آية في كتاب الله تنقض بنيان أهل البدع في القدر والإيمان

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال الله تعالى : { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ
وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ }

ومن بركته أنه يجمع المعاني العظيمة الكثيرة في كلمات يسيرة يسهل حفظها
وتذكارها ليسهل استحضار تلك المعاني

ومن بركته أنه شفاء لما في الصدور ، ومن أعظم ذاك مرض الشبهات الذي
دب في كثير من القلوب فأفسدها وأوقعها في حبائل الشرك والبدع

وما مبطل إلا وفي القرآن الرد عليه علم ذلك من علمه وجهله من جهله

تأمل معي قوله تعالى : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ }

هذه الآية على قصرها هدمت أصول أهل البدع في القدر والإيمان

أما الضالون في القدر فالجبرية الذين لا يثبتون فعلاً للعبد ويقولون
لا فاعل إلا الله ، ففي الآية الرد عليهم إذ أثبتت فعلاً للعبد في قوله ( اهتدوا ) ومايزت بين فعل المخلوق
وفعل الخالق مع أن فعل المخلوق يخلقه الرب

وأما القدرية فالرد عليهم ففي قوله ( زادهم هدى ) ففيه الرد عليهم في
قولهم الله عز وجل لا يخلق أفعال العبيد ولا يهدي ولا يضل بل هم مستغلون تماماً

فهذه الآية كقوله تعالى ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) في الرد على هذين المذهبين
الضالين

وأما الرد على الضلال في الإيمان ففي الآية الرد على الأصل الذي اتفق
عليه المرجئة والوعيدية أن الإيمان شيء واحد لا يتجزأ

فإن ما ثبتت فيه الزيادة فقد كان ناقصاً ، وكل نص في إثبات الزيادة
والنقصان يرد على الوعيدية كما يرد على المرجئة إذ أن ثبوت الزيادة يسلتزم ثبوت النقصان
، ووجود الناقص مع ثبوت الأصل ينكره الوعيدية وهم متناقضون في ذلك فإن ذهاب الكمال
المستحب لا يكفرون به وهذا يعكر على أصلهم فإن الإيمان شيء واحد إذا ذهب بعضه ذهب كله

فإن قلت : فما بال
الصفاتية والمعطلة ؟

قلت : القرآن الكريم كله
في الرد عليهم

ويا ليت شعري كيف يسمى عالماً من ضيع أصل الأصول ولم يعرف ربه وضل عن
هداية القرآن والسنة واتفاق السلف في هذا الباب ؟

أدلة القرآن على صفات الله عز وجل أظهر من الأدلة على البعث

فيا ضيعة من ضل عن دلالاتها

اليهود والنصارى يؤمنون أن الله في السماء وضلت الجهمية في هذا الباب
حتى قال ابن المبارك إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية

ولما أفتى بعض السلف بحل دمهم علل ذلك بأنهم يقولون ليس في السماء شيء

والجهمية ( أشعرية وغيرهم ) من أعق أبناء آدم إذ جردوه من أعظم فضيلة له وهي خلق الله له بيده
وسووا بينه وبين عدوه أستاذهم إبليس فقالوا الجميع خلقوا بقدرة الله

ثم التفتوا إلى إبراهيم الخليل وجردوه من من الخلة بوصفها الذي هو حمد
وفسروا الخلة بالافتقار وكل مخلوق مفتقر إلى الله فما خاصية الخليل

ثم التفتوا إلى نبي الله موسى الكليم وجردوه من فضيلة القرب نبياً وفضيلة
سماع كلام الله ، وفضيلة كتابة التوراة له بيده

والتفتوا إلي نبي الله داود فجردوه من الفضيلة وجردوه من الفضيلة الواردة
في قوله تعالى : { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ
مَآَبٍ}

وسووا بين أفجر الخلق وأكرم الخلق يوم القيامة فكلهم على بعد واحد من
الله عز وجل لا يوجد منهم من يقرب منه سبحانه وتعالى على مذهبهم السوء

ولهم أفاعيل فما نفع بعضهم علمه في الفقه والحديث إذ ضل في باب من أعظم
أبواب الدين بل هو الأعظم باب معرفة الله عز وجل

على أن كثيراً من فقههم مذهبي مبني على التقليد ومعرفتهم في الحديث
في كثير منها لا تسامي ولا تقارب معرفة أئمة الفن الذي سلمت عقيدتهم وسلم فقههم

والحمد لله الذي من علينا بالعقيدة السليمة ، راضون بها وبالثبات عليها
وإن قيل فينا ما قيل .

 ولا نغبط أبداً من قيل فيه
( عالم ) و ( إمام ) وهو لا يعرف العقيدة الصحيحة في ربه .

بل وارتضى عقيدة أعداء الله كالجهم والمريسي .

وترك عقيدة الصحابة والتابعين والأئمة المهديين كمالك والشافعي وأحمد
وغيرهم .

بل ارتضى قول فرعون في التعطيل على قول موسى في الإثبات .

 وليته إذ ضل في باب الصفات
اهتدى في الأبواب بل تجد عامتهم يتخبط في الإيمان والقدر والنبوات بل وفي توحيد الألوهية
وأحسنهم حالاً في باب توحيد الألوهية من جوز الذرائع إلى الشرك ، فما أغنى عنهم ذلك
العلم وتلك المحفوظات التي استحقوا بها عند بعض الناس وصف ( العالم ) و ( الإمام )

ذكرت ما بدا لي في هذه الآية في استقبال هذا الشهر ، لإقبال الناس في
هذا الشهر على القرآن لكي يكون منهاج السني عند القراءة تطلب ازدياد الهدى بما هو عليه
من الحق من أعظم كتاب يطلب منه الهدى ، اعلم أخي أنك ما تبصر عينك ولا تمسك كتاباً
أعظم من هذا الكتاب فالزم غنيمتك ما دامت أنفاسك تصحبك ، ولا ترضى بالذي هو أدنى

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم