أبو عبيد القاسم بن سلام : كفر الجهمية في مسائل الإيمان لم يبلغه إبليس

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال أبو عبيد القاسم بن سلام في الإيمان ص25 :

 قد ذكرنا ما كان من مفارقة القوم
إيانا في أن العمل من الإيمان ، على أنهم وإن كانوا لنا مفارقين فإنهم ذهبوا إلى مذهب
قد يقع الغلط في مثله

 ثم حدثت فرقة ثالثة شذت عن الطائفتين
جميعا ، ليست من أهل العلم ولا الدين ، فقالوا : الإيمان معرفة بالقلوب بالله وحده
، وإن لم يكن هناك قول ولا عمل وهذا منسلخ عندنا من قول أهل الملل الحنفية ، لمعارضته
لكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالرد والتكذيب

 ألا تسمع قوله قولوا آمنا بالله
وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل ؟

 فجعل القول فرضا حتما ، كما جعل
معرفته فرضا ، ولم يرض بأن يقول : اعرفوني بقلوبكم ثم أوجب مع الإقرار الإيمان بالكتب
والرسل كإيجاب الإيمان

 ولم يجعل لأحد إيمانا إلا بتصديق
النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به ، فقال يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله
ورسوله ، وقال فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، وقال الذين آتيناهم
الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم

فلم يجعل الله معرفتهم به إذ تركوا الشهادة له بألسنتهم إيمانا

 ثم سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن الإيمان ؟ فقال : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله في أشياء كثيرة
من هذا لا تحصى

وزعمت هذه الفرقة : أن الله رضي عنهم بالمعرفة ولو كان أمر الله ودينه
على ما يقول هؤلاء ما عرف الإسلام من الجاهلية ، ولا فرقت الملل بعضها من بعض

 إذ كان يرضى منهم بالدعوى على
قلوبهم غير إظهار الإقرار بما جاءت به النبوة والبراءة مما سواها ، وخلع الأنداد والآلهة
بالألسنة بعد القلوب

 ولو كان هذا يكون مؤمنا ثم شهد
رجل بلسانه : أن الله ثاني اثنين ، كما يقول المجوس والزنادقة ، أو ثالث ثلاثة كقول
النصارى ، وصلى للصليب ، وعبد النيران بعد أن يكون قلبه على المعرفة بالله ، لكان يلزم
قائل هذه المقالة أن يجعله مؤمنا مستكملا الإيمان كإيمان الملائكة والنبيين فهل يلفظ
بهذا أحد يعرف الله أو مؤمن له بكتاب أو رسول ؟ وهذا عندنا كفر لن يبلغه إبليس فمن
دونه من الكفار قط”

وهذا المذهب الذي قال فيه أبو عبيد ما قال نصره عامة الأشاعرة وقالوا به

 فكلام أبو عبيدة ينطبق عليهم أيضاً

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/119) :” واذا تدبرت حججهم
وجدت دعاوى لا يقوم عليها دليل والقاضى أبو بكر الباقلانى نصر قول جهم فى مسألة الايمان
متابعة لأبى الحسن الأشعرى وكذلك أكثر أصحابه “

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/120) :” ونصر فيها قول جهم
من نصره للاستثناء ولهذا خالفه كثير من أصحابه فى الاستثناء كما سنذكر مأخذه فى ذلك
واتبعه أكثر أصحابه على نصر قول جهم فى ذلك ومن لم يقف الا على كتب الكلام ولم يعرف
ما قاله السلف وأئمة السنة فى هذا الباب فيظن أن ما ذكروه هو قول أهل السنة وهو قول
لم يقله أحد من أئمة السنة بل قد كفر أحمد بن حنبل ووكيع وغيرهما من قال بقول جهم فى
الايمان الذى نصره أبو الحسن وهو عندهم شر من قول المرجئة”

فنص شيخ الإسلام على أن أحمد كفر قول جهم الذي نصره الأشعري

والقول الدارج في التفريق بين مرجئة الجهمية ومرجئة الأشاعرة محل تأمل

 فالخلاف بينهم لفظي هؤلاء يسمونه
تصديقاً وهؤلاء يسمونه معرفة وحقيقته شيء واحد لا يتفاضل

 ومناط التكفير منطبق عليهم وهو
القول بأنه لا يشترط نطق اللسان للدخول في مسمى المؤمن

 ومتأخري الأشاعرة يقولون بأن نطق
اللسان شرط لإجراء الأحكام الدنيوية ومفهوم هذا أنه في الأحكام الأخروية لا يشترط قول
اللسان لكي يكون مؤمناً ، والماتردية أكثر تجهماً في هذا الباب من الأشاعرة فإنهم يوافقون
الجهم في نفي الاستثناء أيضاً

وقد صرح السجزي وشيخ الإسلام على أن مذهب الأشاعرة وجهم في تصديق القلب
واحد

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (5/288) :” وعند الجهمية الإيمان
مجرد تصديق القلب وعلمه هذا قول جهم والصالحي والأشعري في المشهور عنه وأكثر أصحابه”

فسوى بين ( تصديق الأشعري ) و ( معرفة جهم ) إذ لا خلاف في الحقيقة

وقال السجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص273 :” ويقولون: الإِيمان:
التصديق

وعلى أصلهم أن من صدق بقلبه ولم ينطق بلسانه فهو مؤمن، (لأمرين) :

أحدهما: أن أصل الإيمان عندهم المعرفة كما قال جهم.

والثاني: أن الكلام معنى في النفس فهو إذا صدق بقلبه فقد تكلم على أصلهم
به”

وقال ابن مفلح في الفروع (12/450) :” قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ
: وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ كَفَّرْنَا فِيهَا الدَّاعِيَةَ فَإِنَّا نُفَسِّقُ
الْمُقَلِّدَ فِيهَا ، كَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، أَوْ أَنَّ أَلْفَاظَنَا
بِهِ مَخْلُوقَةٌ ، أَوْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ ، أَوْ أَنَّ أَسْمَاءَهُ
مَخْلُوقَةٌ ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَرَى فِي الْآخِرَةِ ، أَوْ يَسُبَّ الصَّحَابَةَ
تَدَيُّنًا ، أَوْ أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
، فَمَنْ كَانَ عَالِمًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ يَدْعُو إلَيْهِ وَيُنَاظِرُ
عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ ، نَصَّ أَحْمَدُ صَرِيحًا عَلَى ذَلِكَ فِي
مَوَاضِعَ”

فجعل القول بأن الإيمان مجرد اعتقاد ( وهو قول الأشعري ) قولاً مكفراً
وهذا هو التحقيق لاستواء قوله وقول جهم الذي كفر به السلف كما صرح به شيخ الإسلام

وما اختاره المحرر نصوص أحمد تدل على خلافه فإن أئمة أهل السنة لم يفرقوا بين الجاهل وغيره إلا في حال الواقفة فجعلوا العامي ومن حكمه مبتدعاً ومن له فهم جهمياً سواءً كان من أهل الحديث أو أهل الكلام ولهذا قال أحمد في اللفظي ( فوق المبتدع ) 

والخلاصة أن كلام أبي عبيدة ينطبق على أدعياء السنة الضلال من الأشعرية
والماتردية

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم