهل البدع : لمن كان متضلعا من الكتاب والسنة مع شدة تثبت وصلابة
دين وجودة فطنة وقوة ذكاء واقتدار على استخراج الأدلة ( لرد عليهم ) وكشف أسرارهم وهتك
أستارهم لئلا يغتر أهل الجهالة بتمويهاتهم الفاسدة ؛ فتختل عقائدهم الجامدة . وقد فعله
أئمة من خيار المسلمين وألزموا أهلها بما لم يفصحوا عنه جوابا”

وقال القليوبي الشافعي في حاشيته (2/ 77) :” تَحْرُمُ قِرَاءَةُ كُتُبِ
الرَّقَائِقِ وَالْمَغَازِي الْمَوْضُوعَةِ كَفُتُوحِ الشَّامِ وَقَصَصِ الأَْنْبِيَاءِ
وَحِكَايَاتِهِمُ الْمَنْسُوبَةِ لِلْوَاقِدِيِّ، وَقَال أَيْضًا: ذَكَرَ الإِْمَامُ
الشَّعْرَاوِيُّ فِي الْمُغْنِي مَا نَصُّهُ: وَيُحَذَّرُ مِنْ مُطَالَعَةِ مَوَاضِعَ
مِنْ كِتَابِ إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ لِلْغَزَالِيِّ، وَمِنْ كِتَابِ قُوتِ الْقُلُوبِ
لأَِبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ، وَمِنْ تَفْسِيرِ مَكِّيٍّ، وَمِنْ كَلاَمِ ابْنِ مَيْسَرَةَ
الْحَنْبَلِيِّ، وَمِنْ كَلاَمِ مُنْذَرِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيِّ، وَمِنْ مُطَالَعَةِ
كُتُبِ أَبِي حَيَّانَ، أَوْ كُتُبِ إِخْوَانِ الصَّفَا، أَوْ كَلاَمِ إِبْرَاهِيمَ
النَّجَّامِ، أَوْ كِتَابِ خَلْعِ النَّعْلَيْنِ لاِبْنِ قَسِيٍّ، أَوْ كُتُبِ مُحَمَّدِ
بْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ أَوْ كَلاَمِ الْمُفِيدِ بْنِ رَشِيدِيٍّ، أَوْ كُتُبِ مُحْيِي
الدِّينِ بْنِ عَرَبِيٍّ، أَوْ تَائِيَّةِ مُحَمَّدِ بْنِ وَفَا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ”

أما كتب ابن حزم فليس الأمر فيها كما ذكر ، فكتبه في الفقه تختلف عن كتبه
في العقيدة ، وإن كان له فيها شذوذات معروفة يحترز المرء منها بالنظر في كتب فقهاء
المحدثين قبل النظر في كتب ابن حزم ، وأعني بكتب فقهاء المحدثين كتب مسائل الإمام أحمد
، والأوسط لابن المنذر وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب ، على أن
ابن حزم له شذوذات كثيرة جداً وطريقته في الفقه غير مرضية في كثير من الأبواب لذا
وقع من بعض المشيخة ما وقع من التحذير من كتبه

وقال العلامة حمد بن عتيق كما في الدرر السنية (3/ 357) :” وليحذر
طالب الحق من كتب أهل البدع، كالأشاعرة، والمعتزلة، ونحوهم، فإن فيها من التشكيك، والإيهام،
ومخالفة نصوص الكتاب والسنة ما أخرج كثيرا من الناس عن الصراط المستقيم، نعوذ بالله
من الخذلان”

وقد صنف ابن قدامة المقدسي كتاباً جليلاً أسماه ( تحريم النظر في كتب الكلام
)

وأشد من أهل الكلام من يسمى في هذا العصر ب( المفكرين ) ، فهؤلاء أعظم
جرأةً على دين الله عز وجل من المتكلمين ، وأشد جسارة حتى يقول قائلهم ( ديمقراطية
الإسلام ) و ( اشتراكية الإسلام )

ويتفرع على هذا الحكم الفقهي عدم جواز هبة كتب أهل البدع أو رهنها عند
من يتضرر بها ، وسيأتي مأخذ آخر لهذه الأحكام

ويتفرع عليه الحكم التالي

الحكم الثاني : عدم جواز بيعها على من يتضرر بالنظر فيها ، ولا شرائها
لمن كانت هذه حاله

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة :” السؤال الخامس من الفتوى رقم
(21394)

س 5: هل يمكن لي أن أتعامل مع الذين هم من الإباضيين، أي أنني أشتري وأبيع
معهم كالتجارة مثلا، ومع هذا أشتري من عندهم الكتب والأشرطة التي لا بأس بها، فهذا
الأمر أنا فيه. فهل أتوقف من هذا الأمر أم أستمر؟

ج 5: لا بأس بشراء الكتب النافعة من أي أحد وجد عنده، لما في ذلك من الفائدة،
أما كتب البدع والضلال فلا يجوز بيعها ولا شراؤها.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء”

الحكم الثالث : مشروعية اتلافها

قال ابن القيم في زاد المعاد (3/501) وهو يعدد فوائد قصة كعب بن مالك
:” وَقَوْلُهُ فَتَيَمّمْت بِالصّحِيفَةِ التّنّورَ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى
إتْلَافِ مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفَسَادُ وَالْمَضَرّةُ فِي الدّينِ وَأَنّ الْحَازِمَ
لَا يَنْتَظِرُ بِهِ وَلَا يُؤَخّرُهُ وَهَذَا كَالْعَصِيرِ إذَا تَخَمّرَ وَكَالْكِتَابِ
الّذِي يُخْشَى مِنْهُ الضّرَرُ وَالشّرّ فَالْحَزْمُ الْمُبَادَرَةُ إلَى إتْلَافِهِ
وَإِعْدَامِهِ “

وأما الكتب التي حفظت لنا من شيء وافر من علوم السلف ككتاب ابن حجر في
شرح البخاري فليس الأمر فيه كذلك ، على أنه لا يصلح النظر في مثل هذه الكتب التي
اختلط فيها الحق بالباطل إلا لمن يحسن التمييز والوصول إلى هذه المرحلة يحتاج إلى
طلب علم طويل وجرد لكتب العقيدة السلفية كتاباً كتاباً أو معظمها

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (19/ 333) :” وَمِنْ (مُعْجَم أَبِي
عَلِيٍّ الصدفِي) ، تَأْلِيفُ القَاضِي عِيَاض لَهُ، قَالَ:

وَالشَّيْخ أَبُو حَامِدٍ ذُو الأَنبَاء الشَّنِيعَة، وَالتَّصَانِيْفِ
العَظِيْمَة، غلاَ فِي طرِيقَة التَّصَوُّف، وَتَجرَّد لنَصر مَذْهَبهم، وَصَارَ دَاعِيَةً
فِي ذَلِكَ، وَأَلَّف فِيْهِ تَوَالِيفه المَشْهُوْرَة، أُخِذَ عَلَيْهِ فِيْهَا مَوَاضِعُ،
وَسَاءت بِهِ ظُنُوْنُ أُمَةٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ، وَنَفَذَ أَمرُ السُّلْطَان
عِنْدنَا بِالمَغْرِبِ وَفَتْوَى الفُقَهَاء بِإِحرَاقهَا وَالبُعدِ عَنْهَا، فَامْتُثِلَ
ذَلِكَ”

ومما يحسن الاستدلال به هنا تحريق الصحابة للمصاحف المخالفة للرسم العثماني
، مع أنها كلام الله عز وجل لما خشوا من حدوث الفرقة بين المسلمين ، من تعدد القراءات
، فكيف بالكتب المبنية على يعسوب الفرقة وأساسها ألا وهي البدع

واستدل بعض أهل العلم بهذا الأمر على مشروعية التعليق على كتب أهل البدع
بما ينقض ما فيها من باطل وإن كانت موقوفة فإن ذلك أهون من الاتلاف

وهذا الاتلاف مشروط بعدم ترتب مفسدة أعظم على هذا الاتلاف

وقال الخلال في السنة 820: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
, قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : سَلاَّمُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ مِنَ الثِّقَاتِ مِنْ
أَصْحَابِ أَيُّوبَ , وَكَانَ رَجُلاً صَالِحًا , حَدَّثَنَا عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ مَهْدِيٍّ , ثُمَّ قَالَ أَبِي : كَانَ أَبُو عَوَانَةَ وَضَعَ كِتَابًا فِيهِ
مَعَايِبُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ بَلاَيَا
, فَجَاءَ إِلَيْهِ سَلاَّمُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ , فَقَالَ : يَا أَبَا عَوَانَةَ
, أَعْطِنِي ذَلِكَ الْكِتَابَ , فَأَعْطَاهُ , فَأَخَذَهُ سَلاَّمٌ فَأَحْرَقَهُ.

821: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ , قَالَ : قُلْتُ لأَبِي
عَبْدِ اللَّهِ : اسْتَعرْتُ مِنْ صَاحِبِ حَدِيثٍ كِتَابًا , يَعْنِي فِيهِ الأَحَادِيثَ
الرَّدِيئَةَ , تَرَى أَنْ أُحَرِّقَهُ , أَوْ أُخَرِّقُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ , لَقَدِ
اسْتَعَارَ سَلاَّمُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ مِنْ أَبِي عَوَانَةَ كِتَابًا , فِيهِ هَذِهِ
الأَحَادِيثُ , فَأَحْرَقَ سَلاَّمٌ الْكِتَابَ , قُلْتُ : فَأَحْرِقُهُ ؟ قَالَ :
نَعَمْ.

وهذا يعني أنه لا حرمة لهذه الكتب ، لهذا جاء الحكم التالي

الحكم الرابع : عدم قطع من سرق كتب أهل البدع

قال ابن مفلح في المبدع (9/ 118) :” وعلم منه أنه لا يقطع بسرقة كتب
البدع والتصاوير وهو كذلك ولا يقطع بسرقة آلة لهو كطنبور ومزمار ونحوه ولو بلغت قيمته
مفصلا نصابا لأنه معصية إجماعا”

ويتفرع على هذا عدم صحة الوصية بها ، ولا وقفها بل إذا أطلق الواقف أو
الموصي قوله ( كتب العلم ) لم تدخل كتب الكلام والتصوف في وقفه

قال ابن مفلح في الفروع (8/ 342) :” قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إمَّا
مِنْ عِنْدِهِ أَوْ حِكَايَةً عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يُخَالِفْهُ لَوْ : أَنَّ
رَجُلًا وَصَّى بِكُتُبِهِ مِنْ الْعِلْمِ لِآخَرَ وَكَانَ فِيهَا كُتُبُ الْكَلَامِ
لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعِلْمِ”

وعلى مثل هذا يفرع الفقهاء في باب الأيمان فيقولون ( لو حلف ألا ينظر في
كتب العلم فنظر في كتب الكلام لم يحنث )

ويفرعون في باب النذور فيقال مثلاً ( لو نذر أن يقرأ ساعة في كتب العلم
، فنظر في كتب الكلام لم يفِ بنذره )

الحكم الخامس : عدم جواز الإعانة على نشرها بأي وسيلة

قال الله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا
عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)

وقال مسلم في صحيحه 4100- [106-1598] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ
، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُؤْكِلَهُ ، وَكَاتِبَهُ
، وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ.

