آية في حجية السنة يغفل عنها كثيرون

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

آية في حجية السنة يغفل عنها كثيرون

مما يعجبني على كلام الشافعي تكراره لكلمة (بيان) في الموطن الذي يعبر فيه المتأخرون بكلمة (شرح)، وأحسن ذاك قوله (بيان السنة) في بعض المواطن التي فصلت فيها السنة مجمل القرآن أو خصصت عمومه.

فتجده يقول في الرسالة: “وغَسَلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الوضوء المرفقين والكعبين، وكانت الآية محتملة أن يكونا مغسولين، وأن يكون مغسولًا إليهما، ولا يكونان – مغسولين، ولعلهم حَكَؤا الحديث إبانة لهذا أيضًا.
وأشْبَهُ الأمرين بظاهر الآية أن يكونا مغسولين، وهذا بيان السنة مع بيان
“.

وقد كان أبو عوانة في مسنده يستخدم هذا التركيب.

ثم ظهر لي أن هذا التعبير هو أقرب لِلَفظ القرآن، فقد قال تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه • فإذا قرأناه فاتبع قرآنه • ثم إن علينا بيانه} [القيامة]

قوله سبحانه {ثم إن علينا بيانه} فيه الإشارة لبيان السنة إذ أن إنزال القرآن وجمعه قد ذكر في الآيات السابقة فما بقي سوى تفسير القرآن وبيان مجملاته.

قال المعلمي في الأنوار الكاشفة: “فأما السنة فقد تكفل الله بحفظها أيضا، لأن تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة، وحفظ لسانه وهو العربية، إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها، لأن محمدًا خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع. بل دل على ذلك قوله (ثم إن علينا بيانه)، فحفظ الله السنة في صدور الصحابة والتابعين حتى كتبت ودونت كما يأتي“.

وقال أبو لبابة بن الطاهر في كتابه [السنة النبوية وحي من الله محفوظة كالقرآن الكريم]: “قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:16-19].
فالله يطمئن رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات ويعده -ووعده الحق- بأنّه سيجمع القرآن في صدره فيحفظه دون أن يتفلّت منه شيء ويردّده متى شاء بكلّ يسر وسيعلّمه قراءته كما نزل، وقطع سبحانه بأنه المتكفّل ببيانه، ويفسّر ابن عباس قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} بقوله: “علينا أن نبيّنه بلسانك” وفي رواية: “على لسانك”.
وعبارة “بيانه” في قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} جنس مضاف، فيعمّ جميع أصناف البيان المتعلّقة بالقرآن الكريم من إظهاره وتبيين أحكامه وما يتعلّق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك. ونظرًا إلى أنّ السنة هي التي بيّنت الغامض وفصّلت المجمل ووضّحت المشكل وفسّرت المبهم وقيّدت المطلق وخصّصت العام وحدّدت المنسوخ فهي المراد بقوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} فهي وحي من الله
“.

وقال الحسين بن محمد آيت سعيد في كتابه [السنة النبوية وحي من الله محفوظة كالقرآن الكريم] (عنوانه مطابق للرسالة السابقة ولعلها ندوة جمعت المؤلفين): “قال ابن حزم -معلقا على هاتين الآيتين-: “فأخبر تعالى كما قدمنا، أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي، والوحي كله محفوظ بحفظ الله عزّ وجل، مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء؛ إذ ما حفظ الله تعالى بلا خلاف ذكْر، والذكر محفوظ بنص القرآن، فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عزّوجل، مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء؛ إذ ما حفظ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء، فهو منقول إلينا كله، فلله الحجة علينا أبدا ” …
قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:18-19]. ووجه الدلالة من الآيتين، أن الله تعالى أمر نبيه باتباع قراءة جبريل، والإنصاتِ لها، ثم بعدها تكفل الله له أن يبين له معاني ما قرأ وسمع. والبيانُ إنما وقع بالسنة، فدل ذلك على أن السنة من عند الله، كالقرآن سواء، لأن الله تعالى أضاف البيان لنفسه، فأفاد ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يتلقاه منه.
قال ابن حزم: “فأخبر تعالى أن بيان القرآن عليه عز وجل، وإذا كان عليه، فبيانه من عنده تعالى، والوحي كله -متلوُّه وغير متلوه- فهو من عند الله عز وجل
“.

وقد أقر هذا الاستدلال غير واحد وشرحه.

وقد قال عبد الله بن عباس: “من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب، قوله: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب} فكان الرجم مما أخفوا” رواه النسائي في الكبرى والطبري في تفسيره بسند قوي.

فكيف بمن كفر بالرجم وكل السنة، فهذا كافر بالقرآن وإن سمى نفسه قرآنيًّا، فإن القرآن دله على بيان السنة، ولهذا ما صدر من بعض المشايخ من تكفير القوم هو حق وهو المستفاد من صنيع الصحابة وعليه عامة علماء الأمة.