فسوى بين من باشر أكل الربا ، ومن أعانه على ذلك ، وليفطن لهذا المعنى
من يهتم بنشر المخطوطات وفهرستها

قال شيخ الإسلام في بيان الدليل على بطلان التحليل (1/74) :” ولما
وضع بعض الناس كتاباً في الحيل اشتد نكير السلف لذلك قال أحمد بن زهير بن مروان: كانت
امرأة ها هنا تمرّ وأرادت أن تختلع من زوجها فأبى زوجها عليها فقيل لها: لو ارتددت
عن الإسلام لبنت من زوجك ففعلت ذلك فذكر ذلك لعبد الله – يعني ابن المبارك – وقيل له:
إن هذا كتاب الحيل فقال عبدالله: من وضع هذا الكتاب فهو كافر ومن سمع به فرضي به فهو
كافر ومن حمله من كورة إلى كورة فهو كافر ومن كان عنده فرضي به فهو كافر”

وقال ابن القيم في مدارج السالكين (1/121) :” والحرام كقتل النفس
التي حرم الله قتلها ونهب المال المعصوم وضرب من لا يحل ضربه ونحو ذلك وكأنواع اللعب
المحرم بالنص كالنرد أو ما هو أشد تحريما منه عند أهل المدينة كالشطرنج أو مثله عند
فقهاء الحديث كأحمد وغيره أو دونه عند بعضهم ونحو كتابة البدع المخالفة للسنة تصنيفا
أو نسخا إلا مقرونا بردها”

ومن اشتهر عنه نشر كتب أهل البدع ، وعدم المبالاة بما ينشره في المسلمين
من الضلال استحق العقوبة ، واستحق الأحكام التي تحلق بمن زال عنه وصف العدالة من عدم
قبول شهادته ، وترك الصلاة خلفه إن وجد غيره من أهل السنة إلا في صلاة الجمعة
والعيدين إذا كان إماماً عاماً او نائباً عنه  ، وعدم كفاءته لمن اتصفت بالعدالة من الحرائر

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (15/ 286) :” وَلِهَذَا كَانَ
مُسْتَحِقًّا لِلْهَجْرِ إذَا أَعْلَنَ بِدْعَةً أَوْ مَعْصِيَةً أَوْ فُجُورًا أَوْ
تَهَتُّكًا أَوْ مُخَالَطَةً لِمَنْ هَذَا حَالُهُ بِحَيْثُ لَا يُبَالِي بِطَعْنِ
النَّاسِ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَجْرَهُ نَوْعُ تَعْزِيرٍ لَهُ فَإِذَا أَعْلَنَ السَّيِّئَات
أُعِلْنَ هَجْرُهُ وَإِذَا أَسَرَّ أُسِرَّ هَجْرُهُ إذْ الْهِجْرَةُ هِيَ الْهِجْرَةُ
عَلَى السَّيِّئَاتِ وَهِجْرَةُ السَّيِّئَاتِ هِجْرَةُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَمَا
قَالَ تَعَالَى : { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ }”

ونشر البدع أبلغ من مجرد مخالطة أهل البدع في الإضرار بأهل الإسلام

وقال الشاطبي في الاعتصام (1/152) :” وَأَيْضًا فَإِنَّ تَوْقِيرَ
صَاحِبِ الْبِدْعَةِ مَظِنَّةٌ لِمَفْسَدَتَيْنِ تَعُودَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالْهَدْمِ:

إِحْدَاهُمَا: الْتِفَاتُ الْجُهَّالِ وَالْعَامَّةِ إِلَى ذَلِكَ التَّوْقِيرِ،
فَيَعْتَقِدُونَ فِي الْمُبْتَدِعِ أَنَّهُ أَفْضَلُ النَّاسِ، وَأَنَّ مَا هُوَ عَلَيْهِ
خَيْرٌ مِمَّا عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى اتِّبَاعِهِ عَلَى بِدْعَتِهِ;
دُونَ اتِّبَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى سُنَّتِهِمْ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إِذَا وُقِّرَ مِنْ أَجْلِ بِدْعَتِهِ; صَارَ
ذَلِكَ كَالْحَادِي الْمُحَرِّضِ لَهُ عَلَى إِنْشَاءِ الِابْتِدَاعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَتَحْيَا الْبِدَعُ، وَتَمُوتُ السُّنَنُ، وَهُوَ
هَدْمُ الْإِسْلَامِ بِعَيْنِهِ”

وهذا الكلام ينطبق من باب أولى على نشر كتب أهل البدع

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم